قال الداعية الإسلامي عمرو خالد إن من أسماء الله الحسنى اسم الله الودود، وهو من الأسماء التي تشعرك بالقرب الشديد من الله سبحانه وتعالى، وقد ورد مرتين في القرآن الكريم، الأولى في قول الله تبارك وتعالى {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ*ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (البروج: 14 و15)، والثانية في قول الله تبارك وتعالى {... إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} (هود:90). ما معنى الود؟ وأورد خالد في ثامن حلقات برنامجه الرمضاني "كأنك تراه" إن "كلمة الود تجدها في أي مُعجم بمعنى الحب والحنان"، مفسرًا اختيار الله تعالى لنفسه اسم الودود، بأن "الإنسان يمكن أن يحب أحدًا، لكنه أحيانًا يكون بداخله غل تجاهه..أما الودود، فهو لا يعرف حقدًا أو غلا، إنه أصفى الحب وأنقاه.. أعلى درجات الحب، وأصفى الحب الذي ليس فيه غل أو كراهية، مردفا: "الله أصفى الحب وأنقاه. وقالوا الودود: الذي يتودد ويُحب أولياءه وأنبياءه وعباده الصالحين". الداعية الإسلامي تابع قائلا: "أيضًا في معنى اسم الله الودود: الذي تقرب إلى أوليائه، وتحبب إليهم بالقرب منهم، وتحبب إلى المذنبين بالرحمة والمغفرة، وتحبب إلى الخلق كل الخلق بالعطاء والرفق في الكون. سبحانه الودود، يتودد إلى عباده بالحنان والعطف والحب، فيحنو عليهم ويُحبهم ويُعطيهم. أنت المُخاطب بهذا الاسم..هل لك أن تتخيل ذلك؟!"، ومضى قائلاً: "كل واحد منا له أشخاص في حياته ودودون، يتعلق بهم، لكن ود الله لك هو أعظم ود في حياتك.. لا بد أن توقن يقينًا تامًا بأنه الودود، وتكون هناك عقيدة ثابتة في قلبك بأن الودود سبحانه وتعالى الذي يُحب عباده ويحنو عليهم، ولذلك تجد اسمًا آخر وهو "الحنَّان"، وقد ورد في بعض الأحاديث، ووردت إشارة له في القرآن { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا... } مريم13. يجب أن تشعر بأن الله يحبك ويتودد إليك، فتصبح عبد الودود". ما الفرق بين الود والحُب؟ أوضح خالد أن "الود أشمل وأعم وأكبر من الحب.. كيف؟ الحب هو المشاعر الداخلية، والود هو التعبير عن هذه المشاعر بالأفعال، لماذا لم يسم نفسه الحبيب؟ لأن الود أشمل..الحب مشاعر داخلية، والود تصرفات وأفعال.. الحب إحساس داخلي والود ترجمة وتحويل المشاعر الداخلية لأفعال وتصرفات. ولذلك أنا أُكن لك مشاعر جميلة.. هذا هو الحب، لكن عندما أبتسم في وجهك أو أعطيك هدية فذلك ود. ولله المثل الأعلى فهو الذي سمى نفسه الودود". لذا، اعتبر الداعية الإسلامي أن "كل ودود مُحب وليس كل مُحب ودودًا"، وزاد: "هناك حديث واضح جدًا يبين لك هذا الفرق: إن الله إذا أحب عبدًا نادى جبريل، يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه - لماذا؟ لأنه الودود سبحانه وتعالى – فينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. ما شعورك الآن بالودود؟". ما الفرق بين الودود والرحيم والغفور والتواب؟ قال عمرو خالد إنه "ربما يشعر البعض بأن هذه الأسماء متقاربة ولها نفس المعنى...لكن الفرق كبير"، وزاد موضحا: "أشرح لك بمثل..الإنسان مخلوق ضعيف، احتياجاته لا تنتهي، محتاج للطعام والشراب، فيتجلى الله عليه باسمه الرزاق.. محتاج للحماية والحفظ فيتجلى الله عليه باسمه الحفيظ..