الجزائر: توعدّ حقوقيون جزائريون الدولة الفرنسية بمحاكمات خاصة نظير ارتكابها 57 "جريمة نووية" في صحراء الجزائر خلال الفترة بين فبراير/شباط 1960 ونوفمبر/تشرين الثاني 1966، وذلك في الذكرى الخمسين لتفجير فرنسا أولى قنابلها النووية في بلدة الحمودية الجنوبية التي وصلت قدرتها التدميرية إلى 600 كيلوطن وهو ما يفوق مفعول قنبلة هيروشيما اليابانية بأربعين مرة. وكشف حقوقيون وخبراء في تصريحات خاصة ب"إيلاف"، عن تحرّك لإرغام الطرف الفرنسي على كشف حقيقة "60 ألف شخص استخدمتهم فرنسا كفئران تجارب" في مآسٍ أُطلق عليها مسميات "اليربوع الأزرق والأحمر والأسود"، ويلّح هؤلاء على ضرورة استرجاع الأرشيف النووي بغرض تحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة، وكشف العدد الحقيقي لضحايا التفجيرات النووية التي أجرتها فرنسا وخلّفت آثارا سلبية لا تزال ماثلة وتهدد الإنسان والمكان خلال القرون المقبلة. وترى المحامية الجزائرية البارزة فاطمة بن براهم أنّ التفكير جار في إنشاء محاكم خاصة وتحريك دعاوى لمتابعة الدولة الفرنسية على جرائمها النووية في الصحراء، مشيرة إلى أنّ "الأدلة كافية لفعل ذلك"، وأوعزت بن براهم أنّ الوقت حان لمعاقبة فرنسا على ما ارتكبته من جرائم التي يؤكد البروفيسور عبد الكاظم العبودي المختص في علوم الفيزياء، أنّها تعدّ كوارث نووية بكل المقاييس، وجرائم تتجاوز فضيحة المجازر ضد الإنسانية. كما أشارت بن براهم إلى حصولها على تقرير سري عسكري فرنسي يقر بإجراء التجارب المذكورة على حوالى 40 ألف جزائري، ويتحدث التقرير نفسه عن ايجاد مجموعات أشخاص مكونة من خمسمائة شخص على الأقل في كل عشرة كيلومترات سواء من السكان المستقرين أو البدو الرحل، وهو معطى يدحض الإدعاءات الفرنسية الرسمية التي سعت للايهام بخلو المناطق التي أجريت فيها التجارب النووية الفرنسية من أدنى أنواع الحياة. واستنتجت بن براهم أنّ ممثل فرنسا لدى الاممالمتحدة كذب على الرأي العام الدولي سنة 1957، حين زعم أنّ بلاده ستجري تجاربها النووية كافة في مناطق تنعدم فيها الحياة، وهو افتراء حيث واصلت فرنسا تفجير القنابل – بحسب الباحث عمار منصوري - لغاية سنة 1966 تاركة آثارا اشعاعية شاهدة على الجرائم في حق البشرية. ودافعت بن براهم عن خطة متابعة الفرنسيين بما تنص عليه المادة الخامسة من اتفاقية روما (يوليو/تموز 1998) التي حددت جرائم الحرب الكبرى في المجازر والجرائم ضد الانسانية، وهو واقع يسمح للقانونيين بمحاكمة فرنسا على الجرائم التي ارتكبتها بينها التجارب النووية، خصوصا وأنّها تمت رغم معارضة دولية لهذا النوع من التجارب السطحية بالنظر إلى خطورتها وما ينجرّ عن سرعة انتشار السحاب النووي عبر العالم وهو ما حدث فعلا حيث امتد الى العديد من الدول كليبيا و اسبانيا والبرتغال. ولاحظ الحقوقي مصطفى فاروق قسنطيني أنّ "الجريمة الفرنسية متواصلة، لأنّ الاشعاعات النووية ما زالت تحصد أرواح الضحايا الذين تعرضوا للإشعاعات بمادة البلوتونيوم والتي تعد الأكثر تسميما و تلويثا" وتستمر فعاليتها إلى غاية 24 ألفا وأربعمائة سنة، والزائر اليوم لمنطقة رقان الجزائرية، يقف على خطورة انتشار أمراض العيون وتراجع الولادات، وأوضحت الأبحاث أنه ورغم مرور نصف قرن على أول تفجير نووي في الصحراء الجزائرية، إلاّ أن قطر المنطقة المحيطة، لا يزال مشعا بشكل حاد ما دفع السلطات لحظر الدخول إليها، كما أنّ المساحات التي استهدفها الإشعاع كانت شاسعة وأكبر من المتوقع ومتداخلة التأثيرات. وبدوره أيّد المحامي عبد الحميد غرناوط مبدأ المحكمة الدولية، خصوصا في ظلّ فظاعة ما حصل ويحصل في جنوبالجزائر، حيث تفاقمت الوفيات منذ أول تفجير نووي دون أعراض مرضية معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، وفقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهور أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثر الدم عند الجرحى، كما لوحظت حساسية مفرطة عند الأطفال بعد إجراء بعض التلقيحات، وغالبا ما تلاحظ مضاعفات عقب تلقي المرضى لجرعات أو حقن المضادات الحيوية، كما لوحظت ظاهرة التشوهات الخلقية لدى المواليد الجدد، كصغر حجم الجمجمة أو ما يصطلح عليه طبيا ''ميكرو سيفالي'' أو تضخمها ''ماكرو سيفالي''، كما اندثرت مظاهر