بالتوازي مع انشغال كل دول العالم بتحديث خارطة سيْر فيروس "كورونا"، ودراسة منحنيات تطوره المخيف وإقرار إجراءات احترازية استعجالية لمنع الوصول إلى نقطة الكارثة، وتلهف الجميع لأخبار المختبرات الطبية ورواد صناعة الأدوية في العالم ولِتواريخ إجراء التجارب وللتصاريح بإجرائها... فإن هناك "خلايا تفكير" منتشرة في أكثر من مكان، تفكر في مآلات المستقبل، وخاصة ما بعد زمن كورونا.. فمواضيع العولمة والعلمانية والنظام الليبرالي والديمقراطية والمواطنة والسيادة الوطنية وحقوق الإنسان وغيرها مطروحة بقوة للنقاش وإعادة ترتيب الأولويات وإعادة صياغة المفاهيم، خاصة أن هناك إجماعا على أنه سيكون هناك "عالم جديد ما بعد كورونا". وبما أن "المناسبة شرط" فإننا نستحضر وبقوة ورش الإصلاح الوطني، ونعني به اللجنة الخاصة المكلفة بإعداد تصور لنموذج تنموي جديد.. وإن جائحة فيروس "كورونا" يجب أن تُعتبر محفزا لتعميق النقاش والدراسة وليس "مُفرملا" أو مؤجلا له.. لقد عرّى فيروس "كورونا" عن مطبات اجتماعية واقتصادية وثقافية ومجالية أيضا يعاني منها النسيج المغربي.. فمن ملف التعليم وجودته إلى ملف الصحة والبنية التحتية من مؤسسات استشفائية وتجهيزات علمية، إلى ملفات البحث العلمي والمختبرات وصناعة الأدوية، إلى ملفات اجتماعية تتعلق بالاقتصاد غير المهيكل والتكوين المهني، إلى ملفات ثقافية تتعلق بثقافة العمل التطوعي والتضامني وتقديم الإسعافات الأولية... وغير ذلك من الملفات الساخنة التي تجعل من كرامة الإنسان والمواطن المغربي مركز كل السياسات العمومية.. إننا نعتقد أن "زمن ما بعد كورونا" يحتاج إلى آليات جديدة في الخطاب السياسي يتسم بالواقعية والشفافية وأشكال جديدة من التواصل الاجتماعي من شأنها أن تغير العديد من الصور النمطية وعادات الحياة اليومية... وسياسات عمومية من شأنها تعميق مفهوم المواطنة ومفهوم التضامن الاجتماعي والعمل الإحساني.. وسياسة إعلامية مجالية تغطي احتياجات كل الجهات المغربية... العالم اليوم يستعد للدخول إلى "مرحلة ما بعد زمن كورونا"؛ هي مرحلة قد تطول أو تقصر حسب استعداد كل دولة على حدة، وحسب التحالفات الاقتصادية والسياسية الجديدة... فالعالم الجديد سيُعلن عنه بعد نهاية الحرب والانتصار على فيروس "كورونا".. وبما أن التاريخ يكتبه المنتصرون فإن من سيُعلن عن اكتشاف لقاح فعال أولا هو من سيعلن عن نهاية الحرب، ويعلن عن ميلاد عالم جديد وترتيبات جديدة ومعادلات جديدة... وجدير بالإشارة فإن الدولة المغربية تعاملت بحكمة كبيرة في محاربة فيروس "كورونا"، شهدت بها منابر إعلامية عالمية، وخاصة إعلان الحجر الصحي في وقت مبكر مع إطلاقه لرزمة من التدابير الاجتماعية للتخفيف من وطأة تكاليف هذا الحجر الصحي على المواطنين.. هذا بالإضافة إلى الإحساس الجماعي بقوة خطر انتشار "كورونا" وضرورة التضامن من خلال تبرعات مالية أو عينية في "صندوق تدبير جائحة كورونا"، الذي أعلن عنه جلالة الملك محمد السادس وتجاوبت معه القوى الحية في البلاد من مؤسسات وأفراد... موقعة على تلاحم جديد بين العرش والشعب في أوقات الشدائد والكوارث... وفي الوقت الذي نحصي فيه الضحايا ونترقب العلاج والخلاص من كابوس "كورونا"، ونوصي بالالتزام الجماعي بتعليمات السلطات العمومية وتطبيق الحجر الصحي... فإننا نأمل في تخصيص مساحات كبيرة للجوانب الاجتماعية والمجالية، وخاصة التعليم والصحة، في أعمال اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي الجديد استعدادا ل"عالم ما بعد زمن كورونا".