يروج في الآونة الأخيرة مشروع قانون 22-20 يتعلق بحرية البث المفتوح في الشبكات الاجتماعية، وتتباين الآراء السياسية والإعلامية والحقوقية إزاء المشروع الجديد بين مناور يراهن على التعديل السياسي والبرلماني للمشروع وبين النيات الصادقة في كبح الإشاعات والأخبار الزائفة الماسة بالمؤسسات والهيئات والأشخاص. وإذا كان أهل القانون والإعلام أحق من غيرهم بتقديم ما يرونه كفيلا في ضمان" ديمقراطية المعلومة وحرية الوصول إليها وتحليلها" لبناء مواقف ترشد الجهود وترسخ فاعلية المؤسسات، إلا أن طرحه في هذه الآونة، حيث يعتز كل مغربي بالتفاعل المغربي ملكا وحكومة وشعبا مع الوباء ويجتهد في الخروج من تداعياته بأقل الخسائر الاقتصادية والصحية والاجتماعية، يدفعنا إلى المساهمة في توجيه المسار بما يرسخ هذا الاعتزاز. التفاعل ليست رجع صدى قد يبدو لكل من له دراية بالإعلام والقوانين المنظمة له أن هدف بعض الهيئات، سواء كانت رسمية أو غير رسمية أن إطلاق الإشاعات يروم معرفة الرد الشعبي نحو أي تشريع قانوني بكونه إطلاقها ألية مقبولة تنوب عن الاستشارات الديمقراطية في البلدان المتقدمة، حيث يعني الرد الإيجابي المضي في المشروع في أفق تعديله في حين أن التجاوب السلبي فرصة لإقباره. لكن إدانة "نعيمة البدوية" بالعقوبة الثقيلة وإتباعها بتسريب مشروع القانون وتصريحات مسؤولين حكوميين بأنهم بصدد استعمال أجهزة تترقب الأشخاص وأخبارهم وتوجهاتهم الفكرية واختياراتهم بهدف الإدلاء بما يسمى "معلومات ومعطيات وأدلة" لإدانتهم يمكن اعتباره ردة على مكتسبات المغرب الحقوقية والتنموية. فأهل الاختصاص من القانونيين والإعلاميين وفعاليات المجتمع المدني بذلوا قصارى جهدهم في صياغة قانون النشر والصحافة، بل سارعت النقابة الوطنية بالمغرب ووزارة الاتصال في التفاعل المبكر مع الصحافة الإلكترونية والقبول بها لاعبا في الساحة الوطنية في نقل المعلومة وتحليلها. وجاءت التشريعات الدولية وإمكانية استثمار الفضاء المفتوح أمام ما يسمى ب"صحافة المواطن" ليشكل أرضية لمن ليس حق - دون أهل الحرفة والمتعاملين معها- لتحقيق "ديمقراطية المعلومة" وحرية تحليلها بما يرشد القرار الرسمي أو الشعبي أمام الشطط أو مبدأ " ما أريكم إلا ما أرى". السياسيون، ممن يدبرون الشأن العام أو ممن خرجوا منه قبلا، يتذرعون أمام هذا التسريب أن القانون مجرد مشروع لا يعتبر النسخة المعتمدة التي ستعرض على البرلمان للمصادقة عليها، وإنما هو يخضع للمدارسة ولا أدل على هذا التدرج للقبول به هو نشر مذكرة لوزير الحقوق الإنسان والعلاقة مع المجتمع المدني الموجهة للأمين العام للحكومة، وهو في حد ذاته دليل قطعي على القانون مجرد "نية" ليست مبيتة لقمع حرية التعبير والوصول إلى المعلومة الصحيحة. لقد قام المشرع المغربي بصياغة مجموعة من الضمانات لحماية المجتمع ومؤسساته، بل شملت التدابير حماية الأشخاص الذاتيين، من أية إهانة أو تصويرهم بغير إذنهم أو نشر أية إساءة إليهم، حتى إن المشتغل بمهنة الإعلام أو