في الوقت الّذي تتّجه فيه السّياسات الحكوميّة نحو تشجيع مبادرات التّشغيل الذّاتيّ لمواجهة البطالة والتّخفيف من آثارها الوخيمة على البلاد، نجد أنّ تنامي الجشع بين فئات عريضة من أصحاب المشاريع الخاصّة ورغبتهم في فرض واقع الاحتكار على قطاعات معيّنة تهمّ أصحاب مبادرات التّشغيل الذّاتيّ قد يشكّل خطرا على آفاق هؤلاء، وينهي طموحاتهم المحدودة. ولعلّ من تلك المهن الحرّة الّتي تندرج ضمن مبادرات التّشغيل الذّاتيّ نجد مهنة التّصوير، وهي مهنة لا تزال تندرج ضمن القطاعات غير المهيكلة بالمغرب؛ وهو ما جعلها عرضة لتقلّبات المدّ والجزر بسوق العرض والطّلب.. وما زاد الطّينة بلّة خضوعها في السّنوات الأخيرة لمنطق الاحتكار، خاصّة من لدن أصحاب قاعات الحفلات الّذين اقتحموا هذا المجال عنوة، فأصبحوا يفرضون على زبائنهم خدمات متكاملة قد تطال حتّى مجالات اشتغال غيرهم، بما في ذلك التّصوير، على الرغم من أنّهم لا يتوفّرون على رخصة لمزاولة بقيّة الخدمات الّتي يعرضونها جبرا على النّاس، باستثناء رخصة كراء القاعة، حسب ما استقته هسبريس من آراء بين أوساط أصحاب المجال. وقد كرّس الواقع الجديد، الّذي فرضه أصحاب قاعات الحفلات دون وجه حقّ، أزمة بدأت تجتاح قطاع التّصوير المهنيّ، فعمّقت بذلك إشكالاته الّتي غالبها نتيجة غياب قوانين ضبطيّة، وهيكلة مهنيّة للقطاع، فأصبح بالتّالي قطاعا مفتوحا لكلّ من هبّ ودبّ، يغترف من ثماره أصحاب المشاريع الكبرى المرتبطة بالحفلات والمناسبات، وتستغلّ فيه الشّرائح البسيطة من هواة التّصوير، وتضيع فيه حقوق المصوّرين المهنيّين الّذين يحترفون هذا النّوع من المهن. غياب الهيكلة يشجّع على الاحتكار يقول سعيد، وهو مالك ل"أستوديو مونومينطال" بتطوان، إنّ "الأمور كانت على ما يرام، وكلّ المهنيّين كانوا يشتغلون في سلام، دون أدنى مشكل رغم كون القطاع غير مهيكل، ولم يكن هناك أيّ صراع مع أصحاب قاعات الحفلات، حيث كان التّفاهم يسود المجال إلى أن التأم مهنيو التّصوير في إطار جمعويّ بالمدينة". وأضاف المتحدّث ذاته، في حديثه لهسبريس، أنّ "أصحاب القاعات لجؤوا مؤخّرا إلى التّضييق على ممتهني التّصوير الفوتوغرافيّ بتطوان، عبر جملة من الممارسات غير المشروعة، بفرض التّصوير ضمن مجموعة خدمات توفّرها قاعاتهم على الزّبائن، دون ترك أيّ مجال لهؤلاء للاختيار بحريّة"، مشيرا إلى أنّ "هذا الاحتكار هو في الأصل غير قانونيّ، لكون أرباب قاعات الحفلات لا يملكون ترخيصا لمزاولة كلّ تلك الخدمات الّتي يعرضونها غصبا على الزّبائن باستثناء نشاط كراء القاعات". وأوضح سعيد أنّ الأمر تطوّر إلى منع أيّ مصوّر مهنيّ من ولوج معظم قاعات الحفلات بتعليمات من أصحابها، من أجل فرض الأمر الواقع على الزّبائن، "حتّى لو اضطرّهم الأمر إلى تخفيض ثمن هذه الخدمة لتكسير شوكة مهنيّي التّصوير الفوتوغرافيّ" وفق تعبيره، مشيرا إلى أنّ الاختلاف الحاصل هو أنّ "هناك قاعات أفراح تفرض هذا الاحتكار في عقد موّقع ومختوم مع