موازاة مع المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في تدبير أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" بالتجند المسؤول والتعبئة الشاملة لكافة القطاعات، تبقى مجالس الجماعات الترابية مدعوة إلى المساهمة والانخراط الفعال في إدارة هذه الأزمة، باعتبارها مجالس تعبر عن الإرادة الواحدة للجماعات الترابية التي تمثلها كأشخاص معنوية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وذلك تأكيدا للمكانة المتميزة للجماعات الترابية داخل النسق الإداري المغربي، وحفاظا على مصالحها من المخاطر والخسائر الناجمة عن هذا الوباء. بل تفعيلا للاختصاصات الموكولة إليها في ميدان الحفاظ على الصحة العامة، عبر مجموعة من الآليات المخولة لها في إطار المقاربة الحديثة للتدبير الترابي. في هذا السياق، مجالس الجماعات الترابية مدعوة تحت إشراف رؤسائها إلى اتخاذ المبادرة واقتراح مشاريع مخططات استعجالية تساهم في الرصد والتصدي لفيروس كورونا المستجد، تهم النفوذ الترابي لكل جماعة ترابية، مع مراعاة الانسجام والالتقائية مع المخططات الوطنية لتدبير هذه الأزمة، والتقيد التام بالتوجيهات العامة للدولة في هذا الصدد، لاسيما التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وتوجيهات وزارة الداخلية ووزارة الصحة. مع مراعاة المعايير الدولية المعتمدة في هذا الصدد، وفق الخطوات والمراحل المنهجية لتدبير أزمات الأوبئة: 1- مرحلة ما قبل الوباء - Phase pré-pandémie تتعلق هذه المرحلة بفترة ما قبل رصد حالات مؤكدة مصابة بالوباء داخل تراب الجماعة الترابية المعنية. بحيث في خضم هذه المرحلة يجب أن تعمل كل مصالح الجماعة الترابية بتنسيق مع المصالح اللاممركزة للدولة على تحليل الخطر المحتمل (فيروس كورونا المستجد) ترابيا. وذلك بالعمل من جانبها على تحديد الخطر وتحديد مصادره. عبر تقنيتين أساسيتين؛ (TOP-DOWN) بتحليل الوثائق والتقارير، والتقارير الإحصائية التي تتوفر عليها، أو التي يمكن أن تحصل عليها من مختلف مصالح الدولة. (BUTTOM-UP) عبر إجراء الجماعة الترابية المعنية للدراسات والمقابلات الاستقصائية. كل هذا من أجل الوقوف على مصادر الخطر، كتحديد قائمة الأفراد الوافدين الى تراب الجماعة من دول أجنبية، حصر لائحة الأشخاص المسنين أو المصابين بأمراض مزمنة، وكذا تحديد الأجراء والعاملين الذين يشتغلون في المعامل والمصانع، حيث يتجمع عدد كبير من الأفراد...كما أن التحليل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانية فقد بعض مواردها البشرية جراء الإصابة المباشرة أو غير المباشرة، انسجاما مع مسؤولية الجماعات الترابية في تأمين استمرارية المرفق العام بانتظام واضطراد. 2- خطر وشيك - Risque imminent تحتاج هذه المرحلة أكثر من سابقتها الى تفعيل الجماعات الترابية لنظام فعال لليقظة، يراقب انتشار الفيروس. إسهاما منها في توفير المعلومات المتعلقة بالوباء، ورفعها إلى السلطات العمومية المتخصصة، من أجل اتخاذ الإجراءات الضرورية وفق تدابير المخطط الوطني لليقظة والتصدي لفيروس كورونا المستجد. إذ يتطلب الأمر ضرورة توفر الجماعة الترابية على نظام للمعلومات واسع النطاق، الغرض منه ضمان تدفق سلس ومتواصل للمعطيات، باعتماد آليات الذكاء الاقتصادي. وكذا قيام مصالح الجماعات الترابية بالإبلاغ الفوري لرئيس الجماعة الترابية وأعضاء المجلس بأي مستجد في هذا الصدد على مستوى تراب الجماعة الترابية المعنية، الذي بدوره يبلغه للسلطات العمومية، بالإضافة الى رفع تقرير حول الوضعية الحالية، وكذا التدابير الاحترازية الاستعجالية التي اتخذتها مصالح الجماعة الترابية. في نفس الإطار، يمكن للجماعات الترابية بتنسيق مع المصالح المختصة أن تفتح خطوطا هاتفية وقنوات تواصلية موازية لتلك التي اعتمدتها الدولة من أجل الإخبار والإعلام عن الحالات المشتبه في إصابتها، تخفيفا للضغط، وإسهاما منها في تحقيق الاستجابة السريعة. 3- مرحلة ما بعد الوباء Période post-pandémique إذا ما اتضح تسجيل عدد من الإصابات داخل النفوذ الترابي للجماعة الترابية، تعمل هذه الأخيرة بتنسيق مع المصالح المعنية، و في حدود الاختصاصات الموكولة إليها قانونا، على الرفع من مستوى تدخلاتها، حفاظا على الصحة العامة للساكنة، من خلال اتخاد تدابير السلامة الصحية، كمساهمة الجماعة الترابية في توفير الأماكن البديلة لتقديم الرعاية، ومساهمتها في تنزيل تعليمات حالة الطوارئ إذا ما تم إعلانها من طرف السلطات المختصة، بتحسيس الساكنة على ضرورة الاستجابة والتقيد بالتعليمات، أو توقيع العقوبات والجزاءات على المخالفين في حدود الصلاحيات المخولة لها في هذا الصدد. فضلا عن القيام بترتيبات خاصة تهم تدبير مستودعات الأموات والمقابر، إذا ما سجلت وفيات. وفي نفس السياق، انسجاما مع صلاحيات رؤساء الجماعات في مجال التدابير الصحية و النظافة، المنصوص عليها في المادة 100 من القانون التنظيمي للجماعات 113.14، يمكن أن يتضمن مخطط الجماعة لليقظة والتصدي لفيروس كورونا المستجد، تدابير تسهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم، وخاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها، مع احترام التدابير والإجراءات المتخذة من طرف السلطات العمومية طبقا لمبدأ توازي الشكليات. 