عموما يمكن القول أن السينما المغربية انطلقت مع فيلم الابن العاق لمحمد عصفور 1958 بمشهد كافكاوي فيه الكثير من العنف والعنف المضاد. انطلقت بالعقوق بسبب الإهمال التربوي،وبالرغبة في الحصول على المال لتكون النتيجة نهج طريق الانحراف و ارتكاب جريمة.بالرغم من قدمه وسذاجته، فقد توفر فيلم الإبن العاق على كل العناصر الدرامية السائدة آنئذ من بينها: وجود عنصر الصراع بين الأب والابن ثم مع الشرطة أو مع الذات تمزق البطل بين الواجب الديني والغريزي القتل والجريمة قصة الحب والرقص والإثارة الإيروتيكية عناصر درامية تنتمي للسينما المصرية وأفلام شارلو وأفلام الويسترن عنصر التحول في مسار البطل وخيبة أمله عناصر فنية كتنويع الكادر،والفلاش باك ثم الترافلينغ عنصر المونتاج المتوازي في تصوير حدثتين متباعدين مكانيا عنصر الفكاهة السوداء المطبوعة بالمرارة لعل هذه انطلاقة بطولية لرجل حمل حلم أمة في مرحلة ما بعد الاستقلال.وسيشهد التاريخ بعبقرية الإنسان المغربي وبمدى عناده في الوصول لما يريد عندما يكون الدافع العشق والرغبة الجامحة لإشراك الآخرين بعالمه.وإذا كان شارلي شابلن قد قام بالتأليف والإخراج وكتابة الموسيقى والتمثيل،فيحق لنا كمغاربة أن نقول أن المغرب استطاع أن ينجب مثل هاته الشخصيات بالرغم من فارق الجغرافيا والثقافة . سيكلف هذا ترك الحياة البسيطة في القرية للدخول في مغامرة ما سيعرف بسينما الهجرة الحياة كفاح لمحمد التازي وأحمد المسناوي1968 وشمس الربيع للطيف لحلو 1969 ، لتنكشف أمامنا الإرهاصات الأولى لمحاولات الطبقة المتواضعة تجريب زمن الحداثة.زمن يكون فيه المراد الحصول على سكن وزوجة ووظيفة وهي علامات الحياة السعيدة وسط مدينة كبرى كالدار البيضاء. حظيت هذه المدينة بأكبر عدد من الأفلام بسبب رمزية فضاءاتها الرحبة وخلفية ديكور وجد فيه أبطال وبطلات الفيلم أنفسهم إما تائهون أو يبحثون عن شيء ما أو مقهورون رماد الزريبة 1977 ومجددا مع عرس الآخرين 1990. لم ينفك الطرح السينمائي عن مغازلة أثر التربية القروية والنزاع بين القبائل كمعطى ثقافي وكصراع لبناء متخيل يحكي قصة تهم المشاهدين عندما تنضج الثمار1968.ولعل القرية بفضاءاتها الطبيعية وثقافتها المعتمدة على قيم الرجولة والأرض ستعرف تحولات تابعتها السينما لتكشف عن أشخاص لم تعد تعنيهم هذه الرموز، وبات همهم الوحيد تحقيق الثروة ولو على حساب الكرامة، أوما كان يعرف بالشرف القبلي ليام أليام 1978 . بمجرد ما تترك القرية يستحال العودة إليها،إلا لسبب واحد هو الحصول على الإرث فقط والدخول في صراع مع الأقرباء للسيطرة عليه حادة 1984. أظهرت العديد من الأفلام كالسراب 1979 مثلا كيفية هيمنة الأوهام على البطل السينمائي فهو كي يحسن من مستواه المعيشي يحلم ثارة بوجود كنز وثارة بربح رهان القنفودي 1978، وثارة أخرى بالعثور صدفة على مال في كيس أو داخل أحشاء حيوان مائي حكايات مغربية 1993. يبقى المال ثيمة بارزة سواء للحصول عليه أو لسرقته كفدية.وكثيرا ما تظهر لدى البطل الرغبة في العيش الكريم من دون أن تكون له الإمكانيات لذلك من خلال شيكات دون رصيد.ويعود ذلك إما لواقع الفقر و البطء الإداري والبيروقراطية في صرف حوالات العمال مثلا المطرقة والسندان 1990.