هل بهذه التناقضات تستجيب بعض برامجنا التلفزيونية لكل هذا المجهود السياسي والاقتصادي والتنموي الذي ينخرط فيه المغرب لبناء مجتمع المعرفة والحداثة والتواصل العقلاني والمنتج والبناء؟ صباح التناقض الصارخ على قناة MEDI 1 TV العزيزة علينا: الصحفي المقتدر "نوفل العواملة"، وبرنامج "أخبار الناس"، يقدم نموذجا مفيدا وبناءً تربويا وثقافيا وحضاريا وقيميا، في سياقٍ مجتمعي لا حاجة للتأكيد على حاجتنا العميقة لأمثاله. يقدم شبكة القراءة وأطفال ومراهقين مغاربة يشرفون ويبهجون، مباشرة بعد البرنامج يحتل الشاشة برنامج "بيناتنا" الذي يهدم كل ما بناه سابقه كيف؟ تقديم نصائح "للمؤثرين"، أمام مئات الآلاف من المراهقين وربات البيوت، كي لا يخطؤون في "الذهاب لنفخ وجوههم ونفخ حساباتهم البنكية" بالانتباه إلى ضرورة توفرهم على عقود قانونية، أو على الأقل "رسائل إلكترونية مكتوبة كحجة"، والاستمرار بالتالي في عملهم. بعد هذه النصائح بدأ ترويج بالصوت والصورة لآخر إنتاجات الكليب وأغاني من العيار الذي تعرفونه: لا صوت مدهش ومتعدد الطوابع والمستويات، ولا موسيقى يمكن اعتبارها كذلك، وكلام أو كلمات! خالية كليةً من أيةِ صُور شِعرية أو موسيقية نغمية، ولا عمق فكري ناهيك عن الغياب الكلي لأي إيحائية جمالية من حيث الصور الذهنية التي ترتبط بمتخيل جماعي غير مبتذل. ثم: هل نحن أمام برنامج للخدمة العمومية أم برنامج لتبادل المديح بين مؤثرين إثنين يساهمان في تقديمه، باعتبارهما نموذجان ساميان في الميدان؟ (تكفي عودة لحلقة اليوم 21-02-2020 ) ما الذي تقدمون له الدَّعم السمعي البصري وتدخلونه للبيوت على أنه نموذج وقدوة للنجاح وللتفوق وللكسب المادي أيها الشباب؟ ما هذا الذي تسمحون به على الشاشة وتبذلون التكنولوجيات والمال لبثه للمغاربة، الصغار خاصة، في زمن العلم والديموقراطيات المنتجة والسباق نحو إنتاج المعرفة والقوة الاقتصادية والإبداع البنَّاء؟ أيحدث هذا في عالم اليوم، عالم الصورة الذي يصنع المواقف والأذواق وقيم الجمال المقترنة بالاستحقاق والمثابرة وتحصيل المعرفة والاجتهاد في التجريب بغرض الإبداع المدهش. اتركوا "المأثرين" بهذا البلد حيث الهجانة والإفراغ من المحتوى يطال كل موضة مستوردة، ينضجون بعيدا عن إعلامنا المسؤول عن التربية والتنشئة والتثقيف والتوجيه لأجيال ستكون غدا مسؤولة عن أسر ومستشفيات وجامعات ومحاكم وإدارات لن ينفعها في شيء متابعة أخبار "مخجلة" لمؤثرين لا يقدمون، حتى الآن، في بلدنا سوى نماذج جد باهتة للمواطنة وللفن وللإبداع وللمسؤولية وللواجب وللإعلام. إن برامج مثل هذه وهي كثيرة للإنصاف - ذكرت بعضها في كتابي الأخير حول التلفزيون المغربي - هي معول هدم لكل ما المدن الذكية ومشاريع تشجيع الشباب على العمل العقلاني المستحق والمنتج بل ومعول هدم أساسا لمفهوم الفن والإبداع بمعناها الكوني المتداول تاريخيا بطعم الجهد والتحصيل والبحث والمثابرة والتكوين الرصين والقيم العالية معرفيا وصيغة تجريب ومغامرة خارج المألوف: كفى استغلالا للجهل والتردي السائد في الذوق العام دون تدخل قوي لحمايته من طرف من له الحق والمسؤولية في ذلك. رج المألوف: كفى استغلالا للجهل والتردي السائد في الذوق العام دون تدخل قوي لحمايته من طرف من له الحق والمسؤولية في ذلك.