1. حينما اخترع العرب الصفر لم يكونوا يتصورون أنهم يضعون لبنة ستصير في ما بعد أساس لغة الحاسوب (Le langage binaire 0 et 1). فإذا كان العرب تقدموا في العلوم فإن ورثة حضارتهم تأخروا ببضعة عقود في المجال المادي عن نظرائهم الغربيين وربما نصف قرن فيما يتعلق باللاماديات. هذا وتشكل المسودة غير المرقمة لمشروع قانون استعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية إحدى مظاهر الرغبة في اللحاق بركب الحضارة اللامادية. فقد انتقل جزء مهم من الإنسانية من أبجديات التقاضي الواقعي (كما وصفه هوميروس في الإلياذة) إلى التقاضي عن بعد؛ في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء ومواجهة جائحة كورونا كوفيد-19. 2. لئن كان المغرب أضاع ما يقارب عقدا ونصف عقد من الزمن، في انتظار التحديث الحقيقي للمحاكم والتنزيل الكامل لمشاريع مولها الاتحاد الأوروبي وUs Aid، تبقى منهجية إصدار مشروع قانون تعديلي للمسطرتين المدنية والجنائية لإخراس منتقدي مسودة مشروع قانون منع انتقاد المنتجات المغربية ومقاطعتها ومنتقدي البدء في المحاكمة عن بعد خارج الإطار القانوني المواكب لها مبادرة صائبة لأنها ردة فعل سريعة لمتطلبات الجائحة؛ لكنها تتضمن مخاطر التسرع في تنزيل مشروع كبير على الورق لا تواكبه قاعدة بيانات مناسبة، جاهزة وتتطابق مع النص المسطري وتلبي حاجيات العمل في المحاكم وخصوصيات المرفق والعاملين به على طول المملكة. 3. لقد كانت تستوجب المقاربة التشاركية منذ زمن جمع موهوبين قانونيين معلوماتيين من جميع الفئات المتدخلة في المحاكمة المدنية والجنائية في ورشات واقعية أو على الفضاء الرقمي للنقاش الصريح لمواجهة كل المخاطر المحتملة (حدود ولوجية الفئات الهشة للعدالة الإلكترونية، مخاطر لوجيستيكية حقيقية، أخطار قانونية وإجرائية ...)، وتثمين المكتسبات الحقيقية التي يحملها المشروع من تعزيز الشفافية والمساواة في الإجراءات ومحاربة بعض ظواهر سمسرة الملفات وتوجيهها، وتعزيز قواعد المنافسة النزيهة وعدم هدر الوقت والجهد لجميع المتدخلين وتعزيز رضى المواطنين والمتقاضين على عدالتهم. هذا وارتأيت للاقتراب بروية من مسودة هذا المشروع التطرق في مرحلة أولى لاستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية في المسطرة المدنية المتعلقة بمحاكم أول درجة لأهميتها. 4. تطرق المشروع في بداياته إلى المقتضيات المنظمة للمسطرة أمام محاكم أول درجة، حيث جاءت المادة 31 فقرة 1 ملحقة لمقتضيات المادة 31 المتعلقة بتقييد الدعوى أمام تلك المحاكم، وكانت جريئة نسبيا بتبني التدبير المعلوماتي لإدارة القضايا المدنية بتنصيصها على أن النظام المعلوماتي يعين تلقائيا القاضي المكلف بالقضايا أو القاضي المقرر، إلى جانب تاريخ أول جلسة؛ لكنها تناقضت مع بقية المقتضيات التي تحدثت عن استعمال مساعدي القضاء للمنصة الإلكترونية، وكان أحرى بها أن تفرق بين حالة المهنيين والأشخاص العموميين وأغلب الأفراد الذاتيين غير القادرين على التعامل الرقمي مع المحاكمة عن بعد. هنا كان من الأرجح استثناء المحامين والأشخاص المعنوية من وجوب الانتقال إلى المحكمة من أجل إيداع مقال كتابي ومرفقاته والاكتفاء بالإيداع الإلكتروني، مع توفير إمكانية أداء الرسوم القضائية عن بعد كذلك بطريقة آمنة؛ علما أن هذا التعديل ربما لن يكون له تأثير كبير على فئة الكاتبات المساعدات للدفاع، خلافا لتأثيره النسبي على مداخيل السادة المفوضين القضائيين.. هنا بالإمكان التدخل للرفع قليلا من تعريفة التبليغ لصالحهم أو أي إجراءات تفضيلية أخرى. 5. يجب أن تكون أتمتة الإجراءات (Automatisation des actes de procédures) في إطار تصور مكتمل. فعدم الإشارة إلى خصائص المقال المودع والمذكرات الجوابية والتقارير اللاحقة في إطار تحقيق الدعوى سيجعل تجهيز الملفات ينجز بسرعة غير مقبولة بالمقارنة مع حكمها وتحريرها. ذلك أنه من الأولى في نظرنا تعيين خصائص المقالات والمذكرات وتقارير الخبراء القضائيين في قانون المسطرة المدنية عوض طلب المنصة أن تكون في صيغتي Word وpdf (أو أي صيغتين مشابهتين)، لتسهيل عملية تحرير الأحكام التمهيدية والأحكام النهائية ولاحقا القرارات الاستئنافية وربما قرارات محكمة النقض. 6.