إهداء إلى: نساء ورجال الصحة أخصص مقالي اليوم لفئة من الجنود، ثكناتهم لا تشبه الثكنات العسكرية لونا وعدة، وإحدى الصفات التي دأب الناس إطلاقها عليهم، ملائكة الرحمة، وسأحتفظ لهم بهذا اللقب لتعميمه على باقي الفئات من أطباء وما شبه، متجاوزا في ذلك لغط بعض الفقهاء حول تذكير أو تأنيث الملائكة، لأن الأمر يتعلق بتوظيف مجازي يرمي إلى القبض على الدلالة السامية التي يستحقها هؤلاء الجنود، إناثا وذكورا، وهم يقفون في هذه اللحظة في الصفوف الأمامية لمواجهة الأخطار، ولما لا نقولها بصراحة، في مواجهة الموت المتربص والمحمول في مسام كورونا، هذا الوحش الشبح الذي كما قال الفيلسوف الإسباني المعاصر إيميليو لييدو نحارب عدوا لا لون ولا طعم ولا رائحة له. هنا المواجهة تبقى متكافئة إذا كان الخصم أمام خصمه والعدو أمام عدوه، أما والحالة هاته بها اختلال وعدم تكافؤ في الفرص، فلا أقل أن ترقى مقاومة هذه الفيالق من الجيوش البيضاء في العالم، وضمنهم جيشنا الأبيض الباسل، مقام الملحمة، لا تقل إثارة ومشهدية عن تلك الملاحم اليونانية القديمة حيث الإنسان يصارع قوى الشر المتعالية رغم احتمائه بالآلهة وأنصافها. يكفي أنه في كل مساء، وبذات التوقيت في أرجاء العالم، تعلو من الشرفات وأسطح المنازل لغة بشرية مشتركة: هي تصفيقات حارة تلك التي يوشح بها سكان الأرض هذه الجحافل من الجيوش البيضاء. والمغاربة، وفاء واعترافا منتزعا منهم بقوة الحدث وشراسة الجائحة خصوا لهذه الشريحة من الساهرين على حيواتنا وحيوات الأجيال المقبلة، بضربهم للعالم مثلا في الانضباط والالتزام بتطبيق الحجر الصحي بشكل استباقي وواع، طبعا الشاذ لا يقاس عليه، وهنا لا بد من قراءة سوسيثقافية لفهم هذه الظواهر الانتحارية من جهة، ولبعض التصورات الدوغمائية التي يستغلها بعض المتطرفين المتشبعين بثقافة كره الحياة أي الثقافة الإرهابية المستغلة للهشاشة النفسية لبعض المواطنين باسم فهم سيء للدين. إن نقصان أي فرد مغربي ضحية هذا الوحش النهم الضروس، هو جرح في قلوبنا جميعا على أن الموت قسمة عادلة بين الإنسانية جمعاء، لكن يؤلم أن يتسبب متهور أو حاقد على الحياة في أن يعصف بكل الجهود والتضحيات التي يقدمها جيشنا الأبيض وهو معرض في أي لحظة ليسقط في معركة الشرف مخلفا وراءه ذويه وأحباءه ومأساة عائلية. إن ضعف البنيات التحتية الصحية التي راكمناها عبر سنوات من السياسات العمومية التي كانت تنظر إلى هذا القطاع مقرونا بالتعليم أنهما غير منتجين وبالتالي يجب الاستثمار فيهما بيد مغلولة إلى العنق، وهنا نستأنس ببعض الأرقام الناطقة عن حال نفسها وهي مأخوذة من موقع القناة الثانية بتاريخ 07 أكتوبر 2019، حيث عدد الأطباء المشتغلين بالقطاع العمومي يضارع 12 ألف طبيب، 3855 عاما و7557 متخصصا، أما عدد مؤسسات العلاج الصحي الأولي فيبلغ 2112 منهم 338 في المجال القروي و1274 في المجال الحضري، أما المستشفيات الكبرى فلا تتجاوز 149 مركزا ب 23931 سريرا، في حين لم يزد عدد المراكز الطبية لتصفية الدم وأمراض الكلي عن 113 مركزا مجهزا ب2213 آلة غسيل للكلي. أما القطاع الخاص فحدث ولا حرج عن النقص في البنيات مع وضع في الاعتبار الكثافة السكانية لمغرب القرن الحادي والعشرين، وهذه بعض المعطيات المتعلقة بهذا القطاع وحسب المصدر نفسه السالف الذكر حيث يبلغ عدد المصحات الخاصة 359 بعدد الأسرة يصل إلى 10346 فقط، أما المختبرات فلم يتجاوز عددها 550 مختبرا منه 268 مختبرا مختصا في الأشعة. واتضح، في زمن كورونا، كم أخطأنا الموعد والهدف لضمان استمرارية الوطن ومن يسكنه على قيد الحياة، فلولا انضمام الجيش الأخضر (الطب العسكري) بحرفيته وتجربته الميدانية داخل وخارج الوطن، لما كنا اليوم أمام هذا الوضع الذي رغم الخطورة الثابتة، إلا أننا بالمقارنة مع أوضاع دول متقدمة (فرنسابريطانياألمانياالولاياتالمتحدة إسبانيا وإيطاليا..) يبقى وضعنا أفضل وشبه متحكم فيه لو تم تطبيق الحجر الصحي وبصرامة. فانحناءة مستحقة لكن ولكم يا ملائكة الرحمة.