عشية الذكرى ال51 لتفجير أول قنبلة ذرية ببلدة الحمودية في صحراء رقان الجزائرية (1600 كلم جنوب العاصمة)، يفضح الفيلم الوثائقي "الجزائر، ديغول والقنبلة" (52 دقيقة – إنتاج 2011) لمخرجه الجزائري "العربي بن شيحة"، جانبا من أسرار جريمة وصلت قوتها التفجيرية إلى حدود 70 كيلوطناً، أي أشدّ بأربع مرات ما شهدته قنبلة هيروشيما. رغم تسببه في مقتل 24 ألف شخص، بجانب آثاره الإشعاعية الكارثية بيئيا وصحيا، لا تزال كثير من فصول ما اصطلح عليه آنذاك ب"اليربوع الأزرق" غير معروفة، رغم انقضاء أزيد من خمسين عاما، وعليه اختار "العربي بن شيحة" العودة لما حدث صبيحة الثالث عشر شباط/ فبراير 1960، على الساعة السابعة وأربع دقائق صباح بالتوقيت المحلي، بلسان شهود أحياء وبما توافر من وثائق أرشيفية متناثرة.
وينقل الفيلم عن الخبير الفرنسي "رولاند ديبورد"، قوله أنّ بلاده نفذّت اليربوع الأزرق رغم معارضة ثلاث قوى نووية (الولاياتالمتحدة - الاتحاد السوفييتي الراحل وبريطانيا)، بيد أنّ الرئيس الفرنسي شارل ديغول صمّم على الذهاب إلى أبعد حد في مغامراته النووية، مدفوعا بهوسه لامتلاك القنبلة الذرية بأي ثمن وحجز مقعد في النادي الضيق للقوى النووية، حتى وإن كان ذلك على حساب أرواح أبرياء والعصف بمقومات الحياة الطبيعية. وحكى عسكريون سابقون عملوا في الجيش الفرنسي وبعض الأفراد من اليد العاملة المحلية التي تم استخدامهم لإنجاز هذا المشروع الخطير، أنّ الإطلاق تمّ جوا وتلتها سريعا ثلاث تجارب أخرى أطلقت عليها مسميات "اليرابيع البيضاء، الحمراء والخضراء. وأشار جنود فرنسيون قدامى إلى استخدام السكان المحليين وبعض الأسرى والمجاهدين وعناصر من اللفيف الأجنبي وحيوانات وحشرات وطيورا وبذور نباتات مختلفة، كحقول تجارب وتم ربط وصلب الضحايا لساعات مبكرة قبل كل عملية تفجير خاصة منها السطحية، وقبل وإثر كل جريمة يتم إحصاء القرى والضحايا، كما كان اختيار فترة أغلب التفجيرات غير سليم لاعتبارات تتعلق بالمناخ في المنطقة، أما النتائج فكانت وما تزال وخيمة بحسب الباحثين والسكان؛ على غرار ما أفرزته من أمراض السرطان والجلد والعيون والتشوهات الخلقية المستفحلة. وذكر شهود عيان لا زالوا أحياء، أنّه منذ أول تفجير نووي لم يروا خيرا، حيث تفاقمت الوفيات دون أعراض مرضية معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، بجانب فقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهرت أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثر الدم عند الجرحى، والحساسية المفرطة عند الأطفال. كما تضمن الفيلم الوثائقي شهادات مؤثرة لوجوه جزائرية تاريخية ك"رضا مالك"، و"محمد حربي" اللذين أشارا إلى تعمّد الجانب الفرنسي إخفاء كل الأرشيف المتعلق بفترة التجارب النووية بين 1960 و1966، بما فيها التقارير الطبية حول الوضعية الصحية لضحايا التفجيرات، علما أنّ ثلاثة عشر تجربة تمت بعد استقلال الجزائر في الخامس تموز/يوليو 1962 وتسببت بمقتل 42 ألف جزائري، بينها التجربة الفاشلة "بيريل" التي فشلت وخلفت سحابة إشعاعية كبيرة لوّثت البيئة وأثرّت على السكان. وتضمّن الفيلم تأكيدا من "رولاند ديبورد" رئيس اللجنة الفرنسية المستقلة للإشعاعات، شدّد فيه على أنّ الضحايا الجزائريين لا يملكون أي حق للإطلاع على الأرشيف، وفقا للقانون الصادر في تموز/يوليو 2008 الذي جرى فيه تصنيف الأرشيف المتعلق بالتجارب النووية الفرنسية بالجزائر ك"سر دفاعي" إلى الأبد، حيث تريد فرنسا طي صفحة تاريخية لا تريد رؤيتها مجددا. ويقول المخرج "العربي بن شيحة" أنّه أراد من خلال سرده لأحداث اليربوع الأزرق وما أعقبها، استكشاف فترة مظلمة وطرح فضيحة لا تزال فصولها مستمرة، خصوصا وأنّ الجيش الفرنسي لم يقم بتطهير منطقة التجارب النووية عكس مزاعم المحتل القديم. وعلى منوال مواطنه "جمال وهاب"، سبق ل"العربي بن شيحة" الذي يمتلك في رصيده 12 فيلما، أن تناول رفقة تراجيديا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، قبل سنتين من خلال فيلم "ريح الرمال - صحراء التجارب النووية" (58 دقيقة)، الذي تعرّض إلى ملابسات الاستخدام المكثف لأبناء المنطقة ك"فئران تجارب".