عرفت سنة 2019 دينامية استثنائية على المستوى السياسي، وفق تقرير عربي، "خاصة فيما يتعلّق بالشّروع الفعلي للمؤسّسة الملكية في فتح ملفات ذات طابع هيكلي". وتحدّث التقرير الإستراتيجي للمنطقة العربية في عام 2019، الصادر عن جمعية مجموعة التفكير الإستراتيجي، عن "النّفس العامّ" الذي ميَّز الخطب الملكية في السنوات الست الأخيرة، ويكشف عن "جيل جديد من الخطب الملكية تميَّزَت بطابَعها النّقدي تجاه عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية"، وأضاف: وهو ما أسندته موضوعيا عدد من تقارير المؤسسات الوطنية التي تعاطت بجرأة نقدية مع عدد من الملفّات والقضايا الوطنية، وهي: المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والتقارير السنوية لبنك المغرب. التقرير، الذي أشرف على إعداد شقّه المغربي الذي أشرف عليه الباحث عصام الرجواني عن المركز المغربي للدّراسات والأبحاث المعاصِرَة، تحدّث عن المرحلة الجديد التي أعلن بدايتها خطاب عيد العرش في الذكرى العشرين لتولّي الملك محمد السادس الحكم، والتي أكّد معها فشل النموذج التنموي المغربي، ثم أعلن الخطوط العريضة التي ينبغي للجنة النموذج التنموي المغربي العمل عليها، في خطاب ذكرى ثورة الملك والشّعب. وتطرق التقرير لما تطرحه منهجية تدبير المؤسسة الملكية للملفّات والقضايا الكبرى من خلال تعيين لجنة تعدّ مشاريع وبرامج ونصوصا تُتَبنّى مؤسّساتيا في غياب تامّ للفاعل الحزبي والسياسي، ممّا يُفقِدُ هذه البرامج والمشاريع مصداقيّتَها، ويطرح علامة استفهام كبيرة حول جدوى ودور الحكومة والانتخابات والبرنامج الحكومي، وما يوحي به غياب شخصية سياسية في اللجنة من الأغلبية أو المعارضة من "الإصرار على تغييب سؤل الديمقراطية في معالجة إشكالات التنمية، وهو ما توضّحه هيمنة التكنوقراط والاقتصاديين على تركيبتها". وتناول التقرير "المطبّات الحقوقية خلال عام 2019" معتبرا أنّها قد "شوّشت بشكل بالغ على سمعة المغرب الحقوقية"، ووضع على رأس هذه المطبّات قضية الصحافية هاجر الريسوني، والتي رجّح أنّ في استهدافها بدرجة أولى استهدافا لعمّيْها أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وسليمان الريسوني، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم"، مذكّرا بصدور عفو ملكي عنها وعن المتابَعين معها. ورأى التقرير أنّ أبرز الأحداث الحكومية، رغم الهزات والاضطرابات السياسية بين أحزابها، "انسحاب حزب التقدم والاشتراكية منها في خضمّ المشاورات التي دعا إليها الملك في خطاب العرش الأخير"، كما تطرّق للتعديل الحكومي الذي تمّ بتوجيه ملكي، وسُعِي فيه إلى كسب رهانَي الكفاءة والاستحقاق، وتقليص العدد، وإعادة النظر في الهيكلة الحكومية. ثم عرج التقرير على ذكر ما أعقب الإعلان عن الأسماء الجديدة من انتقادات لضمّها تسعة وزراء دون انتماء سياسي؛ مما يعني عدم تحمّلهم أي مسؤولية سياسية عن حصيلة الأداء الحكومي، مما يجعل "سيادة رئيس الحكومة منقوصة ما دام ثلث أعضائها لا ينتمون إلى أحزاب الأغلبية". وسجّل التقرير حدوث "منعطف حاسم للمسألة التعليمية بالمغرب مع المصادقة على القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، وزاد مذكّرا بالجدل السياسي والأكاديمي الواسع الذي أثاره بالمغرب، خاصة فيما يتعلّق بالمسألة اللغوية عند الحديث عن تدريس المواد العلمية بأكملها باللغات الأجنبية، ومجانية التعليم. وتطرّق التقرير الإستراتيجي للمنطقة العربية إلى "النجاحات الدبلوماسية والمكاسب السياسية للمغرب في قضية الصحراء المغربية"، وسجّل أنّ أهمها القرارات المتعاقبة لمجلس الأمن خلال عام 2019، وتعزيز المسلسل السياسي تحت الرعاية الحصرية للأمم المتحدة، على مستويات مأسسة مسلسل الطاولتين المستديرتَين، وتحديد الهدف في "التوصل لحل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم مبني على التّوافق"، وإعادة تحديد من يجلس على الطّاولة: المغرب، والجزائر، وموريتانيا، والبوليساريو، مع التأسيس لمقاربة براغماتية وبنّاءة للمضي قدما بالمسلسل السياسي، مع حثّ الجزائر والبوليساريو على التحلي بالواقعية وروح التّوافق. وذكر التقرير أن المغرب قد حافظ في سنة 2019 على مكتسباته في قضية الصحراء، بقرارٍ لمجلس الأمن، وعلى رأسها أولوية مقترح الحكم الذّاتي، والإشادة بمجهوداته في إنجاح المسار السياسي، مع حثّ جبهة البوليساريو على الكفّ عن جميع الأعمال الاستفزازية التي من شأنها عرقلة المسلسل الأممي، إضافة إلى "تواصل سَحبِ الاعتراف بالكيان الوهمي من أربع دول، هي: المالاوي، وزامبيا إفريقيا، والسلفادور، والبارباد في أمريكا اللاتينية". كما سجّل التقرير العربي في سنة 2019 استمرار نهج المغرب سياسة الانفتاح والتّعاون الإيجابي في علاقاته الخارجية، مع التعبير في الوقت نفسه عن حساسية بالغة إزاء القضايا والعلاقات التي تمسّ استقلالية قراره وسيادته الوطنيّة، مما يكسبه احتراما دوليا.