المتفاعل مع أخبارها وصورها بات كل يوم مهووسا أن تقرأ صورة التقطها أو كلمة خطها أو نشرها فرصة للمتربصين للزج به في غياهب السجون، والأمثلة الإعلامية موجودة ولا حاجة لذكر أصحابها. أبعاد مخفية للمشروع بعض القراءات ربطت المشروع بكونه "إرضاء" لجهات اقتصادية أو سياسية و"تسخينا" انتخابيا قبل الانتخابات المقبلة مع فقدان الثقة الجماعية في كون المدخل السياسي هو الوحيد للتغيير نحو الأفضل أمام التحولات الدولية الكبرى، التي تسارع الخطى للسيطرة على الفضاء المفتوح واستثمار الذكاء الاصطناعي مع فشل المنظومة الليبرالية في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية. حيث جاء فيروس "يمكرون" ليكشف زواق الحضارة الليبرالية، ويسارع الخطى للحفاظ على المؤسسات التقليدية أمام تدفق المعلومة لضبط البشر وتوجيههم نحو الاستهلاك أيا كانت طبيعته: اقتصادي، إعلامي، أمني... إن الترويج بكون التشريع مجرد إجراءات قانونية تضبط تداول المعلومات الكاذبة أو الإشاعة المغرضة أو التسلح بالحد الأدنى من المسؤولية الذاتية في تلقي الأخبار وتمحيصها، يبقى حقا وطنيا واجب على كل غيور التجند لصيانة المجتمع من تأثير الأخبار الزائفة، إلا أن هذا المطلب يبقى مجرد تحصيل حاصل بكون "المواطن المغربي خبار بطبيعته". إن من شأن محاصرة "ديمقراطية المعلومة" وتضييق سبل المساواة في تبليغها والتفاعل معها هو نكوص في التعامل الاستباقي مع الديمقراطية المنتظرة أمام فشل الديمقراطية السياسية التي تذرع الغرب بنشرها في وقت مضى ليحاربها بعد ذلك بالحرب والسلاح، خاصة لدى شعوب المنطقة العربية، ما دامت لم تحقق أهدافها المبيتة. لقد وحد الفضاء المفتوح وسيلة للتعايش العالمي بين أخيار العالم من كل ملة أو عرق، حيث تجد بكاء الإنسان الغربي والإفريقي أو العربي والأسيوي متحدا في رثاء ضحايا الفيروس والسعي الجماعي لمحاصرة أثاره. قد يعتقد البعض بكون المشروع الجديد مجرد تشريع مثل باقي التشريعات، لأهل الديمقراطية السياسية الحق وحدهم في مناقشته أو تعديله ثم التصويت عليه ونشره بالجريدة الرسمية ليأخذ أجرأته التنفيذية ،وهكذا بكل تلقائية، إلا أن أهل الفطنة والغيرة على مستقبل المغرب يجدون في أنفسهم ضيقا أو ربما كفران بالسياسة وأهلها لمجرد ترويجه. إن مجرد طرحه للمناقشة يمنح فرصة للمتربصين بالمغرب داخليا وخارجيا لكون أن ما وصل إليه المغرب من تنمية وتناغم بين مؤسساته مجرد "دورة لامتصاص الغضب الشعبي" في كل نازلة حتى تبقى آليات الماضي هي ما يرسم توجهات المستقبل دون الوعي بأن قراءة إرادة المستضعفين وتحليل لردة فعلهم نحو أي قرار أو إجراء هو بمثابة "ترمومتر" مجاني لمعرفة ما يضمن الاستقرار وما يهدده أو بصيغة أخرى ما يضمن "الإصلاح من أجل الاستقرار" أو ضمان الاستقرار بأي خلطة كانت، أشبه بطهي الشواء اللذيذ بقطرات من النبيذ المخمر في قارورات الخنزير المتعفن لمنح نشوة الهروب من وخز الضمير وإشكالات المستقبل وتحدياته. القرار فرصة أو فتنة لعن الرسول الأكرم عليه