شئنا أم أبينا يظل الموت حالة طبيعية ونهاية حتمية لا مفر منها، وهو تلك اللحظة التي تخمد فيها أنفاس الكائنات الحية مهما امتد بها العمر. وفي ذلك قال تعالى في محكم كتابه العزيز، سورة الرحمان، الآية 26: "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". وبالرغم من أن هذا الأمر محسوم، هناك أناس كثر يرفضون الموت، ويصابون بصدمات قوية كلما داهم قريبا أو صديقا لهم، ولا يتوقعون أن يرحلوا يوما ما وفي أي لحظة، إلا إذا أقعدهم الفراش مرض عضال لم ينفع معه علاج. ترى لماذا يهاب الناس الموت وهم يعرفون أن أجلهم محدود وأن الخلد لله وحده دون غيره؟ من المرجح أن يكون ذلك راجع بالأساس إلى مدى حبهم للحياة وشغفهم بملذات الدنيا ومغرياتها، ومن الطبيعي جدا أن ينتابهم الخوف عندما يجدون أنفسهم في مواجهة مخاطر تهددهم بالفناء، باعتباره شعورا ملازما للإنسان تتحدد وظيفته الأساسية في تحذيره وحمايته. لكن ما ليس طبيعيا هو أن يتطور هذا الشعور إلى الحد الذي يتحول فيه إلى فوبيا أو وساوس مرضية، تزيده اضطرابا وإرهاقا. ويأتي حديثي عن الموت بمناسبة ما أصبح عليه عدد من المواطنين المغاربة من رعب، خلال هذه الأيام العصيبة التي تمر منها بلادنا إثر تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد -19"، الذي اجتاح بلدان العالم منذ مطلع السنة الميلادية الجديدة 2020 قادما من مدينة ووهان الصينية. حيث أنهم يعيشون على مدار أسابيع تحت ضغط أحداث الوباء وما يخلفه من مآس. أذ يصبحون على أخبار "كورونا" المستجد وينامون عليها، فضلا عما تتناقله الصحف الوطنية والدولية من أخبار وتقارير مفصلة، إلى جانب ما تنقله القنوات التلفزيونية من تحاليل وتغطيات لآخر تطورات انتشاره، وتنامي أعداد الإصابات والوفيات بالآلاف هنا وهناك. بيد أنه في ظل ضعف الوعي وانعدام الثقة في المؤسسات الوطنية وشح المعلومات الكافية حول فيروس كورونا وسبل الانتقال السريع للعدوى بين الأشخاص وأسباب الموت، لم يعد المواطن يكتفي فقط بما يأتيه من أخبار عبر القنوات الرسمية ومن خلال تصريحات الجهات المختصة والأطباء، فيتجه نحو منصات التواصل الاجتماعي التي كثيرا ما تحمل له أخبارا زائفة ومعلومات خاطئة، مما يؤدي إلى الرفع من حدة شعوره بالقلق والتأثير على صحته العقلية والتهديد بوفاته، فيكون لذلك آثار أخرى أكثر فداحة على حالته النفسية ونظام المناعة لديه، وهو ما يساعد في توجسه الكبير من الإصابة التي لا تعني له سوى الموت المحقق، لخطورة الفيروس الذي مازال كبار الأطباء والباحثين في العالم، يسابقون الزمن من أجل إيجاد لقاح مضاد، يكون جديرا بالقضاء عليه وتحرير الإنسانية جمعاء من قبضته. فالتخوف من تطور المرض أصبح يحاصر أعدادا غفيرة من المواطنين المغاربة ويهددهم بشكل أكبر من الإصابة بالفيروس نفسه، لاسيما في ظل ما يلاحظونه من تقارب بين أعداد المتعافين والضحايا، علما أن السلطات المغربية سارعت عكس كثير من الدول إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات الاحترازية والاستباقية، وهيأت كل الوسائل اللازمة لاستقبال المصابين وعلاجهم، داعية الجميع إلى ضرورة توخي الحيطة والحذر والتقيد بجميع التعليمات من حيث احترام حالة الطوارئ والحجر الصحي والالتزام بقواعد النظافة بحس وطني صادق وروح المسؤولية حفاظا على سلامة الجميع في البيت وخارجه، وحتى يمكن تحقيق الانتصار على الجائحة في أقرب الآجال. من هنا يتطلب الوضع الوبائي العابر أن لا يبقى المواطن رهين الهواجس والأحاسيس الشاردة، بسبب ما صار يتملكه من قلق وخوف شديدين على نفسه وأفراد أسرته من المجهول، خاصة عند إصابته بأعراض عادية من قبيل سعال بسيط أو شعور بعياء خفيف... إذ هناك من الأشخاص من وجدوا أنفسهم عاجزين عن الخلود إلى النوم كالمعتاد وبشكل طبيعي، وهناك من فقدوا القدرة على التركيز حتى في أبسط الأمور، وهناك كذلك من أصبحوا سريعي الانفعال والغضب أمام مسائل تافهة لا تستدعي أي رد فعل عنيف، حالات عديدة ومتنوعة بلغت حد فقدان شهية الأكل والوسواس والإحساس بالملل وغيره. فكيف الخروج إذن من دائرة السأم والتوجس من الإصابة بفيروس كورنا في ظل الحجر الصحي؟ يجمع الكثير من الإخصائيين على أن الحجر الصحي في هذه الظروف الصعبة تجربة مرة، لما فيها من تقييد لحرية الأشخاص والارتياب من تطور الحالة الوبائية، وما قد يترتب عنها من أضرار وإحساس باليأس والملل، وهي عوامل ضمن أخرى تساهم في تعميق الشعور بالتوتر والخوف، الذي لا يمكن مقاومته باتباع عدد من الخطوات، ومنها على سبيل المثال التقليل من متابعة أخبار الوباء، الابتعاد عن الشائعات والحرص على حسن استغلال الوقت في ممارسة بعض الأنشطة والهوايات، التي من شأنها الإسهام في الحفاظ على القدرات العقلية والبدنية من قبيل: الرياضة والمطالعة والاستماع للموسيقى ومشاهدة الأفلام الهادفة، والسعي نحو بناء نمط حياة أسلم وأفضل... وفي الختام علينا أن ندرك جيدا أن الخوف من الجائحة لن يمنع من الإصابة بها، وقد يعجل بوقوعها ما لم نتسلح بما يحمي صحتنا ويحافظ على سلامتنا وسلامة أسرنا ومجتمعنا، والذي ليس سوى الالتزام بتدابير الوقاية، واعتماد التفكير الإيجابي في التعامل مع مختلف الضغوطات النفسية، والتفاؤل بالمستقبل كجزء أساسي في تدبير أمورنا بشكل فعال.