الربيع، وتراجع عمر الإبل إلى أقل من 20 سنة، وحتى الأشجار أصيبت بالعقم. واعتبر الحقوقي مصطفى بوشاشي أنّ القانون الفرنسي الأخير الخاص بتعويض ضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية وفي منطقة بولينيزيا، لا يعني بأي حال الجزائريين، كون فرنسا لم تعترف حتى الآن بقيامها بهذه التجارب في مناطق آهلة بالسكان، وتريد الاكتفاء بتعويض ضحايا التفجيرات النووية من العسكريين والمدنيين الذين كانوا متواجدين في قواعدها في الصحراء وبولينيزيا او بالقرب منها. بدوره، أصرّ حاج عبد الرحمان لكصاصي رئيس ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، على ضرورة متابعة الجناة، واشترط لكصاصي رئيس جمعية 13 فبراير 1960 التي تضم ضحايا التفجيرات وأقاربهم، اعتراف السلطات الفرنسية بجرائمها وتطهير المنطقة من جميع النفايات، مع إقامة هياكل صحية متطورة لمعالجة ضحايا التجارب الذين يتزايد عددهم تبعا لانتقال الأمراض من آلاف الضحايا إلى أبنائهم وأحفادهم وراثيا، علما أنّ السلطات الفرنسية تزعم أنّ عدد الضحايا لم يتجاوز الخمسمائة شخص. وطالب لكصاصي ب"إجبار" باريس على كشف الحقيقة كل الحقيقة حول التجارب النووية الفرنسية وآثارها على الإنسان والبيئة والحيوان، ورأى لكصاصي بحتمية عدم توقف باريس عند حدود الاعتراف بالجريمة المقترفة في حق المواطنين والبلد، بل أيضا من خلال إعادتها تأهيل المنطقة من جميع الجوانب، ودعا ممثل الضحايا إلى الضغط على فرنسا حتى تكشف عن جميع ملابسات ما اقترفته. من جهته، أكد المؤرخ محمد القورصو أنّ باريس مدعوة إلى فتح أرشيف التجارب النووية الفرنسية، والتكفل بضحايا التجارب النووية والدفاع عن حقوقهم المشروعة، وذلك لن يتأتى بحسبه إلاّ بتعاطي فرنسا إيجابيا مع المسألة، وإرجاعه الأرشيف النووي الذي استولى عليه الفرنسيون. وشدّد الباحثان الجزائريان موسى محمد الشريف ومسعود تواتي، على أنّ الإشعاعات النووية لا تزال تنبعث من مناطق التجارب النووية إلى يومنا هذا بسبب المواد النووية وأجهزة الاستعمال التي دفنتها القوات الفرنسية في الصحراء الجزائرية، بما أدى بحسب الباحث عمار منصوري إلى مقتل 60 ألف شخص، مع إمكانية اتساع الفاتورة البشرية، لاسيما مع الأضرار المترتبة عن هذه التجارب بمناطق جنوبالجزائر واستمرارها في الظهور، في وقت تبقي الجهات الفرنسية الأرشيف النووي مغلقا. وأوضح منصوري أنّ الإشعاعات النووية التي تسربت في الجو جراء هذه التجارب تشكل خطرا مع مرور الوقت على صحة الانسان والبيئة لاسيما في ما يتعلق بالثروة النباتية والحيوانية، خصوصا مع عدم دفن النفايات النووية الناجمة عن هذه التجارب بطرق تقنية محكمة ودقيقة، خلافا لمزاعم السلطات الفرنسية التي كانت قد أشارت إلى أنّ هذه النفايات "رُدمت في عمق الأرض وتمت إزالتها نهائيا". ودفاعا عن طروحاته، استند منصوري إلى دراسات أجرتها الوكالة الدولية للطاقة النووية حول "خطورة التجارب النووية الفرنسية في الجزائر"، وأكدت فيها مدى تضرر المناطق التي أجريت بها هذه التجارب نتيجة تعرضها لحوادث وإنفجارات أدت إلى تسرب الإشعاعات النووية في الجو في منطقة رقان المشتهرة بكونها تحتوي على أكبر تجمع مائي هناك، وأشار منصوري إلى خطورة التجارب النووية الباطنية من خلال معاينات أجراها على مستوى مناطق كانت عرضة لتلك التجارب، حيث اكتشف ثلاثة أقفاص احتوت على بقايا حيوانات كانت عرضة للتجارب، وهو ما يظهر زيف نفي الجهات الفرنسية التي كذبت في وقت سابق صحة إجرائها تجارب نووية على الحيوانات. أما آسيا موساي المختصة في الأورام السرطانية، فقد أكدت تعرّض مواطنيها لاشعاعات نووية سبّبت لهم 18 نوعا من السرطان على غرار سرطان الثدي والغدد الدرقية والكدرية والتناسلية والنخامية، وسرطان الرئة والكبد والقولون والعظام وغيرها، كما سبّبت هذه الإشعاعات أيضا تشوهات خلقية سواء بالنسبة للاشخاص البالغين أو الصغار و حتى الأجنة مع مرور الوقت وذلك مهما كانت نسبة تعرضهم للأشعة. واعتبر برلمانيون جزائريون أنّ التجارب النووية الفرنسية تزيد ضرورة الإسراع في إصدار قانون يجرّم السلطة الفرنسية، ويحملها تبعات هذه الجرائم، فضلا عن استصدار قرار عالمي حول المسألة باعتبارها جريمة حرب ومجزرة ضد الإنسانية مع حق المتابعة القضائية في المحاكم الدولية. عن إيلاف