يعد مبدأ استمرارية المرافق العامة في أدائها لنشاطها بانتظام واضطراد، من أول المبادئ التي تحكم سير المرافق العامة بمختلف أنواعها تم إقراره من لدن الاجتهاد القضائي حيث يستنتج من قرار "ونكل" بتاريخ 7 غشت 1909 أن " الاستمرارية هي روح المرفق العام " يرتكز على ضمان حق المستفيدين من الحصول على خدمات المرفق العام بشكل مستمر، ولعل انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد -19 في العالم ووصوله إلى بلادنا من خلال حالات وافدة حتم على السلطات العمومية اتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية والوقائية بغية الحفاظ على النظام العام الصحي ومنها توقيف الدراسة بالمؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية بمختلف أسلاكها وإغلاق العديد من الفضاءات والأماكن العمومية وإعلان حالة الطوارئ الصحية ما يطرح تحدي يقظة وفاعلية المرافق العامة المرتبطة مباشرة بمواجهة خطورة عدوى انتشار الفيروس ومنها مرافق الصحة والتطبيب والشرطة الإدارية والنظافة والتطهير والمرافق الجماعية لحفظ الصحة ومرفق إنتاج الماء والكهرباء والتزويد بهما ومرفق الأمن العمومي وعمل مختلف القوات العمومية ومرفق الإعلام مع استمرارية مهن خاصة في أعمالها ومزاولة أنشطتها كمحلات عرض وبيع المواد والمنتجات الضرورية للمعيشة اليومية للمواطنين والمواطنات كمحلات البقالة وبيع الخضر والمخابز... ما يوسع المفهوم العلمي للمرفق العام الذي انحصر في الأحوال العادية في النشاط الملبي للحاجة العامة ذات النفع العام والمحقق للمصلحة العامة إذ في ظل هذا المعطى الاستثنائي المرتبط بحالة الطوارئ الصحية تبرز أهمية استمرار تلك المهن الخاصة في أداء نشاطها وفتح أبوابها وعدم إغلاقها ليس لخدمة مصالح أصحابها الخاصة فحسب وإنما لخدمة الصالح العام هذا دون الحديث عن استمرارية نشاط الصيدليات التي تعد علميا من صنف المرافق العامة ذات الطابع المهني تنظم من لدن نقابة مركبة من أبناء المهنة الانضمام إليها إجباري لممارسة المهنة وقد تستخدم بعض وسائل القانون العام سعيا للمصلحة العامة التي تقترن بالاستمرارية وبالدوام. أما فيما يخص استمرارية باقي المرافق العامة غير المرتبطة مباشرة بمواجهة خطورة عدوى انتشار الفيروس كالتعليم نموذجا فإن الحاجة الملحة لضمان استمراريتها ودوامها ساهم في بروز دور ومكانة التكنولوجيات الحديثة في أداء الخدمات المرفقية عن بعد ليس من منطلق تطبيق منهج الجودة من حيث الكلفة والآجال والقرب بل من منطلق الضرورة التي حتمت على المرتفقين تلقي الخدمات المرفقية في منازلهم وعن بعد عبر المواقع والمنصات الإلكترونية والقنوات التلفزية ومنها خدمة التعلم عن بعد إذ الهدف الأساسي من تلك الخدمات المرفقية الإلكترونية في هذه الظرفية الاستثنائية هو ضمان مبدأ استمرارية المرفق دون المحاسبة على الجودة وهي رهان يرتبط عادة بالاستفادة من التقنيات الحديثة للإعلام والاتصال وجعلها في صلب العمل المرفقي وبإدارة إلكترونية تساير الإيقاع السريع الذي يشهده التقدم التكنولوجي بما يفيد المرتفق ويلبي حاجياته بأحسن الطرق وأسرعها وفي جميع الأحوال تعزيزا للرضا العام للمرتفقين ككل. نستنتج مما سبق أن الإدارة بشكل خاص تتحمل مسؤولية تأمين دوام سير خدمات المرفق العام بانتظام واضطراد في الأحوال العادية والاستثنائية، ولعل تحجيم أداء بعض الخدمات العمومية عن قرب لا يخل بمبدأ الاستمرارية بقدر ما يساهم في فاعلية مرفق الحفاظ على النظام العام الصحي من خلال الالتزام من لدن الجميع بالتنفيذ الفاعل لكل التدابير المتخذة في هذا الصدد، على أن الأشخاص المتعاقدين مع الإدارة الذين يسيرون مرافق عامة يقع عليهم واجب الاستمرار في أداء أنشطتهم المطلوبة والمرخص لها في هذه الظرفية الاستثنائية وبالتالي عليهم الاستمرار في تنفيذ التزاماتهم التعاقدية مهما كانت الصعوبات التي تعترضهم ويمكن الاستناد على نظرية الظروف الطارئة في ضمان تلك الاستمرارية في حال انهيار اقتصاديات العقد وليس القوة القاهرة التي تجعل تنفيذ العقد مستحيلا. أما المواطنين والمواطنات كبارا وصغارا فهم المرتفقون المستفيدون الذين تتجه إليهم كل الخدمات المرفقية التي سبق ذكرها وفي مقدمتها مرفق الحفاظ على النظام العام الصحي في ظل مخاطر انتشار فيروس كورونا المستجد كوفيد -19 والتحدي الذي رفعته الدولة بكل مؤسساتها ومرافقها لتطويق مخاطره وبالتالي من واجب المواطنين والمواطنات احترام كل الشروط والتدابير التنظيمية التي تؤدى في إطارها المرافق العامة المختلفة ومنها بالأساس مرفق الحفاظ على النظام العام الصحي إذ من أوجب الواجبات عليهم اليوم البقاء في منازلهم امتثالا أولا للتدابير المتخذة من لدن السلطات العمومية وثانيا للمساهمة في فعالية مرفق الحفاظ على الصحة العامة. *أستاذ التعليم العالي في القانون العام. متخصص في القانون الإداري وعلم الإدارة وقانون البيئة