محتاج للتربية والإصلاح، فيتجلى الله عليه باسمه الرحيم.. محتاج للتعليم والفهم فيتجلى الله عليه باسمه الفتاح العليم، محتاج قوة وعزة، فيتجلى عليه باسمه العزيز"، مردفا: "كل ذلك يحتاجه، لكنه يحتاج إلى شيء هام جدًا ألا وهو الحنان والعطف؛ فالله تبارك وتعالى تجلى عليه بالرحيم والكريم والرزاق والعزيز، ولكنه مازال يحتاج لشيء آخر.. فتجلى عليه باسمه الودود. أرأيت كم هو عليم باحتياجاتك؟ فاحتياجاتك المادية.. الرزاق، واحتياجاتك الروحية.. الودود سبحانه وتعالى". لماذا الود؟ ذكر خالد أن "الزارع يحب زرعته، والصانع يحب صنعته، وأنت زرع وصنع الله..أنت ثمرة الكون، لذلك أسجد الملائكة لأبيك آدم، وقال عن عباده المؤمنين: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية".. أنت غال على الله.. تأكد أنه يحبك". وحث الداعية الإسلامي على التأمل في خلق الله قائلاً: "انظر إلى الكون وخلق الله في كونه، كلما نظرت في صفحة الكون وجدت دلائل تودد الله تبارك وتعالى إليك.. الشمس، القمر، الأنهار، البحار، الورود.. وكل هذه الأشياء لها وظائف لديمومة الحياة، ولكن نفس هذه الأشياء جعل الله فيها دلائل وده"، وضرب مثلا الشمس وقت الشروق، والشمس في لحظة الغروب وما تفعله في القلب..! وزاد: "ما وقع في القلب هذا هو من الودود سبحانه وتعالى.. هناك ملايين الأنواع من الأسماك.. كم نوع منها يؤكل..؟ قليل..أما الباقي فهو زينة ومناظر جميلة! انظروا إلى الكون بطريقة جديدة.. الودود سبحانه وتعالى هو الذي خلق الأزهار التي لا تؤكل.. لماذا؟ من أجل الشكل الجميل والرائحة، ومن أجل صناعة العطور، فكلما رأيت وردة تذكرت الودود سبحانه وتعالى. هناك ملايين الأنواع من الطيور.. كم نوع منها يؤكل..؟ قليل جدًا..والباقي؟! ، كما قال: "من الودود سبحانه وتعالى جعل الله لك مئات الأنواع من الفاكهة وبألوان مختلفة. أعطيك مثلاً.. عندما تكون معزومًا لدى شخص في بيته، ووضع لك على مائدة الطعام الأرز واللحم والماء..ألم يكرمك؟ ألم يضيفك؟ نعم، ولكن هناك فرقا كبيرا أن تذهب لبيت آخر وتجد فيه على مائدة الطعام كل ما لذ وطاب وعشرة أنواع من الفاكهة وورودا وعطورا، فالأول أطعمك، أما الثاني تودد إليك". ودعا خالد إلى "إعادة النظر في الكون بوسعه مرة أخرى، ولتعلم أنه مسجد كبير. وحتى تعرف الودود سبحانه وتعالى وتتودد إليه استمع إلى هذه الآية التي ستجعلك تذوب شوقًا للودود سبحانه وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (مريم:96). إن تؤمن وتعمل الصالحات سيكون لك ود خاص، وكلمة "سيجعل" هنا ممتدة. سيجعل في الدنيا؟ نعم..سيجعل في القبر؟ نعم.. سيجعل يوم القيامة؟ نعم.. سيجعل في الجنة..؟ نعم.. الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولم يقل الشهداء ولم يقل الأنبياء". وأشار الداعية الإسلامي إلى أن النبي عندما تأخر عنه الوحي ستة أشهر بدأت قريش تضحك وتقول: رب مُحمد قلاه (ودّعه) والنبي صلى الله عليه وسلم يتألم ألما شديدا، فنزلت سورة كاملة من القرآن {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى } (الضحى1-7)، وعلق: "كلمة "ألم" تُذكر ثلاث مرات. انظر إلى الود في كلمة "فآوى" وكأنها حُضن رقيق، وانظر إلى السورة وقد بدأت بالضحى والليل، فأراد الله تعالى أن يضرب له مثل بالكون في أفضل لقطات الود التي فيه، وأقسم بالليل في لحظات الصفاء الرقيقة وليس بالليل الموحش". وأضاف عمرو خالد: "أيضًا في قصة مريم لاحظ ما فيها من ود لله تجاهها، انظر إلى وده لمريم "وحنانًا من لدنا .. وهزي إليك .. يا ليتني مت .. فناداها من تحتها". الودود يحبك أن تذهب إليه، تُكلمه. هناك فرق بين الدعاء والفضفضة وأن تشكو إلى الله همك، لأنه الودود سبحانه وتعالى. عندما تُحب إنسانًا ويكون مُتعبًا.. ماذا يفعل؟ يقول لك سآتي لأشتكي إليك ولا أريد منك شيئًا غير الفضفضة.. فهل جربت أن تذهب إلى الله الودود سبحانه وتعالى..؟"، وأشار إلى أن الله محب لعباده.. "لا يمكن أن تذهب مضطرًا تبكي إلا ويطبطب عليك.. يعقوب: "إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ".. الشكاية إلى الله عباده. تكلم مع الودود سبحانه وتعالى وأنت مستلق على فراشك، واشتك إليه واستشعر قربك منه، فهذه عبادة رقيقة جدًا، وما إن تفعلها إلا وتجد حلاوة في قلبك عجيبة.. هذه الحلاوة تعرف أنها من الودود سبحانه وتعالى". وذكر خالد أن "الصحابي عثمان بن أبي طلحة عندما أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: يا رسول الله أشتكي من وجع في جسدي، فيعلمه النبي أن يكون بينه وبين الله علاقة قريبة، فقال له النبي: ضع يدك على مكان الوجع وقل باسم الله ثلاث مرات ثم قل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات. يقول ظللت أفعلها فذهب عني الوجع، وقال إن "الودود يعاتبك بود { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } (الحديد:16).. فعتابه ليس مؤلمًا..وهذا أقوى رد على المتشددين. الودود الذي غرس في كل قلوبنا الود بيننا وبين بعض.."لمة العيلة".. الأصحاب والصداقة.. حنان الأم والأب.. دموع الأم وهي تودع ابنها للسفر. كما أن الحب بين الرجل وزوجته.. ولهفتهما على بعض { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...} الروم21. من الودود سبحانه وتعالى". وفسر الداعية الإسلامي تسمية "العُمرة" بهذا الاسم لأنها "زيارة تُعمّر الود بينك وبين الله سبحانه وتعالى ولإعمار الود بين العبد وبين الله تعالى.. أليست العُمرة من الودود؟ ألا تلاحظ أن ما تردده عند وصولك إلى الكعبة: هو "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك"، وذكر ما قاله أحد التابعين أثناء كلمات التلبية: "طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك".. الودود بدأ بحبه لك "يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ"، "رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ". كيف تعيش مع الله كأنك تراه باسم الله الودود؟ يدعو "خالد" قائلاً: "اذهب إلى الله بمنتهى الحب واملأ قلبك بحبه: "أحبوا الله من كل قلوبكم".. كُن على يقين شديد بأن الله يتودد إليك فلا تنس ذلك.. كُن ودودًا مع الناس، مع زوجتك، مع عائلتك، مع طلابك إن كنت مدرسًاً، مع موظفيك إن كنت صاحب شركة.. اسم الله الودود مدخل لمنزلة حب الله".