- لديّ خبران لك: خبر جيّد وآخر سيء.. أما الجيد فهو عثوري على عنوان "آلفي" سارق الكتاب.. أما السيّء فهو أن الرجل يعرض الكتاب للبيع على موقع "إي- باي" للتجارة الإلكترونية، وهو ما يجعل احتمال ضياع الكتاب إلى الأبد أمرا غير مستبعد.. كنا نجلس أنا وشروق في نفس المقهى، بعد أن طلبت مني اللقاء. الحقيقة أنها لم تطلبه بل فرضته عليّ فرضاً.. عندما زارتني في مخبئنا كانت كلماتها مقتضبة، واضحة، قاسية. وقالت جملة واحدة: - غدا في نفس المقهى، في الخامسة مساء، أو أبلغ الشرطة الآن.. قالت هذا ثم انسحبت لا تلوي على شيء، قبل أن أفيق أنا من هول الصدمة والمفاجأة. لم يبق أمامي مفرّ من تلبية رغبتها. وعندما التقينا شرحت لي كيف استطاعت أن تتوصل إلى مكان تواجدي.. - لقد شاهدتك مرارا قبل أيام مع ذلك المدعوّ سمير أو منير، وعندما مرّ أمام مقهاي بوجهه المغطى بالضمادات فهمت أنك بالتأكيد من فعل به ذلك. هكذا، لم يكلفني الأمر سوى 200 درهم وكذبة بيضاء ادعيت فيها أنني رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية وكلام كثير فارغ... طبعا هو لم يكن غبيا، وفهم من كلامي أنني لا أشكل خطرا، لكنه مع ذلك ألقى تهديدا أو اثنين محذّرا من مغبة قولي الحقيقة لك، وأنه قادر في أية لحظة على إيذائي. لكن كل ذلك لم يهمّني إطلاقا كل تلك التفاصيل، بما فيها اختطافك لابنة البرلماني، فأنا يستحيل أن أكمل رحلة البحث عن الكتاب وحدي وأحتاجك فعلا بجانبي... - أيا كان الأمر.. أعتقد أنني مجبر على تركك تواصلين البحث وحدك. كما ترين، أعيش الآن أحداثا مهولة اقتحمتها بنفسي اقتحاما ولا أنوي التراجع.. ولو أخبرتك بهوية البرلماني وما حدث لي معه يوما فستعذرينني.. - احكي لي إذن.. كلي آذان صاغية.. هكذا انطلق لساني لأول مرة منذ عشر سنوات أو يزيد وألفيتُني أروي تاريخي الأسود مع "رشيد" أو "رشيد عبد القادر الغياط". حكيت لها كيف دمر طفولتنا. كيف آذانا وأحرق جلودنا. كيف حولنا إلى رقيقٍ في ملجأ. كيف أخرج إلى العالم مجموعة مجرمين مستعدين لارتكاب ما لا يخطر على البال من آثام. حكيتُ وحكيتُ حتى شعرت بنوع من الراحة ودموعي، التي اعتقدت أنها جفت، تنهمر وتنهمر. لأول مرة لم أبالي بأي شيء وتركت نفسي أفرغ ذلك الثقل الذي كان يجثم على صدري. ثقل ذكريات قاتلة مدمّرة. تربّت شروق على كفي وعلى شفتيها ابتسامتها العذبة التي لا تكلف نفسها الكثير لترسمها على وجهها. لازالت فراستي تقول لي أنها صادقة تماما ولا تدّعي شيئا. فهل أتبعها أم أتجاهلها؟ فراستي أقصد وليس شروق طبعا. - في القصاص حياة يا عماد. وأنا لا أنكر عليك الآن رغبتك في ردّ الصاع صاعين. لكن التهور مميت. وقد تمنح عبد القادر فرصة عمره لإيذائك من جديد. وعندها ستندم وقت لا ينفعك الندم. لو تمكنت الشرطة من الوصول إليك، فكن أكيدا أن عبد القادر لن يرحمك وسيستعمل ما استطاع من قوّة وسلطة لإيداعك السجن لأطول مدة ممكنة أولاً، ولتحويل حياتك في السجن إلى جحيم ثانيا. لهذا، إن كان رأيي يعني لك شيئا، فاتّبعني أهدِك سبيل الرشاد. - ماذا تقترحين؟ - أول شيء تفعله هو أن تطلق سراح منية. هذه خطوة لا مفر منها. لقد استفدت من عملية الخطف هذه عندما خدمتك الصدفة وعرفت مكان غريمك، وأظن هذه فدية مقبولة لحدّ الآن. لحد اللحظة، بإمكانك التراجع.. لو تأخرت أكثر لا نعرف ماذا قد يحدث وأي تطور قد يطرأ على الأمور سواء من جهة الأمن أو حتى من جهة صديقيك سمير وذلك الضخم.. - منير و"الدندول".. - لا يهمّ.. إن هي إلا أسماء سمّيتموها.. صدقني، لو استعدنا الكتاب، سيكون أمامنا وقت وفرصة لنعود لصاحبك ونأخذ منه حقنا.. أعدك بذلك.. مرة أخرى تستعمل شروق صيغة الجمع. ومرة أخرى تصيب وترا في قلبي. ذلك الشعور الغريب بأن شخصا ما يريد أن يفعل شيئا أو ينجز أمرا ويعتبرك جزءا منه. شعور عاديّ جدّا بالنسبة للكثيرين، لكن لنا أبناء الشوارع فهو أمر جللٌ وإحساس نادر جدّا. - عماد.. أعرف أن الحياة دعكتك.. أعرف أنك لا تثق بأحد.. لكن، واعتبرها مسألة تفعلها مرة واحدة في حياتك، ثق بي وأسلمني نفسك، وكن عونا لي. ودعنا نستعيد هذا الكتاب من أجل طنجتنا.. - أحب طنجة.. ولك في قلبي مكان لا أنكره.. لكنني أحتاج المال ياشروق.. - جميل جدا أنك تطرقت لموضوع المال. فأنا لديّ حلّ وسط بخصوصه.. - كيف ذلك؟ ! - سنحاول ما أمكن أن نستعيد الكتاب أولا.. وبعدها نبيعه كما تريد، كي لا نخسر الثروة التي قد تأتي من ورائه، لكن نحتفظ بنسخة منه.. - تعرفين أن النسخة لا تساوي شيئا.. - سنحتفظ بها من أجل ترجمتها للغة العربية، وهو حقّ سنشترطه على من يشتري الكتاب. هو له الكتاب، ونحن لنا حق الترجمة والنشر عربيا !! - أبذل مجهودا كبيرا لفهم ما تقولين بالضبط لكنني عموما فهمت الفكرة، سنضرب عصفورين بحجر: نبيع الكتاب، ونسوّق لطنجتنا وتاريخها من خلال ترجمته.. هكذا؟ صح؟ - تماما.. الله يرضي عليك.. - والله كلام نظري جميل.. لكن أمامنا عقبات كالجبال. فالكتاب وسارقه في لندن، بل إنه كما قلت قد بدأ عملية عرضه للبيع، وإمكانياتنا محدودة جدا. ثم بالنسبة للترجمة، من سيقوم بها وكيف؟ والله هذه الأمور هي التي أفر منها.. أشعر بارتباك شديد ودوخة.. - لهذا بالضبط قلت لك أسلمني نفسك.. - حتى لو فعلت.. فأي إضافة قد أقدم عندما أسلمك نفسي كما تقولين؟ - هل توافق على الزواج بي يا عماد؟ !!! رواية "المتشرد" 11 .. "شروق" تعود إلى واجهة الأحداث من جديد