الزّبون منذ اليوم الأوّل من الاتّفاق، فيما تلجأ قاعات أخرى إلى الحيلة، بالتّغاضي عن مناقشة هذا الجانب حتّى اقتراب موعد المناسبة، لتفرض الأمر الواقع على الأخير". وعن الحلول المتاحة، يقول صاحب الأستوديو، إنّ "الأمر يتطلّب نضالا جدّيّا، مقرونا بأشكال احتجاجيّة ضدّ هذا اللّوبي الجديد الّذي يسعى إلى احتكار القطاع، وفرض الأمر الواقع على ممتهنيه، ولا يمكن تفعيل ذلك إلّا من داخل الإطار الّذي اخترنا الانخراط فيه، خاصّة أنّنا اندمجنا مؤخّرا في الفيدراليّة الوطنيّة لمهنيّي قطاع التّصوير بالمغرب"، معتبرا أنّ خوض أشكال احتجاجيّة ضدّ ما أسماه بالغول الجديد الّذي يسعى إلى ابتلاع القطاع وإلحاق الضّرر بممتهنيه "حقّ مشروع للدّفاع عن لقمة عيشنا، وصون كرامتنا وحقوقنا كممارسين محترفين للتّصوير الفوتوغرافيّ، وهو ما لن يتحقّق إلّا بالنّضال ضدّ كل أنواع الاحتكار"، حسب رأيه. وزاد المتحدّث ذاته أنّ "مهنيّي التّصوير لا يرغبون في خوض أيّ نوع من الصّراعات مع أصحاب قاعات الأفراح، كما لا نطالب برفع يدهم عن إدراج التّصوير ضمن الخدمات الّتي يعرضونها على الزّبائن؛ غير أنّنا نطالب بشدّة بعدم إكراههم على قبولها غصبا بأيّ نوع من أنواع الضّغط أو التّرغيب، وعلى الزّبون وحده اختيار من يرغب في أن يتكلّف له بهذه الخدمة"، مؤكّدا أنّ استمرار هذا الوضع قد ينبئ بنتائج وخيمة "سيكون المتضرّر الأوّل فيها هو المصوّر المهنيّ، الّذي سيعجز عن مسايرة هذا الاحتكار، ما سيجعله عاجزا عن الاستمرار في تشغيل يد عاملة معه، وقد يدفع به إلى إغلاق الأستوديو عند عجزه عن تحمّل نفقاته وتسديد الضّرائب، مطالبا الجهات المختصّة بالتّدخل لإيجاد حلّ للإشكال القائم، والعمل على هيكلة القطاع بإحداث بطاقة للمهنيّين تعجّل بتنظيمه. المصوّر بين الإشكالات المهنيّة وفوضى القطاع اعتبرت إحسان، وهي مصوّرة مهنيّة راكمت خبرة سنوات طوال، أنّ "شدّة الخناق المفروض عليهم من طرف أصحاب قاعات الحفلات بدأت تدفع بها نحو التّفكير في امتهان حرفة أخرى، بالّرغم من أنّها لا تتقن غير التّصوير الّذي كان مصدر رزقها الوحيد، كما كان مصدر رزق عدد من الأرامل والمطلّقات اللّواتي عملن معها أيّام الرّغد"، مشيرة إلى أنّ "الوضع قد تغيّر مؤخّرا وتدهور بشكل فجائيّ، نتيجة تدخّل عناصر غير مهنيّة فيه، تحرّك أموالها لمنافسة المصوّر المهنيّ وتقطع عليه رزقه دون استحضار لأيّ بعد إنساني". إحسان، الّتي لم يغب الحزن والغضب عن نبرات صوتها في حديثها لهسبريس، أكّدت أنّها لم تعد تستطيع تغطية متطلّباتها ونفقات العاملات معها، معتبرة أنّ استمرار الحال على ما أصبح عليه "سيرمي بنا إلى الضّياع، والأفق المسدود" وفق قولها، داعية بدورها الجهات المختصّة إلى العمل على تقنين القطاع وتنظيمه حتّى لا يبقى مجالا مفتوحا على كلّ مظاهر التّسيّب والفوضى. واستنكرت المتحدّثة ذاتها ما وصفته بالظّلم والعدوان الممارس على المصوّر المهنيّ، "الّذي يعمل في ظروف جدّ قاسية، بدون تغطية