إلى أولئك الذين خرجوا في مظاهرة الرباط يخادعون الشعب المغربي بشعارات قالوا فيها أن قضيتهم الوطنية الأولى هي القضية الفلسطينية، وإلى أحمد ويحمان وخالد السفياني اللذين أبانا عن تفانيهما وتجنيدهما لخدمة كل القضايا باستثناء القضية الوطنية، إليهم جميعا أقول إن السفير الفلسطيني الذي يمثل السلطة الفلسطينية لدى النظام الجزائري، يقرئهم السلام ويتوجه إليهم بالشكر الجزيل ولا ينسى الرفاق الأشاوس في درب النضال. ويقول لهم إنه تابع بكل اهتمام من عاصمة المليون شهيد مظاهرتهم التي عبروا فيها عن ولائهم اللامحدود للقضية الفلسطينية حتى تناسوا قضيتهم. ويثمن جهودهم ومواقفهم التي تنكرت لأبسط الدروس والمبادئ في الوطنية بعد أن اعتبروا قضية الصحراء المغربية دون القضية الفلسطينية. مثل هذه المواقف فاقت حدود التوقعات حتى بالنسبة لأصحاب القضية، بل لا وجود لبلد عربي بما في ذلك الجزائر يرضى عن نفسه أن يبخس قضاياه إلى هذه الدرجة من المواقف المجانية. فكيف لا يحق لسفير بعد هذا الذي سمعه منهم وتابعه على الفضائيات ألا يكون على تناغم مع تلك الأولويات التي بادر إليها المتظاهرون بكل سخاء وبكل مجانية. وبالفعل، سارع سعادته في غفلة من الأغبياء إلى ترجمتها على أرض الواقع بخطوات استفزازية لمشاعر المغاربة. ومن قلب عاصمة الجزائر وبعد أيام معدودة من مظاهرتهم، ها هو سعادة السفير يرد لهم الجميل، وما عاد الله أن يكون قد رد لهم الصاع الصاعين، ويؤكد لهم أنه بألف خير وأنه على نفس الدرب ماض تحت الرعاية الأخوية للرئيس الجديد عبد المجيد تبون ولرجالاته القاهرين للشعب الجزائري. ويوجه لهم سعادة السفير رسالة عابرة للقارات مفادها أنه بفضل التسهيلات التي وفرها له رجالات النظام استطاع سعادته أن ينظم ما أشبه بالمظاهرة مع إخوانه في النضال من الانفصاليين وأهدوه تحت الأضواء الإعلامية قماشا لا يختلف كثيرا عن العلم الفلسطيني حسب المبررات الواهية للسفير الشوبكي في الرباط. بل أكثر من ذلك سعادة السفير أو ممثل السلطة الفلسطينية في الجزائر الذي قيل إنه قد اختلط عليه الأمر، لم يدع هذه الفرصة التاريخية تمر لكي يلتقط صورا تذكارية مع رفقائه من الصحراويين على يمينه وعلى يساره، ويقال إنه لا يعلم من هم ولا سر تواجدهم، ليؤسس لعلاقة صحراوية فلسطينية تبنى على الكفاح وتربط الماضي بالحاضر. بين ذاك الماضي الذي استقبل فيه الرئيس عرفات زعيم الانفصاليين في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988، وبين هذا الحاضر الذي يجسده اليوم السفير الفلسطيني على أرض الجزائر. هذه هي رسالة السفير الفلسطيني إليك أيها المناضل أحمد ويحمان وشقيقه على درب النضال خالد السفياني. ومن باب الأعراف والبروتوكولات المتعارف عليها أن يكون لكما رد على تلك الرسالة المرفقة بصور جميلة نقلتها إليكما وسائط التواصل الاجتماعي. فما عساكما أن تقولا عن هذه الهدية التي تفضل سعادته وقدمها إليكما. فإذا لم يكن لكما جواب تحت وطأة ما نزل عليكما كالصاعقة، فأقل ما يمكن أن يجابه به هذا السفير وكذلك زميله في الرباط الذي حاول أن يبرر ما فعله السفهاء منهم وهو أن هذه السلوكيات التي تطفو على السطح من فترة لأخرى هي بمثابة طعنة في ظهر المغاربة وهو غدر ولؤم من دبلوماسي فلسطيني لا يمثل نفسه بل يمثل قيادته. ومهما كانت التبريرات من طرف السفير الفلسطيني في الرباط فهي مرفوضة وغير مقبولة للأسباب التي سنوضحها: 1 ما قاله السفير الشوبكي فهو كلام لا يسمن ولا يغني من جوع ولا ينم عن وجود تعليمات أعطيت له من القيادة الفلسطينية. كل ما هنالك أنه اتصل بزميلة في الجزائر واستفسره عن الموضوع وكان جوابه كما جاء على لسانه. وهذه ظاهرة مشينة في الأعراف الدبلوماسية. السفير الشوبكي ليس هو الجهة المخولة لمساءلة زميله في الجزائر لأنه ليس بالسلطة التي عينته حتى يستفسره. فهذه عملية ذر الرماد على العيون والتستر على الفضيحة. 