هوميروس يكره الدولة لكنه يحب زوجته "مارج" وأطفاله : بارط وليزا وماغي. عمله بمركب للطاقة النووية بسبرينكفيلد، لم يبدّد فيه طيبته المفرطة، وحمى حسن النية تجاه العالم ،هو ميروس مستخدم عادي، يجد نفسه في حرب ضارية ضد مدير المركّب النووي ، حرب يكتشف فيما بعد أنها ضد أخطبوط فولاذي اسمه : الدولة، وضد الذين يبشّرون بالديموقراطية كأنبياء جدد لإنقاذ العالم من الطوفان المعاصر، رغم ذلك فهوميروس يحلم كالآخرين بآلة أوتوماتيكية لتوزيع كوكاكولا غير مرئية في مقر عمله ، أيام الآحاد يحلق زغب ساقي زوجته "مارج" ويعدّ مقالب ضد ابنه بارط متخيلا أنه سيطيح به بالضربة القاضية في جولة للملاكمة . هوميروس يعتقد أن السوبر ماركت سرق شكل المكتبات، وأن نشرات الأخبار روائع تمّ العثور عليها في أرشيف هيتشكوك، ابنته ليزا تواجه مشاكل مزمنة في المدرسة ، خاصة مع أستاذ الموسيقى، لكن هوميروس يعتبر تلك المقاطع الغامضة التي تعزفها ابنته على آلة الساكسفون موسيقى "جاز" حقيقية، بدليل أن أحد عازفي الجاز الذائعي الصيت بمحطة الميترو ، أحب ألحانها فأصبحت صديقته التي يستهويه أن يعزف معها ألحانا مشتركة . أما الصغيرة ماغي التي مازالت تضع مصّاصة بلاستيكية في فمها فقد حسمت ذات يوم شجارا بين أخويها بارط وليزا حين سألاها عن أيهما تحب أكثر، رضعت مصاصتها بقوة ثم ارتمت في أحضان التلفزيون حبيبها الذي لا يقاوم . السيد هوميروس لا علاقة له بالكوميديا الالهية، كما قد يتوهم الشعراء، انه بطل كوميديا بشرية تنقلها سلسلة الرسوم المتحركة "عائلة سيمبسون" وهي عائلة صغيرة وغريبة الأطوار، ذات وجوه بشعة وأصوات شبه حيوانية ، مقذوفة في ملحمة العصر تحت قيادة الإمبراطورية الأمريكية لكن مواقفها العفوية، وصدق مشاعرها الإنسانية تجعلها في التيار المعاكس لنظام العبودية الجديدة : الرأسمالية . سيكون سخيفا أن لا أتحدث عن أشياء مهمة بالنسبة للكثيرين، أشياء ذات أهمية قصوى تلفّ رقبة المثقف المعاصر كربطة عنق متدلية قد تخالها أحيانا لسان بقرة بريطانية، السخافات حبّات فشار متطايرة وذات رؤوس بيضاء ومشوهة تخطر ببالك كانطباعات متهورة عن العالم. إنني أرتاح للرسوم المتحركة ولا أرتاح للأدب لأنه مزعج كشوارب المنفلوطي. منذ شهور وصلني استدعاء من مكتب البريد للحضور بشأن مستعجل، اعتقدت أن الأمر يتعلق بتسلم رسالة وأي شيء من هذا القبيل ، عندما وصلت وسألت موظفا هناك، أخبرني أن رئيس مكتب البريد يريد مقابلتي، دخلت إليه فطلب مني بطاقة التعريف ، سلمتها له بعدها أخرج من دولاب مكتبه رسالتين، واحدة كنت أرسلتها إلى مجلة عربية والثانية إلى شاعر وصديق في منطقة ما من العالم، فوجئت وهو يسلّمني إياها يعينين تكادان تقفزان من محجريه قلت له : "ماذا تقصد؟" قال : " هذه الطوابع البريدية مستعملة هذا تزوير" . قلت له :"وماذا بعد؟" فقال لي بصوت مرتفع : "أنت تسرق الدولة" . أعرف أن أعصابي ليست دائما في الثلاجة، و أن يدي انطلقت بسرعة فكرة سوداء بالرأس إلى بطاقة التعريف التي كانت فوق المكتب، بعدها زعقت في وجهه :"طز عليك أنت والدولة با ابن الكلبة" ردخت الباب في وجهه كأي شخص واثق من نفسه . عندما خرجت أحسست