صحيّة، ولا آفاق ملموسة" تقول إحسان، معربة عن أملها في أن يتّحد كلّ ممتهني التّصوير الفوتوغرافيّ بتطوان، من أجل الدّفاع عن حقوقهم وصون كرامتهم، "فكلّ يسعى نحو رزقه، واللّه الّذي يرزق، فلا داعي للجشع"، تضيف المتحدّثة ذاتها. الجشع سرطان يدمّر القطاع أكّد عمر، صاحب "أستوديو القاهرة"، أنّ "الصّراع الّذي طفا على السّطح بين ممتهني التّصوير الفوتوغرافيّ وأصحاب قاعات الأفراح راجع إلى الجشع والرّغبة في الاستحواذ على جميع الخدمات، وهو ما سيتسبّب في قطع أرزاق العديد من الأشخاص"، معتبرا أنّ "إخضاع الزّبون للتّرغيب والضّغوط من أجل القبول بجميع خدمات قاعات الأفراح، أمر غير مقبول بتاتا". وأضاف المتحدّث ذاته: "كنت أشغّل ستّة أشخاص معي في المجال، والآن لم يتبقّ غير اثنان بسبب تراجع الطّلب، ومحاربة أصحاب قاعات الأفراح لنا في الرّزق"، مشيرا إلى أنّ هذا الوضع المتأزّم الّذي أصبح يلفّه الجشع سيدمّر بيوتا يعتبر التّصوير الفوتوغرافيّ مصدر رزقها الوحيد. ويرى عمر أنّ حلّ هذا الإشكال لا يمكن أنّ يتحقّق خارج الإطار الجمعويّ الّذي انخرط فيه كلّ ممتهني التّصوير بتطوان، "عبر رفع شكايات للجهات المختصّة، وتنظيم أشكال احتجاجيّة حضاريّة ضد لوبي الاحتكار، والاستعانة بالإعلام لدعم المهنيّين، وكذا استغلال فضاءات التّواصل الاجتماعيّ لممارسة كلّ أشكال الضّغط"، يقول المتحدّث ذاته الّذي شدّد على ضرورة أن تتحمّل الهيئة الجمعويّة الّتي اختار مهنيو التّصوير الانخراط فيها مسؤوليّتها في تفعيل اللّجنة الّتي شكّلت لهذه الغاية، وعقد لقاءات تواصليّة لاتّخاذ القرارات الّتي تهمّ الدّفاع عن حقوق هذه الشّريحة. دور الفيدراليّة الوطنيّة في الصّراع طالب محسن البسيبسي، رئيس الفيدراليّة الوطنيّة لمهنيّي قطاع التّصوير بالمغرب، في حديثه لهسبريس، أصحاب قاعات الأفراح بالاشتغال في حدود ميدانهم، مشيرا إلى أنّ ثمّة لقاءات ستعقدها الفيدراليّة في الأيّام المقبلة مع عدد من المؤسّسات العموميّة؛ منها وزارة الصّناعة والاستثمار والتّجارة والاقتصاد الرّقميّ، لمناقشة مشكل احتكار هؤلاء لمجال التّصوير. وأكّد البسيبسي أنّ "القانون الأساسيّ لقاعات الحفلات لا يتضمّن مزاولة مهنة التّصوير، وهي بذلك تتمادى في خروقاتها، بما أنّها تملك رخصة لكراء القاعات فقط دون التّطاول على المهن الأخرى"، مبرزا الإجراءات الّتي ستعمل الفيدراليّة على تفعيلها في أقرب الآجال، "من قبيل العمل على توعية المهنيّين، وإطلاق حملات إعلاميّة، وأشرطة قصيرة لتوعية الزّبائن بخطورة السّمسرة سيتمّ إنجازها بشراكة مع وزارة الثّقافة والاتّصال، إلى جانب ملصقات ستوضع بواجهة عدد من المحلّات للتّوعية"، وفق تعبير ذات المتحدّث الّذي اعتبر نسبة الاحتكار الّتي يعانيها ممتهنو التّصوير بتطوان "غير معقولة، وفاقت واقع بقيّة المدن، "حيث بلغت نسبة الاحتكار فيها مائة في المائة، بشكل منع العديد منهم من الاشتغال داخل القاعات المحتكرة للقطاع"، يضيف البسبيسي.