4- مرحلة السيطرة على الوباء - Rétablissement تتضمن هذه المرحلة تدابير وإجراءات تهدف إلى إرجاع الوضع إلى حالته العادية، من خلال تقييم الأضرار، إدارة وتدبير التبرعات، مراقبة الموارد وإعادة تخصيصها إذا اقتضى الأمر ذلك، السهر على استئناف الأنشطة، المساهمة في تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية، تحديد وتنظيم المساعدات المادية، دراسة وتقييم مدى بلوغ أهداف المخطط، وغيرها من التدابير... المهام في مرحلة السيطرة على الوباء، تنقسم إلى ثلاثة محاور أساسية: أولا، تقييم الأثر، بحيث أن اليقظة المبكرة وجمع المعلومات في وقت مبكر حول آثار الوباء على الساكنة وعلى الجماعة الترابية المعنية تعد إحدى العناصر الاستراتيجية لمرحلة السيطرة على الوباء، من أجل تحديد الحاجيات من الخدمات، ومن الموارد البشرية، وكذا موارد السيطرة بصفة عامة، أيضا بغية تحديد الفئات الموبوءة ووضعياتهم. ثانيا، تدبير الموارد، إذ أن المخططات الجهوية أو الإقليمية أو على صعيد الجماعة، يجب أن تحدد سبل تمويل التدخلات، من خلال إعادة توزيع الموارد في إطار مسطرة شمولية الاعتمادات، اعتماد مبدأ التعاضد في استعمال الموارد والإمكانات بين مستويات الجماعات الترابية، وبينها وبين المصالح اللاممركزة للدولة، وكذا إدارة التبرعات، عقد شراكات، إلغاء وتعليق جميع الرخص الإدارية للموظفين العاملين بالجماعة الترابية المعنية، فتح باب التطوع وغيرها. ثالثا، تدبير المعلومات، بحيث أن التدبير الفعال للمعلومات تعد من بين أهم مقومات السيطرة على الوباء، ففي حالة الطوارئ يسلط الضوء على المعلومات الموجودة بحوزة السلطات العمومية، الأمر الذي يحتاج إلى حنكة كبيرة في تدبيرها، بما يحقق المصلحة العامة، إذ يجب دمج كل من اليقظة الاستراتيجية لاستقطاب المعلومات من المحيط الخارجي، والأمن الاقتصادي للحفاظ على هذه المعلومات، وضمان عدم تسربها، وتبليغها فقط للجهات المختصة والمسؤولة. مع خلق قنوات تواصلية مع المواطنين لإحاطتهم بكافة المستجدات والتدابير المتخذة. عموما، بلورة الجماعات الترابية لمخططات ترابية لليقظة والتصدي لفيروس كورونا المستجد، يجب أن يتم وفق محددين أساسيين، من جهة أولى تأمين استمرارية الخدمات المقدمة، بحيث على الجماعات الترابية الوعي بمدى خطورة فيروس كورونا المستجد على قدرتها في استمرارية خدماتها، التي تبقى مهددة بالتوقف بسبب إصابة الموارد البشرية العاملة بها. لهذا الغرض على مخططات الجماعات الترابية أن تتقيد بالتوصيات التي جاء بها منشور السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 1/2020 بتاريخ 16 مارس 2020، حول التدابير الوقائية من خطر انتشار وباء "كورونا" بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية. من جهة ثانية إعداد الجماعات الترابية لمخططاتها في هذا الصدد، يجب أن يهدف إلى دعم وتعزيز المنظومة الصحية الترابية، وفقا لما تخوله المواد 83 و87 و92 و100 من القانون التنظيمي للجماعات 113.14، وكذا المواد 79 و86 القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات و الأقاليم، و المادة 94 من القانون التنظيمي للجهات 111.14، لهذه الوحدات الترابية من اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة، وأخرى منقولة إليها من طرف هذه الأخيرة، وكذا صلاحيات لرؤسائها في ميادين تعزيز المنظومة الصحية الترابية، والوقاية من الكوارث الطبيعية، ومحاربة عوامل انتشار الأمراض. من جهة أخرى، وعلى المستوى الاستراتيجي، يمكن لمجالس الجماعات الترابية أثناء اتخاذها المبادرة لإعداد مشاريع مخططات استعجالية تساهم في الرصد والتصدي لفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ترابيا، أن تقوم بمقارنة معيارية «BENCHMARK» مع الخطة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية لمواجهة فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-COV، واستيفاء الخطوط الكبرى لتدبير أزمة "كوفيد-19". أما على المستوى الشكلي أو القانوني، فمبادرة الجماعات الترابية في إعداد هذه المخططات، لا يمكن أن تتم بشكل انفرادي ومستقل، بل لا بد من التنسيق الفعال مع سلطات الرقابة المتمثلة في المصالح المعنية بوزارة الداخلية، في إطار صلاحيات الإشراف، والمواكبة، والتأطير، والرقابة. *باحث في سلك الدكتوراه، في حكامة مسؤولية الدولة في تدبير مخاطر الكوارث الطبيعية، بفريق حسن الأداء الإداري والمالي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي- جامعة محمد الخامس بالرباط.