أنني أسير بغير اتجاه ، الأفكار تتطاحن برأسي كأنها مشاحنة في مباراة للهوكي، كنت أريد فقط أن أعرف عن أي دولة يتحدث، أنا شخصيا لم يسبق لي أن رأيتها من قبل، اسمع عنها ربما، لكن أريد فقط مقابلتها وجها لوجه، كنت تصرفت كشخص واقعي وتفلت في وجهها، لا أحد يرى الدولة ،وهي ترى الجميع ، لذلك كل ما اقترفته يعنيها ، والا فالسافل ذاك يحتاج إلى طبيب بيطري . الدولة لا تخطئ أبدا ولا تكذب على أحد، انها فوق الرقاب والعباد، وشريعة السماء ذريعتها ، أنني وقح لاختلاسي طوابع الدولة، واستحق المثول أمام قضائها وقدرها . الدولة لا تسرق، ولا تزور، يدها حقيقية عندما تعصر عنق مواطن ، الدولة سيدة بخيلة ومتنفجة وتبدو عليها مظاهر السنوبزم، رغم أنها منحت وجبات الافطار مجانا في شهر رمضان ( مع أن ذلك ليس من جيبها) حتى اعتقد الجميع بعدها أن المغرب يعيش حصارا اقتصاديا ودوليا ، وأن الصور الملتقطة لهذا الشعب في محنته ، تعطي الانطباع أنه هو الذي عاش شراسة ثعلب الصحراء. أنا متلبّس بتهمة سرقة الدولة ، والدولة متلبسة بي لأنني عاطل عن العمل منذ ثلاثة سنوات، مثلي مثل الكثيرين من المافيوزيين ذوي النفوذ والسلطة والمال، الذين لم تستطع الحكومة الجديدة أن تشن عليهم حربا كما فعلت عندما اعلنت عن محاربة الفقر والفقراء، بالتذليل بهم وهم يتلقفون سطول الحريرة أمام كاميراتها (تنبيه : الحريرة هي صورة الوضع الجديد، لكن لا علاقة بالمناسبة بينها وبين الحرير أو الحرية كما قد يوهمنا البعض ) ،الفقر وألم الناس أصبح مادة للفرجة العمومية ، الديموقراطية هي كاميرا تتجول في سجون نظيفة وأمام سجناء يرقصون ويهتفون بلا بمعنى . خلف الكاميرا بالضبط ، هراوات على أضلع المتظاهرين من المعطلين واعتقالات سافرة . "التغيير" الذي تبشر به حكومة التناوب والتناور ، هو كاميرا من أحدث طراز تصور حياة من كوكب افتراضي ، الحكومة الجديدة كأخريات سابقة تتعاقب من أجل مزيد من الديموغاجية الرخيصة ، الحكومة بالمناسبة لا تعدو أن تكون خادمة فلبينية مستوردة ، الخطير في الأمر أن الكثير من المثقفين والشعراء سيزعجهم هذا الكلام أنا لا أقصد الذين استوزوا ، فهؤلاء قطعوا الواد دون أن تبلّل أقدامهم ، وهو الآن في الضفة الأخرى التي لا يصلها الفيضان . إنني أعني المطبّلين بالتناوب الممنوح ، والذين دخلوا بالثقافة للمقايضة ، ألا ترون أن الجميع يقايض الآن بشكل فاضح. هؤلاء هم مثقفو وشعراء النفع العام، الذين لا تفرق بين شيوخهم وشبابهم ، ربما شبابهم أسوأ لأنهم يعتقدون أن كلمة "تغيير" مستلهمة من أحد بيانات السوريالية ، أو لأنهم أمميون جدد ، فقد سقطت من كتاب "ما العمل؟" لابن سيرين . إنهم لا يكلّون عن البحث والدراسة في "شعرية التناوب" و ا"لحكومة و الهيرمينوطيقا "و "الرشوة و النقد الأدبي" و" العقلانية الرشدية في القبة البرلمانية" السّوس الذي ينخر قلب العالم الآن يغذيه السياسيون، لذلك فالحديث مع السياسي كالحديث مع دودة حديدية ضخمة ، السياسة أن تتخيل أنك تلفظ أحشاءك في مدينة مخبولة كالدار البيضاء ، على الأقل فأنا لا أجهد نفسي لتصديق المبشّرين بها، تحتاج السياسة إلى ملاكم من طراز تايسون ، أو الى