وجوه يرتسم الحزن على محياها، شاخصة أبصارها إلى الأفق منتظرة فرجا قريبا، تأمل أن يحدث الله أمرا كان مفعولا، فليس القدر ما يقلقها، ولا الموت يفزعها، وإنما تلك الأفواه الجائعة التي ترابط بالبيوت، وشاءت الظروف أن تضيف لمحنتها مع لقمة العيش محنة الحصار وغياب الزاد في الدار. ضياع ممزوج بالحسرة والترقب، وأوضاع اجتماعية صعبة يعيشها حرفيون وعمال الموقف ومهنيو القطاعات غير المهيكلة، تزيدها تهديدات فيروس "كورونا" تأزما، في ظل تداعياته على البلاد والعباد؛ ثم جاء تطبيق حالة الطوارئ الصحية كهادم للأقوات، جاعلا ألسنة المتضررين تلهج بالدعوات، وكم تعالت أكفهم إلى السماء: ربنا لا سؤال غير رفع البلاء. حرمان وإحسان عبد السلام، مياوم متعدد المهارات، أوضح في تصريح لهسبريس أن "فئة الحرفيين، سواء تعلق الأمر بمزاولي أعمال البناء أو الجبس، وكذا النجارة، ممن يقضون الوقت بالمواقف على أمل قدوم زبون، يعانون الأمرين، سواء تعلق الأمر بأيام الرخاء أو أيام الشدة، كما هو عليه الحال الآن"، مضيفا: "نحن فئة منسية، وظروفنا سيئة جدا، فإن لم نعمل لا نستطيع توفير لقمة العيش، وقد زاد وضعنا تدهورا في ظل هذه الإجراءات التي رافقت ظهور مرض كورونا بالبلاد". وقال عبد السلام: "حالة الطوارئ الصحية وإن كنا على يقين أنها في مصلحة البلاد والعباد لكننا لا نستطيع القول إنها حملت لنا الخير، فقد قطعت أرزاقنا بشكل كلي، إذ لا نجد في البيت ما يسد رمق أسرتنا وأبنائنا. نسأل الله أن يفرج عنا هذا الكرب عاجلا، ويخفف عنا وعن جميع المتضررين"، وزاد موضحا: "ما سمعناه هو أن الدولة تعتزم تقديم دعم للمتضررين، ونأمل ألا يغفلون عنا، فما أحوجنا إلى ذلك الدعم في الوقت الراهن". وأورد يوسف، وهو عامل جبس في عقده الرابع، وغير متزوج: "رغم أن الظروف ساءت أكثر مما كانت عليه إلا أننا يجب أن نتقاسم كل شيء في ما بيننا، فالمغاربة أهل كرم، وهذه الأزمة ستزول قريبا، ولن يدوم إلا الخير"، مردفا بابتسامة قناعة تكسو وجهه: "لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وهو أرحم الراحمين، ولذلك لندع الأمر لله، ولنتوكل عليه، وسينجينا ويفرج عنا"، مؤكدا أن "رزقه ورزق الجميع على الله، فهو الذي يرزقنا من حيث لا تحتسب". وزاد يوسف: "طبعا الحالة صعبة، ومن لديه زوجة وأولاد وضعه أصعب، لكن الله سيفرج الكرب"، معتبرا أن توجه الحكومة إلى دعم المتضررين، خاصة في القطاع غير المهيكل، "مسألة ملحة، فعلى الناس الالتزام بتعليمات الحكومة في هذه الظرفية العصيبة، وفي مقابل ذلك عليها مراعاة ظروف الناس، خاصة على مستوى المعيشة والاحتياجات الأساسية". بين "كوفيد" و"POCHE VIDE" يقول أحمد، سائق سيارة أجرة من الصنف الكبير، في منتصف عقده الثالث، إن "أزمة كورونا غدت أزمتين، الأولى تصيب صحة المرء، فيما الثانية تصيب جيبه"، مضيفا: "تداعيات انتشار هذا الفيروس القاتل على معيشة سائقي سيارات الأجرة بدأت عندما فرضت علينا السلطات نقل ثلاثة أشخاص فقط، كحد أقصى، بنفس تسعيرة الرحلة العادية"، مضيفا: "لم يكن ممكنا تفعيل هذا الإجراء، لأن ذلك لن يوفر حتى ثمن البنزين". وتابع الشاب حديثه لهسبريس بالقول: "نتائج ذلك الإجراء تمثلت في لجوء معظم سائقي سيارات الأجرة إلى مضاعفة سعر الرحلة للركاب الثلاثة، فقل الطلب، وبالتالي تراجع عمل السائقين"، وزاد: "كما أن تطبيق الحجر الصحي وتقييد حركة التنقل بفعل تفعيل الرخصة الاستثنائية للتنقل جعلا واقع هذا القطاع غير المهيكل يزيد سوءا، خاصة أننا نعمل بأجر يومي، ودخلنا محدود، لا يكاد يكفي احتياجات أسرنا، إضافة إلى باقي التبعات، من كراء، وفواتير الماء والكهرباء...". وحول توجه الحكومة إلى دعم القطاعات غير المهيكلة، قال المتحدث ذاته: "يجب أن تجد لنا الدولة حلا سريعا، شأننا في ذلك شأن باقي القطاعات الأخرى، فنحن توقفنا عن العمل مضطرين، وعملنا لا يساعدنا بتاتا على التوفير"، وفق تعبيره، مردفا: "من شأن الدعم الذي قد توفره الحكومة لنا أن يمتص بعض قلقنا، ويساهم في بقائنا ببيوتنا، تنفيذا للإجراءات الاحترازية التي أقرتها لاحتواء انتشار فيروس كورونا". من جانبه، اعتبر مصطفى، الذي يمارس مهنة الحلاقة بحي شعبي، داخل أسوار مدينة تطوان العتيقة، أن "وضع معظم ممتهني حرفة الحلاقة لا يختلف عن بقية الحرف"، موردا: "نحن من أصحاب الدخل المحدود، فما تمسكه اليد اليمنى اليوم تصرفه اليسرى غدا"، ومؤكدا أن خطورة الوضع الذي تمر به البلاد بسبب تهديدات انتشار كورونا "فرضت إغلاق المحلات، وملازمة البيت؛ ولكن الأمر لا يخلو من مشاكل جمة، معظمها متعلق بالقدرة على توفير ما تتطلبه المعيشة". وأوضح مصطفى أن "الوضع الحالي يفرض التساؤل حول مدى نجاعة التدابير الحكومية لتجاوز تعقيداته الاجتماعية، إذ إن مكوث أصحاب الدخل المحدود، ومعهم الفئات الهشة، بالبيت، رهين بتوفر احتياجاتهم المعيشية الأساسية"، وأردف: "هذا إلى جانب ضرورة التساؤل عن مدى كفاية قيمة الدعم الحكومي المخصص للمتضررين في القطاع غير المهيكل لتلبية تلك الأساسيات".