في ظل ارتفاع تسجيل حالات الإصابة بفيروس كورونا، والتي يُعلن عن تسجيلها بشكل يومي، صار الهاجس اليومي للمواطن هو متابعة المزيد من الأخبار حول الفيروس سريع الانتشار، وعن خطورته، وعن كيفية الوقاية والعلاج منه. في هذا الحوار تناقش “أخبار اليوم” مع الدكتور عبدالرحمان بنمومن، المدير السابق لمديرية الأوبئة بوزارة الصحة، أهم التساؤلات المطروحة حول فيروس كورونا المستجد.
شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية ارتفاعا ملفتا لعدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، والذي تجاوز 50 إصابة يوميا، هل كان متوقعا هذا التحول في حجم الإصابات؟ هذا التطور طبيعي للفيروس، والمقاربة التي اتخذتها الدولة هي احتواء الفيروس في بدايته. إذ منذ البدء كانت كل الحالات وافدة، وإذا لاحظتم فقد تدخل المغرب بسرعة، وخلفية تدخله كانت معروفة، لأن منظومته الصحية غير كافية لاستيعاب عدد كبير من المرضى، لذلك كان التدخل سريعا، وهو تدخل أملته العديد من الاعتبارات، منها أننا لم نكن من ضمن البلدان الأوائل التي سجلت حالات الإصابة، والجميع يعرف أن بلدانا أخرى سبقتنا في تسجيل الإصابات بالفيروس. وهو ما جعل المغرب يستفيد كثيرا من دروس وتجارب الدول الأخرى، الأمر الذي مكنه من أن يكون له حس استباقي لأخذ الإجراءات التي توافق إمكانياتنا، وهذا ما جرى فعله. وقد كنا نراهن في البداية على تقليص الحالات، لكن هذا لم ينجح، ثم رأيتم كيف سجلنا حالات كانت جميعها وافدة، ولم يكن إجراء الحجر الصحي قد اتبع حينذاك، ويترتب على هذه الوضعية إمكانية إصابة المخالطين للذين دخلوا للمغرب وهم حاملين للفيروس. سنلاحظ أنها كانت حالة وافدة في البداية، وبعد ذلك أصبحت أغلب حالات الإصابة محلية. السؤال الذي يمكن طرحه هل هذه الوضعية خطيرة أم لا؟ سأجيب عنه بأنها ليست خطيرة، والذي نعيشه هو تطور طبيعي للإصابات التي يخلفها الفيروس. ففي بداية الأمر كنا أمام حالة وحالتين، ثم أصبحنا نتحدث عن خمس إلى عشر حالات، إلى أن وصلنا إلى 50 حالة، وسنستمر في هذا المنحنى على الأقل أسبوع، وبعدها ستبدأ الجائحة في الانخفاض، ومع ذلك، فإنه يتوجب علينا الانتظار من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لتتراجع الحالات المصابة ونبدأ في العد التنازلي. وفي السياق ذاته، فإن المغرب وبالموازاة مع جهود الوقاية ظل يعمل بشكل سريع لإيجاد الدواء، وهو ما يفسر استباقه لمنظمة الصحة في الترخيص باستخدام دواء “كلوركوين”، وأعتقد أنه قرار صائب لأن تلك الأدوية موجودة في المغرب منذ زمن طويل، كما أننا سبق وأن استعملناه في معالجة تعفنات القصبة الهوائية العليا والقصبة الهوائية السفلى والجهاز التنفسي، كما أننا على علم بمضاعفاته. بالإضافة إلى أننا بحثنا في تجارب دول سبقتنا إلى استعماله، مثل الصين وكوريا.. وبالنسبة إلى الوضع الذي يجابه به العالم تفشي الفيروس نجد مقاربتين: الأولى أن تترك الفيروس يتفشى، والدول التي اتخذت مثل هذه المقاربة اعتمدت على معطيات وبائية، لأن الفيروس لا يقتل بنسب عالية، ونسبة الوفاة فيه ضعيفة، بل تكمن خطورته في الانتشار السريع، كما أنه يشكل خطورة بالغة على الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، والغاية من هذه المقاربة هي اكتساب المناعة الجماعية، ومعروف أن الإنسان يكتسب المناعة إما باللقاح أو من الفيروس حين يدخل جسمه، فهنالك عدد من الأمراض ذات بعد مناعي، تمكن الجسم من التعرف على الفيروس، ومن ثم تمكنه من إنتاج أجسام مضادة له،. والمقاربة الثانية التي اتخذتها دول أخرى هي إجراء الحجر الصحي، من أجل التقليل