قتّال محترف من جنسية إيطالية يرتكب جرائمه بقلب بارد . السياسة تركض بلا توقف لبلوغ مراكز القرار ، وهي تبدو وكأنها تفكر طوال الوقت مثل فيلسوف إغريقي ، لكنها في الحقيقة مصابة بفكرة واحدة تخترق رأسها بشكل متكرر كإبرة آلة الخياطة ، فكرة صارمة كخطوات جندي روسي في الساحة الحمراء اسمها : السُّلطة . السلطة والسياسة عشيقتان أمزونيتان بلا ريب ، والديموقراطية علبة ماكياجهما تستعملانها في الوقت المناسب. لا أعرف ما الذي يدعو الكثيرين للحديث عن الثقافة وعلاقتها بالسلطة ، في حين أن الأمر يتعلق فقط بخطأ شائع، يخلط بسبب حَوَل لغوي بين السُّلْطة والسًّلَطة. تقتضي شراهة"الثقافة الجديدة" أن تأكل من سلطة نهاية القرن ، سَلَطة الماكدونالدز والفاست فود الديموقراطية . فعماء جوعها الحداثي يذهب بها في هذا الظرف الفاسد إلى النداء بالمصالحة مع مؤسسات الدولة ، والعدول عن اللغة الوحشية لغة الصراع، المثقف والسياسي الجديدان يجمعهما التوافق، ويرضعان سويا من ضرع الدولة المتيبّس ، فضرورات العولمة الرشيدة تقتضي مزيدا من السلم الاجتماعي و تقتضي أيضا أن يصبح الشاعر موظفا حقيرا في أجهزة الدولة الحزبية ، لا تستغرب إذا كنت في المغرب، فحكومة التناوب لها باع طويل مع قصيدة النثر. معها تحققت ثروة في تاريخ البلاط العربي، إذ أصبح السياسي يمدح الشعر، بعد أن كان الشعر يمدح الحاكم ، الحكومة الجديدة تفتتح مهرجانا عالميا للشعر، وهذه نقطة تنضاف إلى السياسي الجديد المغسول بقيم وثقافة الشمال ، في عصر التسويقات Marketing الثقافية والسياسة ، يبدو هنا أن الرابح الأكبر هو السياسي ، لأنه عرف كيف يطوّع الثقافة لتصبح ثقافة دعائية وبروباغندا، ثقافة تسوّق المنتوج السياسي في تلفيف شعري. دور المثقف الجديد يشبه دور وكالة اشهارية من الحقبة الجوراسية . تلميع زجاج البوتيك و اضافة أضواء لمّاعة و ملونة تخدع العين، لا يعني ان السلعة المعروضة من نوع جيد ، هذا ما يحدث الآن عندما تحاول الدولة تسخير كل الطاقات واللعب بكل الأوراق لدرء فسادها والكوارث المخفية التي تجلس عليها. انه لعب فوق حقل ألغام ، ومزيلوها الذين اقترحوا لهذا الشأن في شكل كذبة صدقوها هم أنفسهم بدأوا الآن يرقعون في الكلام والفعل، لان البنيات المتراكبة ينخرها الدود. يصل الافتراء الفاضح إلى أن الشعب يحتاج الى إعادة التربية وان عقليته لا تواكب العصر وانه فوق ذلك مريض ثقافيا ، كما صرحت وزارة الشؤون الثقافية في حق شباب يواجهون غرابة الديموقراطية التي تهبط هراواتها حتى على المكفوفين منهم ، وتزج بالمجازين للعمل على تنظيف مراحيض الدولة الخنزة ، أو تسوق تاكسياتها إلى حيث حتفها . هؤلاء الشباب تعلموا في مدرسة الحياة وليس في المؤسسات التعليمية مادة، "عقوق الإنسان" والحق في التظاهر دفاعا عن العيش مثل أبناء الحكومة . على أية حال ، لا أحد أصبح يفهم ما يحدث، وحدها الحكومة وبطانتها من مثقفي المقايضة والمساومة يفهمان هذه الطلاسم الحديثة ، ويستسيغان المذاق المرّ لهذه الخلطة بعد انقراض السكر من البلاد . الدولة صرصار هائل مقلوب على ظهره وجحافل النمل من كل حدب وصوب تصنع تاريخ المأدبة . أنت تسرق الدولة