2 كان على السفير الفلسطيني المعتمد بالجزائر أن يتحمل بنفسه إعطاء التوضيحات والتفسيرات والحيثيات في العاصمة الجزائرية حيث مقر عمله ونشاطه وحيث ما هو معتمد وليس في المغرب حتى تتبين المواقف الحقيقية من عدمها. 3 وإذا كان سعادة السفير غير قادر على أن يدلي بأي تصريح لأنه يحسب الحساب ألف مرة حيث هو موجود، كان من اللازم أن يصدر بيان اعتذار من رام الله يوضح الملابسات والحيثيات التي كانت من وراء ذلك الحدث المشين، وأن تقوم القيادة الفلسطينية بتصحيح الموقف بالتأكيد على أن ما قام به سفيرها لا يمثلها ولا يعكس توجهها وأنها لا تعترف بذلك العلم الذي تسلمه سفيرها وأن تعلن كذلك عن دعمها لمغربية الصحراء وللوحدة الترابية للمملكة. والأدهى والأمر من ذلك أن قيادة رام الله يبدو أنها على نفس الخط، إذ لم تعر لهذا الموضوع ما يلزم من الاهتمام عرفانا للمواقف التاريخية التي اتخذها المغرب لصالح القضية الفلسطينية. ولذلك، عوض أن تصدر بيانا يرقى إلى المستوى المطلوب لمحو خطيئة سفيرها بالجزائر، اكتفت ما يسمى بوزارة الخارجية الفلسطينية من دعوة سفيرنا لديها لتبلغه كلاما فارغا ليست له أية دلالات سوى أنه يزيد الطينة بلة. وفي عملية تمويه واضحة وتهرب عن صلب الموضوع، ركز وزير خارجيتهم على أن السلطة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وكأن ما قام به سفيرهم من استفزاز ليس تدخلا في قضية تعتبر من صلب القضايا الداخلية للمغرب. وفي حديثه عن الوحدة الترابية تعمد المسؤول الفلسطيني أن يدرجها في سياق الحديث عن الوحدة الترابية لكل الدول العربية، ونتساءل ما إذا كانت الوحدة التي لمح إليها تعني مغرب ما قبل 1975 أي تلك الوحدة الترابية التي تشمل مدن طنجة ووجدة وطرفاية وغيرها. وما يزيد من احتمالية ذلك وهي أن المسؤول الفلسطيني في رام الله تحاشى الحديث إطلاقا عن أقاليمنا الجنوبية وعن مغربيتها. كما أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد ولا بالحق ولا بالباطل إلى الموقف الأرعن الذي اتخذه سفيرها. فالمغاربة كانوا ينتظرون موقفا فلسطينيا رسميا واضحا من كل هذه القضايا لا كلاما في العموميات. ولرب ضارة نافعة. فهذه الأزمة قد كشفت للمغاربة حقائق كانوا لا يرونها من فرط إيمانهم بقضايا لطالما نبهنا إلى نوايا أصحابها وكان مناصروهم يكيلون لنا أشد الاتهامات. 4 أمام هذه المواقف التي لا تخلو من خبث والتي تتنكر لكل الجهود المثمرة التي ما فتئ المغرب يبذلها لصالح قضيتهم وفي غياب تصحيح الموقف، فإن وزارة الخارجية المغربية مطالبة بأن تدعو سفيرنا في رام الله للالتحاق بالرباط من أجل الاستشارة. وعلى النقيض من هذه المواقف المشينة والمغلة في الغدر واللؤم التي تصدر من جهات فلسطينية رسمية سواء في رام الله أو في الجزائر أو ما قبلها في الاتحاد الأوروبي أو في خرجات أخرى، يطل علينا مستشار الحكومة الإسرائيلية، وهو من أصول مغربية، بحديث يثلج الصدر وهو يعلن مؤخرا عن دعم بلاده للمغرب بالتأكيد على أن البوليساريو وقادة الجيش الجزائري "شمايت" وأن إسرائيل لن تحيد عن موقفها المعروف وهو الموقف الداعم لمغربية الصحراء. ونترك للقارئ الكريم الحق في المقارنة مع وجود الفارق. والآن بعد أن سقط القناع يا زمرة القومجيين والإسلاميين، وبعد أن تبينت حقيقة ما كنتم تجادلون في أمره، وبعد أن وقف المغاربة على حقيقة زيفكم وادعاءاتكم، فأنتم اليوم أمام واقع لا يمكن بعد هذا الذي حدث أن تتستروا عليه. ولكم أن تخجلوا من أنفسكم وأن يتفتق ما تبقى من بصيرتكم على أن من تناصروهم في قضاياهم يناصبون العداء لوطنكم. وهذه المرة، عوض الاستكانة والعودة إلى الجحور، ينبغي اليوم ملء شوارع الرباط لرفع الشعارات الوطنية التي تهمنا نحن المغاربة جميعا وتستوجب منا مختلف أشكال التعبئة والتأطير. فهاتوا اليوم برهانكم ولا تنسوا أن قلوبنا على حب الوطن وستبقى قبلتنا واحدة من شعائر الإيمان والعبادة.