من انتشار الفيروس. في هذه المرحلة لا يمكن الحكم على أي من المقاربتين الأكثر نجاعة، لأن الفيروس جديد، وينتشر بسرعة، والذين يشتغلون في علم الأوبئة لن يتجرؤوا على إعطاء حكم، لأن هناك معطى لم يتم تفسيره لحدود الساعة، وهو ما ينعكس على ضعف مصداقية الأرقام الوبائية الموجودة في العالم بما في ذلك المغرب، فهناك آلاف يمكن أن يكونوا قد أصابهم الفيروس، ولكن لم يظهر عليهم أي من أعراضه. وفي اعتقادي نحن نسير في الطريق الصحيح شريطة أن تحترم تدابير الحجر الصحي. هل دخلنا للمرحلة الثانية من انتشار فيروس كورونا؟ نحن على مشارف المرحلة الثانية أو يمكن القول في بدايتها. اليوم، الفيروس أصبح محليا، وهذه هي الديناميكية الطبيعية لانتشار الفيروس، وهي النتيجة التي توقعها الذين يشتغلون في علم الأوبئة منذ البداية. مقارنة مع نسبة الأشخاص الذين أجريت لهم اختبارات الفيروس ونسبة المصابين هي 23 في المائة، هل يمكن القول إنه إذا ارتفعت التحاليل سيرتفع رقم المصابين، كما هو الحال في الدول الأوروبية التي تفشى فيها المرض؟ المقاربة التي اعتمدها المغرب تقوم على الكشف على الحالات التي ظهرت عليها الأعراض، بمعنى أننا لا نخضع المخالطين للمصاب للفحص إلا إذا ظهر عليهم عرض من الأعراض. والى حدود هذه الساعة، لم نقتن أجهزة الكشف السريع، ولازلنا نعمل بتقنية la biologie moléculaire ، وهي تعني أخذ عينة من مخاط أنف المريض، وتُجرى هذه الفحوصات في مختبرين تابعين لوزارة الصحة هما معهد باستور والمعهد الوطني للصحة، بالإضافة إلى مختبر مستشفى محمد الخامس، وهو تابع للقوات المسلحة الملكية. وبالمناسبة، فإن دخول المؤسسات الصحية العسكرية في جهود تدبير ومواجهة الأزمة الصحية مهم جدا، نظرا إلى تمتع أطرها بالانضباط، وما أحوجنا للانضباط في هذه الظرفية. في نظرك إذا انتقلنا إلى المرحلة الثالثة، هل بمقدور المغرب أن يسيطر على الوضع؟ وهل بنياته الصحية قادرة على معالجة هذا الرقم؟ لا أعتقد أننا سنصل إلى المرحلة الثالثة، سنبقى في المرحلة الثانية ولن نتجاوزها. يمكن أن نصل إلى ألف إصابة، لكن قطعا لن نصل إلى 10 آلاف حالة، نظرا لأن الحجر الصحي سيعطي نتائجه. لن يعطيه الآن، لكن علينا أن ننتظر ثلاثة أسابيع لتظهر نتائجه، في احترام تام للحجر الصحي، فضلا عن الوقاية. هنالك تقارير تقول إنه حتى لو جرت السيطرة على الفيروس، فإنه قابل للعودة. هل هذا صحيح؟ كما قلت سابقا، إن هناك مقاربتين: المقاربة الأولى، هي التي تجعل الفيروس ينتشر بين الناس، وفي هذه الحالة، فإنه يمكن أن تصل نسبته إلى 80 في المائة من الناس حينها سينتهي أمر الفيروس، وفي المقابل ستكون هنالك مناعة جماعية، والتي بدورها ستغطي نسبة 20 في المائة الأخرى من الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس. والمقاربة الثانية، هي الحجر الصحي وهذه المقاربة تمليها علينا ظروف المنظومة الصحية التي يصعب عليها الاستجابة لطلبات العلاج المتزايدة، خصوصا على مستوى الإنعاش، هذه مقاربة جيدة تمنحنا وقتا في انتظار إنتاج اللقاح والتعامل مع عدد قليل من المرضى، وتعطينا وقتا، كذلك، لتهييء أنفسنا وتجهيز المستشفيات بأجهزة العناية المركزة والأجهزة التنفسية. وفي المقاربة الثانية الفيروس سيبقى مستمرا رغم محاصرته، ويمكن أن تأتي موجة ثانية وثالثة إلى أن يتم إيجاد اللقاح، وإذا ظهر اللقاح سيكون المغرب من الدول الأوائل التي تقتني اللقاح. كيف نكتسب المناعة الجماعية؟ هناك نوعان: المناعة الفردية نأخذها باللقاح أو باحتكاكنا بالمكروب، أما المناعة الجماعية فتتكون حين يكون عدد كبير من الناس يحملون الفيروس، والذين ستكون لديهم أجسام مضادة. فكلما ارتفعت الإصابات تتكون المناعة الجماعية، وهي بدورها تقضي على الفيروس بصفة نهاية. هناك من يقول بأن الذين أصيبوا سابقا بالملاريا لديهم مناعة ضد هذا الفيروس. هل هذا صحيح؟ مناعة الملاريا ليست نهائية وهي تدوم لسنوات ثم تتراجع بعدها، هذه المسألة اعتقد أنه لا يجب أخذها بجد لأنه حتى الملاريا في المغرب لم تعد موجودة. وفي 2010 أخذ المغرب شهادة تؤكد خلوه من أي حالة ملاريا. في هذا السياق هل ارتفاع درجة الحرارة يحد من انتشار الفيروس؟ هذا الفيروس موجود منذ سنوات، وبدأ يعبر عن نفسه من خلال أوبئة عاشها العالم، مثال “سارس” في 2003، والذي أدى إلى وفاة أزيد من ألف شخص، وقد كان قاتلا بنسبة كبيرة، ثم جاءت كورونا فيروس الذي تفشى في السعودية وأدى إلى وفاة عدد من الناس، وقد انتقل حينها عن طريق الجمال. والآن، هناك الصيغة الجديدة لهذا الفيروس وهي كورونا المستجد، ولم يعرف لحدود الساعة طبيعته وأصله، نظرا إلى مفاجئته للعالم، بمعنى أن جسم الإنسان لا يعرفه، والعلماء حتى الآن لم يعرفوا كيفية التعامل معه، على الرغم من التجربة الكبيرة التي راكموها في التعامل مع الفيروسات. لحدود الساعة ليس هناك رد واضح ودقيق بخصوص طريقة التعامل معه، ولم يتم لحدود الساعة إنتاج دواء فعال يقضي عليه، واللقاح سيحتاج إلى وقت كبير لإنتاجه، وكما سبق وأشرت، فالعلماء ما زالوا حائرين في طبيعته. لنعد إلى السؤال الذي طرحته، هل يتلاشى الفيروس مع ارتفاع درجة الحرارة؟ هذا الفيروس هو قريب من فيروس الإنفلونزا، وعلى المستوى الفيزولوجي، جميع الفيروسات التي تهاجم الجهاز التنفسي يكون لديها طابع موسمي، أي أنها تنتشر في موسم البرد. وأعتقد أنه مع ارتفاع درجة الحرارة سيبدأ الفيروس في التلاشي وتتراجع الإصابات. هناك دراسات تقول إن إصابة الرجل بهذا الفيروس تكون أكثر مقارنة بالنساء.. هل هذا ينطبق حتى على المغرب، أيضا، انطلاقا من الإصابات المسجلة؟ هذا صحيح. إذ إن نسبة الإصابة في صفوف الرجال أكثر من النساء، لكن ليست هناك دراسة مؤكدة تفسر السبب. وفي اعتقادي الأمر ليس له علاقة بالمناعة، بل لأن الرجال يتحركون أكثر من النساء. في الشأن ذاته، هناك عدد من الأطباء الذين أصبحوا يتحدثون عن الصنف الدموي، بحيث أن أصحاب فصيلة o أكثر عرضة للإصابة، لكن كل هذه الدراسات تحتاج إلى الكثير من التنقيح والبحث للخروج بخلاصات نهائية. هل صحيح أن المدخنين أكثر عرضة لمضاعفات فيروس كورونا؟ فيروس كورونا ينتشر بسرعة حين يجد رئة مخربة، والأشخاص الذين ماتوا جراء هذا الفيروس كانت لديهم أمراض مزمنة، مثل داء السكري والقلب والشرايين والسرطان، بالإضافة إلى الذين لديهم اضطرابات تنفسية مثل الربو وأمراض أخرى لديها علاقة بالتدخين، فهؤلاء تكون مناعتهم ضعيفة. أيضا المصابون الذين يعانون من السمنة، فهم معرضون للموت لأن لديهم مشاكل في التنفس. هل يستمر فيروس كورونا في جسم الإنسان حتى بعد تماثله للشفاء ويمكن أن ينقله للآخرين؟ لا. أبدا، حين يشفى المصاب، يختفي الفيروس من جسمه، وبالتالي، لا يمكن أن ينقله إلى شخص آخر. هل المصابون بالفيروس الذين تماثلوا للشفاء يمكن أن يصابوا مرة أخرى به؟ للأسف، لحدود الساعة لم يستطع العلماء الإجابة عن هذا السؤال، لكن بما أنه قريب من الانفلونزا يمكنه أن يعود مرة أخرى للشخص ذاته، لأنه ليس مرضا محفزا للمناعة، إذ لم يثبت العلماء أنه يعطي مناعة، وهنا أتحدث عن المناعة الفردية وليست الجماعية. لكن يجب الانتظار حتى يكتمل الوباء ليبدأ العلماء في الاشتغال عليه، لأن حتى الأرقام المعلنة ليست دقيقة وأخذناها تحت الضغط.