ليس هناك في البورصة أي أثر تقريبا للخوف من الفيروس. لم يسمح أصحاب الأسهم حتى الآن للأنباء الواردة عن استمرار تفشي فيروس كورونا المتحور الجديد، كوفيد 19، وما تنطوي عليه هذه الأنباء من هموم بشأن فرص النمو الاقتصادي، بأن تفسد عليهم مزاجهم بشكل دائم. واصل المؤشر الرئيسي لبورصة فرانكفورت الألمانية حفاظه على مستوى قياسي منذ أسابيع، كما أن اتجاه مؤشر الأرباح والخسائر في بورصات أخرى، مثل مؤشر داو جونز، هو إلى أعلى. بل إن البورصات في الصين عادت للانتعاش، وذلك رغم أن فيروس كوفيد 19 ما يزال يواصل الانتشار. عن ذلك، يقول خبراء مصرف كوميرتس بنك الألماني مؤخرا: "تسبب وباء كورونا في اضطراب الأسواق لفترة قصيرة، ولكن أسعار الأسهم عادت للانتعاش بشكل واضح". وأوضح الخبراء أنه كانت هناك صورة مشابهة للوضع في الأسواق إبان وباء سارس، حيث انتعشت أسعار الأسهم بالفعل في مارس 2003، رغم أن أعداد إصابات العدوى استمرت في الارتفاع حتى يونيو 2003. كما أن أعداد الإصابات بفيروس كورونا ما تزال تواصل الارتفاع هي الأخرى في الصين. ومع ذلك يبدو أن أصحاب الأسهم قد حسموا موقفهم بهذا الشأن بالفعل وتغاضوا عن هذه المخاوف، تماما كما فعلوا مع التوقعات المتشائمة فيما يتعلق بفرص النمو الاقتصادي. يبرر رئيس معهد كيل لأبحاث الاقتصاد العالمي، جابريل فيلبرماير، في مقابلة مع صحيفة "هاندلز بلات" الاقتصادية في ألمانيا، انتعاش أسواق الأسهم رغم استمرار تفشي الفيروس قائلا إن البورصات "انفصلت بالفعل منذ فترة طويلة عن أحداث الاقتصاد الفعلي". ويؤكد مصرف "DZ"، ثاني أكبر بنك في ألمانيا، أن قوة أسواق الأسهم على مواجهة هذه التطورات سببها أيضا الدعم الناتج عن عدم تغير السياسة المالية التي تضمن انخفاض الفوائد البنكية. لا تحصّل البنوك على مستوى العالم، منذ سنوات، فوائد كثيرة على الأموال التي تقرضها، ولا تعطي فائدة بنكية كبيرة على القروض التي تمنحها، وهو ما أدى إلى توفر سيولة في أسواق المال، وجعل البورصات تنتعش هي الأخرى. كما أنه في ضوء تدني الفائدة البنكية بشكل هائل، فإن الاستثمارات المربحة أصبحت نادرة، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى الرهان بشكل أقوى على الأسهم. لا تلوح في الأفق نهاية لسيل الأموال في منطقة العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، كما أن البنك المركزي الصيني يضخ حاليا المزيد من الأموال في مواجهة أي تداعيات اقتصادية محتملة للفيروس على الاقتصاد الصيني، ثاني أقوى اقتصاد في العالم، حيث تتلقى الأموال هناك أموالا من البنك بشكل مستمر بفائدة بنكية منخفضة. وتستطيع بنوك مركزية أخرى التدخل هي الأخرى وقت الأزمات من أجل دعم الاقتصاد، الأمر الذي ربما تسبب في هدوء المستثمرين. قال كبير اقتصادي البنك المركزي الأوروبي، فيليب لانِه، قبل فترة طويلة، إن البنك سيتابع التطور "بيقظة شديدة"، مضيفا أن التجارب بشأن الأوبئة السابقة، مثل وباء سارس، تؤكد أن أزمة فيروس كورونا "ستؤدي إلى تأثيرات ملحوظة قصيرة المدى، ولكنها لن تؤدي إلى تأثيرات بعيدة المدى". لا يتوقع خبراء الاقتصاد أن تكون هناك اضطرابات حقيقية على غرار الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009، عندما انهارت أسعار البورصات وكان الاقتصاد العالمي على وشك الانهيار. طالت الأزمة آنذاك الأنظمة البنكية والمالية التي كانت متداخلة مع بعضها البعض على مستوى الدول، وبشكل وثيق، "ولكن الأمر ليس كذلك هذه المرة"، حسب كبير اقتصادي البنك المركزي الأوروبي. ووفقا لخبراء بنك "هلبا" بولايتي هسن وتورينجن الألمانيتين، فإن على المودعين ألا يفرطوا في تفسير المناخ الجيد في البورصات، "حيث إن الأسواق تظل عرضة للخسائر... في ضوء استمرار النمو الصناعي الهش على المستوى العالمي، وذلك بالتزامن مع استمرار ارتفاع تقييم الأسهم". * د. ب. أ