قال مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن الانتشار الواسع لفيروس "كورونا" يجعله أخطر أزمة وبائية عالمية في الألفية الثالثة، وسلط الضوءَ على المخاطر التي تُواكب ارتفاع وتيرة الحركة بين مختلف أركان الكرة الأرضية بسرعة وسهولة، والتي ارتبطت بتنامي حجم العلاقات التجارية والاقتصادية بين مختلف مناطق ودول العالم. وأوضح تحليل للمركز أن "الإجراءات التي اتُّخذت لمواجهة الأزمة أظهرت أيضًا التداعيات السلبية لتوقف عجلة العولمة عن الدوران، وإغلاق الحدود، ووضع القيود على حركة الأشخاص؛ فيما اعتبره بعض المحللين عرضًا أوّليًّا أو بروفة لما قد يواجه العالم مستقبلًا إذا ما ساد التيار المناهض للعولمة، الصاعد بقوة في عدد من الدول، ولا سيما على الساحة الأمريكية بشكل خاص". وقال المركز إنه "رغم أنه من المبكر إعلان وفاة العولمة، فلا شك أن تفاعلات أزمة فيروس "كورونا" ستعزز من التناقضات والتوترات التي تضغط عليها أصلًا، وتتسبب في المزيد من الأزمات الإنسانية والسياسية والاقتصادية في المستقبل المنظور". ويشرح التحليل أن العولمة اقترنت بتصاعد وتيرة الأخطار العابرة للحدود، بمختلف أشكالها، والتي تهدد النظام العالمي ككل؛ ظل هناك ضعف واضح وقصور شديد في التعاون الدولي لمواجهتها. ويتجلى ذلك بوضوح في ضعف أداء المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، وصعوبة حصولها على التمويل اللازم، خاصة في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع تراجع حجم الدعم التنموي الذي تقدمه الدول المتقدمة لمساعدة الدول الضعيفة على تجاوز أزماتها. و"يعود ذلك لأسباب متعددة؛ منها: أن بعض الدول ترى في أنشطة المنظمات الدولية تدخلًا في أمور تعتبرها سيادية. في حين ترى أخرى أنها تُحمّلها أعباء اقتصادية ليست مستعدة لها. بينما لا يقتنع عددٌ من الدول أصلًا بالعمل الدولي متعدد الأطراف، كما هو موقف الولاياتالمتحدة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب"، يضيف التقرير. ويعتبر المركز أنه "لأن ثمار العولمة لم تصل بشكل متساوٍ إلى كل الدول النامية، فلا يتوفر لأغلبها إمكانيات كبيرة. ومع غياب الدعم الخارجي، من المتوقع أن تواجه العديد منها صعوبات، إن لم نقل عجزًا، فيما يتعلق بوقف تمدد الفيروس، ورعاية المصابين بها". وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية بشكل خاص من خطورة الوضع في إفريقيا، حيث كشفت تجربة مواجهة وباء الإيبولا هناك منذ سنوات القصور الشديد في البنية التحتية، والإمكانيات الطبية اللازمة لمواجهة هذه الأزمات. وصرح المسؤولون بأن انتشار الفيروس في القارة الإفريقية قد يصل إلى مرحلة "الخروج عن السيطرة". وويشير المركز إلى أنه لا يقتصر خطر وصول الفيروس إلى دول تُعد هشة أو منهارة، بل إنه يشمل دولًا أخرى قطعت شوطًا كبيرًا في الاندماج بالاقتصاد العالمي، والتي ظهرت بها بعض الملامح المرتبطة بذلك؛ مثل: المطارات الكبيرة، والمدن المليونية، والحركة الكبيرة للمسافرين، خاصة حين لا يقترن ذلك بوجود بنية خدمية قوية. ويذكر أنه في محاولة لإقناع الدول المموِّلة بالمخاطر الصحية التي ستواجه المجتمع الدولي في الفترة المقبلة، أصدرت منظمة الصحة العالمية في عام 2018 تقريرًا عن أخطر الأوبئة التي واجهها العالم في العصر الحديث. وأضافت إلى القائمة توقّعها ظهور فيروس لم يُكتشف بعد، يحقق انتشارًا على مستوى العالم كله، ويمثل تهديدًا للاستقرار على المستوى المجتمعي، وهو الوصف الذي يعتبره المختصون مناسبًا للوباء الحالي. "بيد أن التعاون الدولي متعدد الأطراف ظل قاصرًا في هذه الأزمة كما في سابقاتها عن التصدي الفعال، حيث انتقدت منظمة الصحة العالمية المقترح الذي قدمه البنك الدولي لتوفير التمويل للدول المتضررة لمواجهة الفيروس؛ لأن تعقيداته لن تسمح بتوفير الدعم وقت الحاجة إليه، وأنه يضيع الوقت في إجراءات بيروقراطية معقّدة بينما الأرواح تُزهق"، حسب المصدر نفسه.