إنه من الأفضل بخصوص دور القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر بعد تعيينه بواسطة المنصة الإلكترونية أن تتولى هذه الأخيرة إحالة الملف عليه فورا ومباشرة في حسابه المهني، ويقوم هو فورا أو في أقرب وقت عن بعد بتحديد الجلسة المناسبة وتبليغ الطرفين والدفاع إلكترونيا بالاستدعاء وتاريخ الجلسة في عناوينهم الإلكترونية، درءا لتعيين المنصة ملفات في جلسات يصعب على القضاة تتبعها واقعا؛ فضلا عن أنه تصعب برمجة المنصة لتفادي حالات التنافي والتجريح وغياب القضاة والقاضيات أو إقامتهم خارج دوائر نفوذهم. كما أن هذه الطريقة ستمكن أيضا من تفادي طول الإجراءات في الملفات غير مكتملة الوثائق المرفقة. أشير هنا إلى أن المشاريع المرتقبة لوزارة العدل في المجال المسطري تريد محاصرة ظاهرة صدور الأحكام بعدم القبول دون توصل الأطراف. فمن باب أولى وانسجاما إغلاق هذا المنفذ. علما أن هذا التعيين التلقائي قد يصير لا يطاق في محاكم معينة تعرف ضغطا كبيرا للملفات. فمن سيبرمج المنصة الإلكترونية بإمكانه تحويل حياة بعض القضاة في المملكة على الأقل خلال مدد معينة إلى جحيم لا يحتمل، وبعض التجارب المروية كفيلة بالاحتراز من هذه الفرضية. 7. تم التنصيص في المادة 41 فقرة 2 على المنصة الإلكترونية لكنها أغفلت الإشارة إلى أنها هي أساس التعامل عن بعد بين الحسابات المهنية للمحامين ومحاكم المملكة. ذلك الإغفال نفسه سجلناه في عدم ذكر أن القاضي المقرر والقاضي المكلف بالقضية قد يكلفان من قدم مستندا إلكترونيا بتقديم أصله عند الاقتضاء. إن تصور المنصة الإلكترونية يجب أن يكون شاملا للمعاملات القضائية والإدارية، لذلك وجب أن تكون الحسابات المهنية للمسؤولين القضائيين والإداريين والمستشارين ونواب الوكيل العام للملك والقضاة ونواب وكيل الملك مضمنة كذلك، دون نسيان كتاب الضبط والتراجمة والعدول والموثقين...ومن أجل فعالية أكبر للمنصة يتوجب تضمين هواتف جميع المذكورين سالفا في برنامجها، بحيث تبعث رسالة إشعار إلى هواتف كل المستدعين بطريقة إلكترونية أو من أنجز الإجراء لصالحه أو من له الصفة والمصلحة في معرفته. 8. تثير الإحالة على نص تنظيمي في الفصل 41-4 من المشروع تساؤلا عن الغاية من عرض هذا المشروع منفردا وغير مرفق ببطاقة تقنية. فإذا كانت الغاية هي العمل بهذا المشروع فورا لتجاوز الجائحة فلا منطق بتضمين الإحالة على نص تنظيمي قد يطول صدوره أشهر أو سنوات. وإني أرى أنه كان الأولى إنجاز المنصة قبل عرض المشروع للدراسة القانونية حتى تكون مناقشة المجال التقني أفيد وأنجع ولاقتصاد الوقت والطاقة وللتطابق بين ما هو في الورق مع ما سيكون واقعا. 9. يجب أن يكون أول تبليغ تقوم به المنصة هو التبليغ الأولي الذي يقوم به القاضي المكلف بالقضية أو القاضي المقرر إلى المدعي الشخص الذاتي في المحكمة فورا أو أقرب وقت أو إلى الحساب المهني للدفاع أو الشخص المعنوي المدعي، وإلى المفوض القضائي المختار أوتوماتيكيا من قبل الطرف المدعي لتبليغ المدعى عليه، أو إلى الحساب الإلكتروني للشخص المعنوي أو المهني المدعى عليه. إن تبني التبليغ الإلكتروني له مميزات أكيدة وعظمى لكنه لا يخلو من مخاطر يجب توقعها ومحاصرتها بالتكنولوجيا والإجراءات والفصول القانونية والعمل القضائي. لذلك رأيت أنه كان من الأحرى بمحرر الفصل 41/8 التنصيص على حق جميع من له المصلحة من أطراف الدعوى ودفاعهم المنازعة في التوصل كدفع أولي قبل مناقشة القضية، ولمحكمة أولى درجة ذاتها أو من يليها ترتيب الأثر المناسب. ذلك أن العوارض التقنية المثبتة بموجب مقبول (خلل عام أو جهوي في الشبكة، سرقة حساب، سجن، حادثة، سفر بعيد ....) يجب أن تضمن في صيغة الفصل 41/9 كذلك في نظري. 10. إن المادة 50 من قانون المسطرة المدنية الحالي هي أيضا أولى بالتتميم، حيث وجب بداهة أن تنص على إمكانية عقد الجلسة عن بعد إذا عاق قاض أو أكثر الحضور بموافقة جماعية مع تحديد شكليات ذلك الانعقاد ومسبباته في فقرة تضاف إلى المادة 50؛ علما أنه لا معنى للحديث عن السجلات الورقية والمحضر الموقع يدويا بوجود منصة إلكترونية مع ما يستوجب ذلك من تعزيز لعناصر السلامة من بصمة اليد و/أو شبكة العين و/أو الوجه، وكذا الأقنان السرية وتسجيلات مؤمنة في كتل معلوماتية صلبة خارجية (disques durs externes ). *طالب باحث بصف الدكتوراةبمرصد التحولات المؤسساتية والقانونية بكلية الحقوق بليموج