ولكم كنت مندهشة كل الدهشة و أنا أقرأ بتمعن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة و التنمية، بل وأعجبت بالطريقة التي تم التطرق بها إلى مشاكل الواقع المغربي و ما ينبغي أن يطرأ عليه من تغيير طبقا لانتظارات الشعب المغربي و ما ورد في احتجاجاته طوال الآونة الأخيرة، من شباب و أطفال و رجال و "نساء"... لم أرغب حينئذ في انتقاد ما قدمه هذا البرنامج من أرقام و إحصائيات في حين اعتبرها العديد من النقاد و المحللين السياسيين و الاقتصاديين خيالية و صعبة التحقق بل و مستحيلة أحيانا، و ذلك على اعتبار أن في المغرب، و بفضل ما يزخر به من مؤهلات بشرية و طبيعية، كل شيء ممكن حتى المستحيل ! و لا شك أنهم كثيرون مثلي من علقوا آمالهم و مدوا أحلامهم إلى أبعد مدى حيث يبلغ معدل النمو الاقتصادي 7% و يرتفع الحد الأدنى من الأجور إلى 3000 درهم شهريا، الخ... و لكن سرعان ما تتبخر آمال المواطن المغربي مباشرة بعد مضي سحابة الحملات الانتخابية... يا ترى ما الذي جعل نسبة النمو الاقتصادي الموعود بها تقفز من 7% إلى 5.5% ؟ لماذا يغيب عن البرنامج الحكومي عدد لا يستهان به من الأرقام و الإحصائيات التي ووعد بها المواطن المغربي في البرنامج الحكومي لحزب العدالة و التنمية الحاكم و التي اعتمد عليها المنتخبون لوضع ثقتهم ومنح أصواتهم الثمينة لهذا الحزب المحترم لعله يصلح أخطاء سابقيه... ؟ و لكم كان "الإسلاميون" متشبثين بأرقامهم هاته أثناء الحملة الانتخابية مهما ما وجه لهم من انتقادات بناءة و واقعية، فما فتئوا يقدمون لنا أدمغ الحجج معبرين بذلك عن مدى قوة قناعتهم بإمكانية تنزيل وعودهم على أرض واقع "عكر". و هكذا كسبوا ثقة من صوتوا لهم ومعظمهم قال: "ها حنا غادي نشوفوهوم شنو غادي يديرو..." إن الشعب المغربي اليوم على دراية كاملة بمشاكله و كذا حلولها. الشعب المغربي لم يعد في حاجة إلى أرقام و وعود، بل يريد برنامجا يتضمن عوض تلك الأرقام و النسب، "الوسائل" المفروض اتخاذها !الأفضل لتحقيق و في صدد الحديث عن هاته الوسائل، يطرح السؤال الآتي: "من بيده مسؤولية تدبير وسائل حل مشاكل المواطن المغربي؟ لسوء الحظ، شاءت الظروف أن يتحالف حزب العدالة و التنمية مع ذوي التجارب الحكومية الفاشلة التي سئم المواطن المغربي من مخلفاتها و التي لطالما انتقدت من قبل الحزب الإسلامي حتى في برنامجه الانتخابي، حينما تطرق إلى "أسباب فشل السياسات في استثمار الإمكانات لمصلحة التنمية" و التي لخصها آنذاك في أزمة الحكامة و انتشار الفساد و تفاقم المحسوبية و الزبونية و الرشوة... ألم يعني بذلك فشل حزب الاستقلال الحاكم آنذاك ؟ و الغريب في الأمر أن الظروف شاءت أن يتحالف الحزب المنتقد و الحزب المنتقد في إطار تشكيل أول حكومة مغربية بعد أحداث الربيع العربي و صدور دستور 2011 و التي يفترض فيها تخطي مخلفات فشل الحكومة السابقة. فكيف لنا أن نأمل نجاحها ما دام من كانوا على رأس أزمة الحكامة المنتقدة متجذرين داخل المؤسسات الحكومية الجديدة ؟ صحيح أن حزب الاستقلال، على سبيل المثال، قد أحرز على المرتبة الثانية في استحقاقات 25 نونبر 2011، و ربما يعتبر البعض أن ذلك دليل على أنه ثاني أكثر حزب ترحيبا من قبل الشعب المغربي، و لكن من الواجب على حزب العدالة و التنمية كحزب حاكم يمثل جميع المواطنين المغاربة مساندين كانوا أو معارضين له، أن يأخذ بعين الاعتبار بجدية و مسؤولية عالية موقف 54.6% من المغاربة الذين أبوا أن يتوجهوا إلى مكاتب التصويت، و لعل ذلك يدل على شيء واحد ألا و هو سخطهم عن الوضعية السياسية الحالية و انعدام ثقتهم في ذوي التجارب الحكومية الفاشلة، و أبرزها حكومة السيد "عباس الفاسي" التي اندلعت في ظلها تلك المظاهرات التي نادت و لا زالت تنادي بالتغيير و محاربة الفساد... ربما لو صوت هؤلاء، لما شاهدنا أثر حزب الاستقلال و أحزاب أخرى داخل حكومة السيد "عبد الإله بنكيران"... و عليه، إذا كانت الظروف السياسية الحالية تحول دون تحالف حزب العدالة و التنمية مع أحزاب أكثر نزاهة و شفافية، فليتحمل السيد رئيس الحكومة مسؤولية تسيير حكومته بطريقة لا تخرج عن نطاق أخلاق و مبادئ حزبه من شأنها احترام تطلعات الشعب المغربي من خلال بناء برنامجه الحكومي و العمل به طبقا لما قدمه لنا سابقا في برنامجه الانتخابي الذي حظي ب "إعجاب" من صوتوا له...