بحلول 13 فبراير 2020، تكون قد مرّت 60 سنة كاملة على أول تجربة نووية تنفذها فرنسا في الأراضي الجزائرية والتي سمتها "Gerboise bleue اليربوع الأزرق".. وإن تلتها تجارب نووية في صحراء الجزائر حتى بعد استقلال البلد، فإن تفجير 13 فبراير 1960 كانت نتائجه وخيمة على منطقة الرڭان في الجنوب الغربي للجزائر، وعلى ساكنة نواحي منطقة الحمودية، حيث تشير مصادر تاريخية إلى استغلال فرنسا للمساجين والمقاومين وتثبيت أجسامهم قرب موقع التفجير على أعمدة حديدية حتى لا يتمكنوا من الهرب مهما اشتد الألم وتشوه الجسد لدراسة تأثير الإشعاع النووي على البشر. السياق التاريخي كانت فرنسا ضمن الحالمين بامتلاك السلاح النووي، وقد بدأ هذا الطموح بمحاولة اكتساب سر الانتاج سنة 1939؛ لكن هتلر وأد هذا الحلم في مهده مع بداية الحرب العالمية الثانية، وبقي الحلم بالدخول في مصاف الكبار يتغذى بالبحوث والتطورات التي عرفها الميدان النووي، كاختراع أول مفاعل نووي بأمريكا سنة 1942، وإنتاج قنابل ذرية في 1945، ثم استخدامها فعليا في هيروشيما وناكازاكي في غشت 1945. وفي 1949، تأكد العالم أنه ليست أمريكا وحدها من يملك هذا السلاح الفتاك، بل حتى الاتحاد السوفياتي أيضا. كل هذه الأسباب دفعت دولا، من بينها فرنسا، إلى تكثيف مجهوداتها لامتلاك هذه القنابل، للدخول في مصاف الدول القوية وإعادة الثقة إلى جيشها الذي بدأ يعرف تمردات في عهد الرئيس ديڭول. "اليربوع الأزرق" تم صنع مختلف عناصر القنبلة الفرنسية بمنطقة برويار لو شاتيل من لدن مديرية التطبيقات العسكرية التي تكفل بها الجنيرال بوشالي منذ سنة 1955، مرورا ب1957 حيث تمت إعادة هيكلة هذه المديرية، واتخذ الجنرال ديڭول قرارا بتفجيرها في فبراير 1960. اختارت فرنسا منطقة الرڭان في الجنوب الغربي للجزائر لإبعاد الخطر النووي وإشعاعه الخطير عن فرنسا، مبررة ذلك بخلو المنطقة من السكان، عكس ما تقوله المصادر الجزائرية التي تخلد كل سنة ذكرى هذه المأساة التي تسببت في سرطانات وأمراض للساكنة وحولت المنطقة إلى قفار بحسب جمعيات مدنية مهتمة مثل "جمعية 13 فيڤري 1960". التحقت الفرق العسكرية الفرنسية بكل من منطقة الرڭان ومنطقة الحمودية التي تبعد عن الأولى ب65 كيلومترا، منذ 1957. وكانت المهمة هي تحضير قاعدة لإجراء التجارب، حيث جلبت 6500 فرنسي ما بين عالم وتقني وجندي، إلى جانب 3500 جزائري من العمال والمساجين، بغرض بناء مدينة مؤقتة كتلك التي تبنى في الأماكن البترولية إلى جانب مطار ومختلف التجهيزات اللازمة للتفجير وقياس الإشعاع. فئران تجارب نشرت تقارير جزائرية لمؤرخين وباحثين أنه تم تعريض ساكنة منطقة الرڭان عمدا للإشعاعات النووية. واعتمادا على شهادات منشورة، فإن الفرنسيين، قبل التفجير الذي يساوي 3 مرات تفجير هيروشيما، قاموا بعملية إحصاء المباني والسكان وأمروهم يوم التفجير بالخروج من ديارهم والاحتماء بغطاء فقط. وقام النقيب ميكلون بتوزيع قلادات على الأهالي، وألزمهم بوضعها لقياس شدة الإشعاعات، لفحص الأهالي بعد ذلك ومعرفة مقدار تعرضهم لهذه الإشعاعات، ونظارات سوداء على بعض المحظوظين من الفرنسيين؛ فيما أمروا الباقي بإيلاء ظهره للتفجير، ووضع يديه على عينيه حتى لا يعمى. كما جاء في وثائقي جزائري أن كولونيلا يدعى بيكاردا هو من اقترح استعمال 200 مجاهد جزائري وتعريضهم قسرا للإشعاعات قصد إجراء الاختبارات عليهم. نجاح فرنسي ومأساة جزائرية تم التفجير في الساعة السابعة وبضع دقائق، وتوصل الرئيس الفرنسي بتسجيل مصور لكل أطواره في باريس زوالا، بعدها تم عرض النتائج أمام 300 صحافي في مؤتمر انتشى به السياسيون الفرنسيون بدخولهم مصاف الكبار. في مقابل ذلك سلخت جلود الذين تم تثبيت أجسامهم كفئران تجارب، وفصل لحمهم عن العظام، إذ أورد عباس عروة في كتابه "التجارب الفرنسية في صحراء الجزائر: جرابيع الموت وجواهر الخراب" أن فرنسا جهزت 6000 نعش لضحايا الرڭان المرتقبين! واستنشق الأهالي غبارا مشعا، لا تزال إلى حد الساعة الفعاليات الجزائرية تطالب بتعويض المتضررين، المصرين على أن هذه التفجيرات التي بدأت سنة 1960 واستمرت حتى بعد استقلال الجزائر كانت لها انعكاسات كبيرة على البيئة وعلى البشر. وحسب شهادات اعتمدناها في كتب تاريخية، فإن أمراضا نادرة الظهور من قبل قد انتشرت بأرقام مهولة؛ مثل مرض السرطان الذي انتشر بشكل مهول، وأمراض العيون، وظهرت حالات عمى وحالات إجهاض وتشوهات خلقية للمواليد الجدد، وغير ذلك من العاهات والأمراض مما أكدته شهادات تضمنتها أشرطة وثائقية فرنسية وجزائرية، فيما قدرت منظمة المجاهدين بالجزائر عدد ضحايا التفجيرات النووية الفرنسية ب30 ألف شخص.