قال إدريس لكريني مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض، إن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) يشكل محكا لمراجعة الذات والوقوف على الاختلالات، ومحاولة تجاوزها بسبل علمية وعقلانية في المستقبل، مبرزا في السياق ذاته، أن انتشار هذا الوباء مكن من إيقاظ الشعور بالمواطنة،كما حفز على التضامن في عدد من البلدان، وأبرز أيضا أهمية توفير بنيات طبية في مستوى المخاطر والتحديات، وحيوية الاستثمار في مجال البحث العلمي باعتباره البوابة الحقيقية نحو التقدم، وتحقيق الأمن بمفهومه الإنساني الشامل. وأضاف لكريني في حديثه ل "الصحراء المغربية" أن فيروس كورونا المستجد عندما بدأ في الانتشار خلال شهر دجنبر من عام 2019 بمدينة "ووهان" الصينية، لا أحد كان يتصور أن الأمر سيتحول إلى جائحة عالمية بإقرار من منظمة الصحة العالمية، وإلى أخطر أزمة صحية تواجه دول العالم، بما فيها الدول الكبرى كالصين وفرنسا والولاياتالمتحدةالأمريكية وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا. وأوضح لكريني، في هذا الصدد، أن هذا الوباء العالمي خلف ردود فعل واسعة في أوساط الكثير من المهتمين والباحثين والسياسيين، بين من اعتبر الأمر مجرد وباء طبيعي، لا يختلف كثيرا من حيث مخاطره وتداعياته عن الأوبئة التي واجهت الإنسانية تاريخيا، وبين من اعتبر الموضوع امتدادا للحروب البيولوجية التي تندرج ضمن صراعات دولية، تنحو من خلالها الولاياتالمتحدة إلى إلحاق الأذى بالاقتصاد الصيني الذي ظل يحقق نسبا قياسية من النمو، رغم الأزمات المالية المتتالية التي عرفها العالم في العقود الأخيرة، مشيرا إلى هناك من زعم بأن الصين نجحت إلى حد كبير في استثمار انتشار هذا الفيروس، لأجل تقوية عملتها، والتخلص من ثقل الاستثمارات الأوربية والدولية في البلاد، بعد انهيار الأسهم بصورة غير مسبوقة تحت ضغط انتشار الوباء.ضمن ما يمكن تسميته بالإدارة بالرعب التي تقوم على إثارة الخوف والفزع داخل المجتمعات، بصورة تسمح بتيسير تمرير قرارات وتشريعات عادة ما يصعب أو يستحيل تمريرها في الحالات العادية محليا أو دوليا. وأشار لكريني إلى أن انتشار فيروس "كورونا" على امتداد مناطق مختلفة من العالم، أعاد موضوع السلم والأمن الدوليين وما شهده من تطورات وتوسع خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى واجهة النقاشات الدولية على المستويات السياسية والأكاديمية، في عالم لم تعد فيه الحدود السياسية حائلا دون تمدد المخاطر العابرة للدول، كما هو الأمر بالنسبة للإرهاب وتلوث البيئة والجرائم الرقمية والأوبئة والأمراض الخطيرة. وأكد لكريني ان انتشار فيروس كورونا، أثار حالة واسعة من الرعب والهلع عبر العالم، في الوقت الذي عبرت الكثير من الدول عن صعوبات كبيرة تواجهها على مستوى مواكبة تداعيات ومخاطر هذا الانتشار، رغم إمكانياتها الاقتصادية والتقنية الهائلة. وحسب لكريني، فإن سبل التعاطي مع هذا الوباء، تباينت بين دول فرضت حجرا على مدن ومناطق بكاملها لأجل احتواء هذا الأخير ومنعه من الانتشار، وأخرى لجأت إلى إقرار حالة الطوارئ بداعي الحفظ على الأمن الصحي للمواطنين، كما قامت عدة دول بمنع حركة الطيران المدني، بل إن الولاياتالمتحدة قامت بإغلاق حدودها حتى أمام الأوروبيين، الذين اضطروا بدورهم إلى إغلاق الحدود فيما بينهم. وأوضح لكريني، أنه بالرغم من الإمكانات المالية والتقنية والبشرية الضخمة التي سخرتها الكثير من دول العالم ضمن خططها وتدابيرها الرامية للحد من تداعيات الفيروس، ومنع تمدده وانتشاره، برزت أهمية ترسيخ ثقافة إدارة الأزمات داخل المجتمع، مشيرا الى أن جزءا كبيرا من الخسائر التي تترتب عن الكوارث والأوبئة الفجائية، لا تتسبب فيها هذه الأخيرة بشكل مباشر، بل ترتبط في جزء مهم منها بحالة الارتباك والذهول التي تخلفها في أوساط الناس، ما يدفع إلى سلوكات وخيارات متسرعة ومرتجلة وغير محسوبة قد تضاعف من حجم الخسائر. وشدد لكريني على أن ترسيخ ثقافة تدبير الكوارث والأزمات، بين الأفراد وداخل المؤسسات الحكومية والخاصة، هو مدخل ضروري وأساسي للتخفيف من حدة الأخطار الناجمة عنهما، ولتوفير الأجواء النفسية الكفيلة بمواجهتها بقدر من الاتزان والجاهزية، وهو مايسائل الدول وعدد من المؤسسات والقطاعات،كالأسرة، والمدرسة، والإعلام وفعاليات المجتمع المدني والخواص. وأشار إلى أن ما يجري ضمن تطورات ميدانية غير مسبوقة، ستدفع دول العالم إلى مزيد من التضامن والحوار والشعور بالمشترك الإنساني، كسبيل لمواجهة مخاطر جديدة تهدد السلم والأمن في كل دول العالم دون استثناء. وضمن رؤية أخرى، تستحضر توجه الدول نحو إغلاق الحدود البرية والمجالات الجوية، وعودة المفهوم التقليدي الصارم للسيادة، أوضح مدير مختبر الدراسات الدولية حول إدارة الأزمات بجامعة القاضي عياض، أن هناك من يرى أن الوباء ستكون له تبعات استراتيجية، قد توقف زحف العولمة بكل مظاهرها الاقتصادية والسياسية، خاصة مع تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة والشعبوية في عدد من الدول. وخلص لكريني الى أن متغيرات كبرى ستلحق بعالم ما بعد رعب "كورونا"، سبفضي إلى زعزعة ركائز النظام الدولي الراهن، ليفسح المجال واسعا لإرساء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب، تحظى فيه قوى دولي كالصين بمكانة وازنة.