كما كانت المرأة حاضرة من خلال النقد الاجتماعي الموجه لمجتمع لم يعد قادرا على تحمل أعباء مطلقاته وأطفال أسر المطلقين أو أمهات عازبات ولدن بشكل غير شرعي،فمنهم من ينحرف ومنهم من يصاب بالمرض العقلي والوسواس والاضطراب النفسي ليتم اللجوء للشعوذة والخرافات وكذا زيارة المواسم والزويا وكأن الأمر يتعلق بفضاء كبير رمزي هو عبارة عن قاعة كبيرة للانتظار شاطئ الأطفال الضائعين 1991 عرائس من قصب 1981 لجيلالي فرحاتي و باب السماء مفتوح لفريدة بليزيد 1987. يزداد الصراع تأججا لتعرض أولى التحولات الثقافية والقيمية من حيث صراع الأجيال بين الأب وابنه كوشمة، والصمت اتجاه ممنوع، والضوء الأخضر لتبدأ الإرهاصات الأولى لرصد السينما للمكونات الاجتماعية كمحرر ثقافي من ثقل العادات والتربية الكلاسيكية داخل كنف العائلة كمعطى ثابت .وتستمر السينما في رصد التحولات السلوكية بسينما الأفكار الملتزمة بقضايا الإنسان للكشف عن معاناة الطبقات المقهورة من عمال وفلاحين مع سهيل بنبركة غدا لن تتبدل الأرض، وعرس الدم الذي حاول الانتقام للحب والدعوة للحرية في اختيار الزوجة ولو كان ذلك من طبقة مختلفة.سيتم الكشف أيضا عن تشعبات المجتمع المغربي حيث ستبرز البرجوازية ومعها مشاكلها ورؤيتها للواقع،فتقترب السينما من ثيمات متعددة كتعدد الزوجات البحث عن زوج امرأتي ، والبكارة في بيت أبي ، واغتصاب الخادمات أو تعنيف النساء عموما في نساء ونساء. مع نهاية الثمانينات سنلمس نتيجة التحولات الطبقية والاجتماعية التي انتقلت من النمط القروي إلى النمط الحداثي وإفرازاته المرضية حيث ستظهر فئات من المعوزين والشباب الفاشل في مسايرة التحولات الاقتصادية والثقافية والتي ستصبح مضطرة للبحث عن لقمة عيش بشكل فردي أو من خلال عصابات ضمنها الملاكم ومنها رجل السيرك ومنها المومس باي باي السويرتي و على زاوا لتبرز ملامح صراع غير متكافئ بين دوي سلطة من ملاكين كبار ومحامين ومنتخبين وأباطرة مخدرات أمام خادمات وعمال وأفراد أسر فقيرة تسقط في جشع أو حبال نماذج تحركهم الشهوة الجنسية نانسي والوحش 2007 ثابت أم غير ثابت 2005 . مع نهاية التسعينات ستبرز مظاهر التفكك الاجتماعي من خلال حياة البذخ من جهة وحياة العوز حيث سترمي التجمعات السكنية والقرى المجاورة ببناتها إلى معامل النسيج والقطن والجلد بأهم المدن الكبرى ليواجهن مصيرهن وحظهن، فيما سيحاول الأولاد ركوب مراكب الهجرة.سيعود الغرب الذي كان بالأمس موضوعا يشخص الاستعمار الذي عملت السينما المغربية من جهتها على توظيف قصص وحكايات لهزمه ومحاربته في نهيق الروح، الشركي أو الصمت العنيف، وعشاق موغادور يعود كموضوع مرغوب فيه لدى شباب لم يعرفوا بل سمعوا عن حقبة الاستعمار فقط. سيذهب الخيال بالسينمائيين المغاربة نحو أوروبا أو أمريكا كما سيأتي من هناك سينمائيون مغاربة باتوا ينظرون للقضايا المغربية بنوع من المسافة المطعمة بالنقد المزدوج، وهو ما سيكون له الأثر العميق على كيفية تقبل هذه الأفلام ماروك 2005 من طرف المغاربة بين رافض وقابل لهذه النظرة الجديدة للسينما المغربية مثل خيط الروح ، الراقد 2004 ،الرحلة الكبرى 2004.سيصبح بالإمكان أيضا بنوع من الحرية التطرق لسنوات الاعتقالات حيث سيتم الاعتماد على تلك المرحلة كفلاش باك سينمائي يعيد للمغاربة نوعا من الاعتبار ولو من باب التسجيل التاريخي إبداعيا ألف شهر ، جوهرة، الغرفة السوداء ،ووجها لوجه. صحيح أن السينما المغربية ولو اختلفنا عن سنة انطلاقتها الحقيقية استنادا لمعايير تاريخية أو جغرافية لا يمكن أن تمحى بسهولة من خارطة السينما المتوسطية أو العربية أو الإفريقية على الأقل حتى لا تكون لدينا أوهام كثيرة ونتحلى بشيء من الواقعية. تتباين مناهج التقييم بين الخطابات التبجيلية التي لا تراعي من أمور السينما سوى الأرقام والكم، ثم هناك المناهج التحليلية المتصفة بالنقد والنقد الذاتي.