إن أخطر ما يصيب العالم هي حقيقة فرض ثقافة التغيير في ظل منطق اللا معقول، حين تُفرض الأحداث والمُعطيات على واقع الإنسان بشكل غير متوقع. ووفقا لطبيعة التحول الثقافي في منظومة التغيير، التي أصبحت تسابق الزمن نحو الخوف والرعب أوالحفاظ على ما تبقى في أساس وجود الإنسانية، وهي العيش في أمان واستقرار، بناء على الاقتصاد الذي يعتبر الإشارة الأكبر في هذا التحول. حيث يواجه العالم اليوم معركة حقيقية نحو مستقبل أصبحت معالمه غير واضحة، من حيث مكونات الحياة الإنسانية في البقاء فتغيرت الأولويات نحو ثقافة الحفاظ على المقدرات الاقتصادية دون التفكير في استراتيجيات مستقبلية لأن القادم مجهول! فالخوف من انهيار المنظومة الاقتصادية في العالم هو الهاجس الأكبر لدى قادة العالم بالرغم من أن بعض الدول، حددت أولوياتها للإنسان باستحياء فأصبح الواقع يفرض نفسه على جميع السياسات الغير متوقعة للانتشار السريع لوباء الكورونا في العالم. وهنا استشهد ببعض ما قيل عالميًا نحو بداية الانهيار للمنظومة الاقتصادية العالمية حيث: أعرب رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد، والذي قاد تعافي بلاده من الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، عن اعتقاده بأن جائحة فيروس كورونا الحالية ستصيب الاقتصاد العالمي بقوة أكبر من أزمة 1997. وقال في مقابلة تلفزيونية مع هاسليندا أمين بشبكة بلومبرج: "هذا أسوأ من الأزمة المالية، هذه حقا ضربة رهيبة لاقتصادات العالم أجمع". وينضم مهاتير إلى قادة العالم الآخرين في التحذير من أن تأثير الفيروس قد يكون أسوأ من فترات الاضطرابات السابقة. وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، قد أعربت عن رأيها في وقت سابق هذا الشهر بأن التداعيات الاقتصادية قد تكون مشابهة للأزمة المالية العالمية لعام 2008، بينما قال رئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونج إنها قد تكون الأسوأ. حيث كانت أزمة عام 1997 قد أدت إلى اضطرابات مالية وسياسية واسعة النطاق عبر آسيا، وأدت إلى أن ملايين الناس باتوا يعيشون تحت مستوى خط الفقر مع انكماش الاقتصادات وهبوط العملات. وقد تفشى فيروس كورونا، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية- في 158 بلدا، ووثقت الإحصاءات إصابة أكثر من 600 ألف شخص، في حين تجاوز عدد المتوفين بسبب الفيروس أكثر من 188 الف شخص. وتضاف أزمة كورونا إلى أزمات أخرى يعاني منها عالمنا، هي تراكمات الديون الأوروبية، وعدم استقرار أسعار الطاقة، وتذبذب سوق العملات، وخسائر الدول من الكوارث الطبيعية؛ التي تسببت فيها الأمطار والجفاف، إضافة إلى ذلك تداعيات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتأثير انتشار الفيرس على أوجه الاقتصاد. فيما انعكس انتشار الفيرس على النمو الاقتصادي والطلب العالمي على النفط، إضافة إلى التأثير على معنويات المستثمرين، وهو ما دفع الكثير منهم إلى التوجه نحو الأصول الآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمن للتحوط في أوقات الأزمات. كما أن انتشار وباء كورونا له تداعيات عديدة على الاقتصاد العالمى، ليس الصيني فحسب، إذ يؤكد جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في كابيتال إيكونوميكس، إن الانتشار السريع للفيرس يعني أنه لم يعد هناك أي شك في تعطيله للاقتصاد خلال هذا الربع من العام الجاري. أما البنك الدولي بدوره أعد دراسة، أكد فيها أن انتشار الأوبئة والأمراض يكلف الاقتصاد العالمي نحو أكثر من 570 مليار دولار سنويًا، أو ما يوازي نحو 0.7% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكن يبقى الأثر الاقتصادي لفيرس كورونا الجديد هنا بتطورات جهود منع انتشاره، والتي تتخذها مختلف دول العالم بشكل متسارع. وأخيرًا، هل يبقى كلام يضاف في ظل هذه التخوفات من المستقبل القريب لحياة الانسان؟ وهل المنظومة الاقتصادية سوف تستمر في تحمل أعباء هذا الوباء وتكلفته؟