إجراء استثنائي أم تنزيل لمضامين الوثائق التربوية والتشريعية السابقة؟ انقسم أساتذة التربية والتكوين حول إقرار التعليم عن بعد إلى مؤيد يرى في هذا الإجراء فرصة سانحة لتطوير الذات وتجاوز العقبات، وتقديم خدمات جليلة في ظرفية عصيبة، وإلى رافض يرى في هذه العملية استغلالا لظرفية حالة الطوارئ لتنزيل بعض بنود قانون الإطار رقم: 17- 51، وبين متوقف ينتظر توفير الشروط والأجهزة المناسبة لينطلق في العمل. والعائد إلى الوثائق التربوية والتشريعية المؤطرة لمنظومة التعليم بالمغرب، يجدها طافحة بالبنود التي تتحدث عن إدماج الأجهزة التكنولوجية الحديثة ضمن الوسائل التعليمية، وجعلها وسيطة في التعليم، فالميثاق الوطني للتربية والتكوين سبق له الحديث عن ثلاثة أبعاد مستقبلية للتكنولوجيا في المدرسة المغربية، ومن ضمنها الاستعانة بالتعليم عن بعد في مستوى الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي في المناطق المعزولة، وكذلك من أجل معالجة بعض حالات صعوبة التمدرس والتكوين المستمر، والسعي أيضا إلى تحقيق تكافؤ الفرص، بالاستفادة من مصادر المعلومات وبنوك المعطيات، وشبكات التواصل، مما يسهم، بأقل تكلفة، في حل مشكلة الندرة والتوزيع غير المتساوي للخزانات والوثائق المرجعية، فالتعليم عن بعد يعالج حالات التعثر الدراسي لمن يعانون العزلة أو البعد عن المدرسة، ويحقق تكافؤ فرص الحصول على مصادر المعلومات والمعرفة. وهذا ما هدف إليه البرنامج الاستعجالي بتوسيعه وعاء التوزيع الخاص بالحواسيب في برنامج "جيني" وغيره. كما سعت الوزارة إلى إصدار أربع مذكرات لإدماج التقنيات الحديثة في التعليم، الأولى تتعلق بإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المؤسسات التعليمية سنة 2009، والثانية يتعلق موضوعها بمباراة وطنية حول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ميدان التربية والتكوين سنة 2011، والثالثة في شأن نشر تتبع التواصل حول الدلائل البيداغوجية لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم سنة 2013، والرابعة تتعلق بنشر منشورات إخبارية وقرص مدمج في مجال إدماج تكنولوجيا المعلومات سنة 2013 كذلك. وعلى نفس النهج سارت الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم (2015- 2030)، حيث نصت الفقرة الرابعة من الدعامة التاسعة عشرة على ضرورة التعزيز التدريجي لصيغ التعليم الحضوري، بالتعليم عن بعد، عبر اعتماد برامج ووسائط رقمية وتفاعلية، وتكوين مكتبات وموارد تربوية إلكترونية. وأكدت الفقرة العاشرة من نفس الدعامة على تنويع أنماط التعليم والتكوين، خصوصا في المستويات العليا من التعليم (التعليم عن بعد، التعليم مدى الحياة)، بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من الراغبين في تغيير مكتسباتهم أو تعميقها، أو التصديق عليها، بالحصول على شهادات مطابقة لخبراتهم. وتفعيلا لتوصية الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وتحويل مقتضياتها إلى اختيارات كبرى ملزمة للجميع، تم إصدار قانون خاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 غشت 2019، ليؤكد على نفس المنحى في المادة: 33، التي نصت إحدى فقراتها على تنمية وتطوير التعليم عن بعد، في حين أشارت المادة: 48 من نفس القانون إلى ضرورة تمويل تعميم التعليم عن بعد. وجاء بيان وتفصيل طريقة تنزيل المادتين السالفتين في المشروع رقم: 14، المضمن بالوثيقة الوزارية التي تحمل عنوان: حقيبة مشاريع تفعيل مضامين القانون الإطار رقم: 17- 51، الصادرة بتاريخ: 20 فبراير 2020. وتزامنا مع إعلان حالة الطوارئ أصدرت الوزارة الوصية المذكرة رقم: 20- 271، الخاصة باستعمال مسطحة "تيمز" للتعليم عن بعد، من أجل تفعيل خطة الاستمرارية البيداغوجية عبر إنشاء واستضافة الأقسام الافتراضية المسندة للأساتذة. وهذا التسلسل الزمني للتعليم عن بعد الذي ذكرناه باختصار شديد، يثبت فَرَضِية تعميمه وفَرْضه في المستقبل القريب بعد الخروج من حالة الطوارئ، ليكون رديف التعليم الحضوري. *باحث في القانون العام