أعتقد أنه بإمكاننا خلق نوع من المصالحة بين مناهج التحليل. وهذا أمر حتمي لخلق نظرة موضوعية وشمولية لتحقيق إقلاع حقيقي.إقلاع يستند من جهة للقرائن والوقائع الثابتة كالقرصنة وإغلاق القاعات والعزوف عن الذهاب للسينما وهي معطيات بادية ولا اختلاف حولها،ومن جهة أخرى حول مدى نجاح السينما المغربية وانتشارها وقيمتها الجمالية ونضجها الفكري.بالنسبة للقرائن الثانية نكون آنئذ أمام معطيات تستوجب أكثر من قراءة بحسب مسافة المواقع من المسؤولية ومن الرؤية العلمية المنضبطة وغير المتسرعة في إصدار أحكام أخلاقية أو أيديولوجية أو مناسباتية. صحيح أيضا أن السينما المغربية تشارك في العديد من المهرجانات ويحتفى بها كضيف شرف أو بمخرجيها هنا وهناك.إذن نعود لكيفيات اختيار معايير نجاح سينمانا.فهل الأمر موكل لأصحاب النظريات الستاتيستيكية أم للواقفين على جودة المنتوج من حيث جدية الطرح وبلاغة اللغة،وسمو القضايا وإقبال الجماهير ولو أن المعيار الأخير لا يخلو من مجازفة،فالعديد من الأفلام تحقق مداخيل هامة لكنها استهلاكية وشعبوية كأفلام سعيد الناصري وفركوس وغيرهم. السينما المغربية تتحقق من خلال دورات إنتاجها وما يصاحبها من خطابات رسمية أو على الهامش.كما تتحقق بفعل إشعاعها وتواجدها وطنيا من خلال خارطة التظاهرات والمهرجانات والملتقيات السينمائية بحلوها ومرها،لكن هذا على الأقل يثير قدرا من الأسئلة والقضايا ومن حق الجميع أن يجيب عنها لإغناء الحوار وإرساء دعائمه .الأجوبة تأتي طبعا من خلال المتابعات الصحفية لكل من عشاق السينما العارفين منهم والهواة ومن الدراسات الجامعية والأكاديمية .المهم هو هذا الحراك على مستوى الاستفسار والاستقبال، ثم نشر وإدراك ونقد المكون السينمائي بكل مقوماته.أعتقد أن هذه مرحلة ضرورية من أجل القبض على الثور من قرنيه. إن تشخيص ومعرفة المعوقات الذاتية والموضوعية التي قد تراهن عليها السينما المغربية تستدع إشراك كل الفاعلين السينمائيين لمعرفة ما تحقق من حيث قيمة الإنجازات وما لم يتحقق على المدى القريب والمتوسط، هذا إذا كنا قد انطلقنا من رؤية واضحة حول الإستراتيجية السينمائية ضمن المشروع الثقافي للمغرب. الأمر يتطلب إذن سلسة من البرامج في مقدمتها : برامج للعمل Plans d'action وتتضمن كل الحلقات التي يمر بها المنتوج بدءا من الإبداع والتكوين في مهن وثقافة السينما والإنتاج من لدن أصحاب رؤوس المال والاستثمار والدولة. برامج للحماية Plans de protection تتمحور حول التوزيع والدعم،لإشهار والتخفيض الضريبي،وكذا بناء المركبات وإيصال المنتوج للمواطن البعيد ثم الدفاع عن المنتوج المحلي مقابل المواد المستورة في السوق الثقافية. برامج للتقييم Plans d'évaluation وتتجلى من خلال الاستماع لكل الفاعلين في الميدان والمتعاملين مباشرة مع السينما كمهنيي القطاع ومالكي القاعات والمخرجين والنقاد والأساتذة وأصحاب المنشورات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية التحقق من النجاعة / الكفاءة / التعاون وسط القطاع ومع محيطه إن على المستوى القطاعي أو التنظيمي. أما على المستوى المالي: تحقيق الجودة في كيفيات التمويل والالتزام بدفتر التحملات وتنويع مصادر الميزانيات