السلام موقظ الفتن أيا كان جنسه أو عرقه، بل جعل نشر الأمن وحفظ الأمانات من أساسيات الكرامة الإنسانية، وترك أمر التدين والاعتقاد حرا مكتسبا لكل البشر، حتى إن الإسلام ضمن للكافر والشيطان التعبير عن رأيه، وجعله المولى تعالى ذكر اعتراضات إبليس أو فرعون أو غيرهم قرأنا نتعبد به كمسلمين، فكيف سنلقي بأيدينا إلى فتنة وقد كفانا الله شرها بما توافق عليه المغاربة قاطبة في شأن تنظيم قوانين النشر والإعلام وحرية التعبير والتفكير لدحض ترهات التكفير والتفجير. إن من شأن طرح القانون أو المشروع بمختلف حيثياته في مثل هاته الظروف التي يمر بها المغرب الحبيب شبيه بحديث الفتنة النائمة، ولذا لزاما على كل غيور أو عاقل تلقي ردود الفعل لصيانة الوطن وتماسك نسيجه المجتمعي من كل تصدع. إن من شأن ضمان حرية البث المفتوح عبر الشبكات التواصل الاجتماعي أن يقلص من نوازع الاستبداد التي تختبئ لدي ولدى كل مغربي وفرصة أمام المتنورين لترشيد المسارات والتوجهات والاختيارات بما يعود بالمنفعة العامة على المجتمع. فمن يضمن لكل مواطن بهذا القانون حريته وهو ينام "غير قرير العين" وهو متوجس من أن مكالماته أو خصوصياته أو أنفاسه مراقبة من لدن شركات الاتصالات بأنواعها ومسربة لمرضى النفوس لتوظيفها لإدانته أو قمعه. قد يكون مبررا لأهل الشأن إمكانية الوصول بالترسانة الموجودة لتوجهات الأفراد والهيئات ومراقبة كل يمس بسمعة المؤسسات والأشخاص والتنبيه عليها بشتى الوسائل الضامنة للكرامة والحرية، التي قام عليها الوجود، حتى إن الدكتور المهدي المنجرة، رحمه الله، جعل أجر الحرية مرادفا للصلاة ووسيلة للتنمية الحقيقة ونبذ الاستبداد، فكيف سيكون الحال وأية منفعة - لو افترضنا جدلا لو أدخلنا كل مواطن متنور إلى السجن لمجرد رأي أبداه أو أشاعه يخص جودة سلعة أو يفضح بطش مسؤول، وبقي في الشارع رعاع يتجول ممن لا يشكلون وخزة ضمير على كل مستبد يسوق للخوف والتهديد لحماية نرجسيته؟ إن النازلة فرصة أمام لأحزاب بكل توجهاتها، خاصة التقدم الاشتراكية والاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بقياداتها الجديدة، لرفض المشروع من أصله وتجديد ثقة المواطنين بالانتخابات ومؤسساتها وتفويت الفرصة عن الصائدين في الماء العكر، وأغلب الظن أن مجرد رفعه إلى مؤسسة المحكمة الدستورية كفيل برفضه لتنافيه مع الدستور في تشريعاته، ثم لكونه ذريعة لتكميم الأفواه وكبت حرية المعلومة وقراءاتها بالأنا المتعددة في وسائل التواصل الاجتماعي المفتوح. إن المغرب استثناء في كل مبادراته، وجريء في تناغم مكوناته بتوجهاتهم المختلفة أمام كل الأزمات، فهل سيخلف موعده مع التاريخ بقانون ليس له محل من الإعراب، خاصة وأنه يتنافى مع الفصل 25 من الدستور المغربي، كما أن التشريعات الموجودة فيها القدر الكافي مما يصون هذا الاستثناء. فإذا كان المغرب ملكا وحكومة وشعبا مجندون بكل تناغم تاريخي لمحاصرة فيروس "كورونا"، فهل الصائدون في الماء العكر يرومون جعل القانون "لقاحا" لفيروس "يمكرون".