المخصصة للقطاع التنصيص على العقوبات الجزرية في حالة الإخلال بالاتفاقيات المبرمة تفاديا لهدر المال العام ،وضمانا لحقوق المواطنين في منتوج وطني بمواصفات عالية التحقق من صلاحية وصحة المعطيات على مستوى التواصل والإتصال السينما المغربية تحاول أن تكون جزءا من العالم لتلامس قضايا كبرى كالتعددية والتسامح وحوار الحضارات بنسب متفاوتة في النجاح والانتشار أمام نسب من الأمية وتراجع الإقبال على الثقافة السينمائية مما يتطلب رصدا للجهود لخلق أفق تشاركي يجد فيه المغاربة ذواتهم ويقبلون على السينما من منطلق تثقيفي وليس ترفيهي محض. لذا إن المتأمل للوضع الراهن للمشهد السينمائي قد يلاحظ بعض النقط أهمها : إبداعيا غالبا ما يتم التركيز على ما هو مادي وذو علاقة بالبنية التحتية على حساب ما هو إبداعي وفكري التطاول على تخصصات الكتابة السينمائية هيمنة الطابع المسرحي والتلفزيوني على ما هو سينمائي عدم تحفيز المخرجين للنقد والمتابعة السينمائية العارفة بخلق أعمال تشكل تحولات نوعية في تاريخ السينما هيمنة المعالجات النصية والموضوعاتية على حساب الثراء الجمالي والتقني عدم التمكن من اللغة السينمائية في أبسط ملامحها ألا هي عرض قصة تنبني على خط درامي وتعالج قضية ما بطريقة مشوقة لدى البعض. وهم بعض المخرجين بسهولة كتابة السيناريو واللعب على دغدغة المشاعر فقرا لتعامل السينمائي مع الموروث الثقافي والأدبي المغربي/ العربي وجود نوع من النقد المهادن الذي يروج لبعض الأعمال من منظور تجاري وليس علمي وثقافي مقابل نقد انطباعي يتسم عموما بالشعبوية رغبة المخرجين في قول أشياء كثيرة من خلال الفيلم دعم المبادرات الشابة بتنظيم الورشات مع المهنيين والمسابقات والتكوين المستمر الرغبة في جعل السينما كمطية للغنى المادي مع تهميش عامل العشق للسينما الاستمرار في تكرار بعض المقولات الجاهزة والتبريرات النمطية من قبيل غياب كتاب السيناريو وهم بعض المخرجين أن جمهور السبعينات مثلا هو نفس جمهور الألفية الثانية والجري وراء بعض الثيمات التي تضمن نوعا من النجاح الجماهيري كموضوع المرأة وسنوات الرصاص عدم قدرة العديد من المخرجين على الاستفادة من مناخ الحريات لطرح رؤى سياسية تتسم بنوع من الجمالية والنبوغ الفني. الخروج من استهلاك القضايا الاجتماعية لعوالم مختلفة تتسم بنوع من المغايرة في الرؤية والتجديد في المعالجات السينمائية. تجنب المحاباة في تقييم الأفلام واختيار أناس متمكنين من الخطاب السينمائي بمتابعاتهم وإسهاماتهم الفكرية والنقدية في مجال السينما. إنتاجيا غالبا ما يتم تهميش سلطة المشاهد كطرف لكونه يأتي في نهاية الدورة الإنتاجية عدم وجود تنسيق منتظم وحقيقي بين قطاعات الدولة وزارة الاتصال ووزارة الثقافة والتربية مثلا الرهان على الدولة كداعم وحيد في إنتاج السينما وجود خلل في معايير ومقاييس دعم أفلام لا ترقى إلى المستوى المطلوب الرغبة في الحصول على الدعم من دون التحلي بروح المسؤولية الأخلاقية في التعامل مع الطاقم الفني والتقني وحتى جمهور المشاهدين ضرروة الرهان على النوعية وعلى تثوير المشهد السينمائي نظرا لوجود إمكانات تقنية وإمكانيات مادية سيادة نوع من السكوت والتواطؤ في فضح الخروقات التنظيمية المتعلقة بحقوق التقنيين وتهميشهم مقابل العاملين الأجانب تسهيل المساطير الإدارية وتجنب الممارسات البيروقراطية في وجه الشباب خلق قنوات للتواصل بين المبدعين/المؤلفين والمخرجين / المنتجين