لماذا سمح حكام الجزائرلفرنسا باستعمال جزائريين كفئران تجارب خلال قيامها بتجارب نووية بالصحراء الجزائرية في العهد الاستعماري وما بعده (1960 1966)؟ وهل كسب بعض قادة الجبهة الوطنية بمن فيهم الرئيس الراحل هواري بومدين والرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة امتيازات من هذه التجارب وهما المعروفان ظاهريا بعدائهما لفرنسا؟ كيف حدث ذلك ؟ ومقابل ماذا تم استخدام 42 ألف جزائري من سكان الصحراء كفئران تجارب في التفجيرات النووية الفرنسية المختلفة؟ ...ثم لماذا صمت السلطات الجزائرية تجاه الوضعية، حيث لا دراسة علمية حول الإشعاعات النووية التي أفرزتها تلك التفجيرات وآثارها المدمرة، ولا ميزانية خاصة للمناطق المتضررة، ولا حتى متابعة صحية منتظمة للسكان الضحايا. أسئلة محيرة تطرحها اليوم فعاليات حقوقية فرنسية وجزائرية بعد مرور 60 سنة عن هذه التجارب وبعد خروج الأرشيف الفرنسي إلى العلن. والملفت في المعضلة النووية بالجزائر هو انه لا واحدة من الحكومات المتعاقبة منذ استقلال الجزائر، تقدمت بدعوى قضائية ضد فرنسا لحساب من ماتوا بسبب هذه التجارب النووية، فيما تتعالى اليوم أصوات زعماء أحزاب ومنظمات سياسية فرنسية وجزائرية للمطالبة بفتح تحقيق حول هذا الملف الذي ضرب عليه طوق من التكتم منذ أزيد من نصف قرن. ويذهب هؤلاء إلى أن ملف الجرائم النووية المرتكبة في الصحراء الجزائرية، يحتم على الدولة الفرنسية تفعيل الآليات اللازمة لتمكين الجزائريين من التخلص من الانعكاسات البيئية والصحية لهذه التجارب، والعمل على تفكيك المنشآت والمعدات المشعة التي تركتها تحت الرمال بمنطقتي رقان والهكار وهما الأكثر تضررا من التفجيرات النووية. وقد نطق الأرشيف الفرنسي بأول تفجير نووي بمنطقة حمودية برفان بالصحراء الجزائرية، يوم 13 فبراير سنة 1960، تحت اسم "اليربوع الأزرق"، بمشاركة خبراء من إسرائيل. وكانت طاقته تعادل ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما (اليابان) عام 1945. وتلا "اليربوع الأزرق" تفجير "اليربوع الأبيض" في فاتح أبريل 1960، ثم "اليربوع الأحمر" في نفس السنة، ف"اليربوع الأخضر" في 25 أبريل 1961. أما التجارب النووية الباطنية فقد وقعت في منطقة جبل "إينكر" بالهكار، وبلغ عددها 13 تجربة أضيف إليها التفجير الرابع عشر الفاشل الذي تم في 22 مارس 1965، وكلها وقعت في أنفاق حفرها سجناء ورعاة جزائريون داخل جبل "إينكر". ومن أبرز التفجيرات الباطنية، التفجير الذي أطلق عليه اسم "مونياك" وبلغت طاقة تفجيره 120 كيلوطن. وكان الخبراء الفرنسيون يميزون السكان الذين استعملوهم كفئران تجارب، بقلادات معدنية تحمل أرقاما تسلسلية لمعرفة تأثير الإشعاعات عليهم. وكان لهذه التفجيرات الباطنية والسطحية انعكاسات مدمرة على سكان الصحراء الجزائرية الذين أصيبوا بأوبئة وأمراض مختلفة حتى أصبحوا يؤرخون لها ب"عام الموت" و"عام السعال" و"عام الجدري"...وتكشف الوثائق الفرنسية مدعومة بصور لحجم الدمار وأيضا لجزائريين مصلوبين يلبسون أزياء عسكرية مختلفة، أن السلطات الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري من سكان الصحراء كفئران تجارب في تفجيراتها المختلفة. واليوم، بدأت أصوات جمعوية بالجزائر مدعومة بمنظمات حقوقية فرنسية تطالب بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن النشاط الإشعاعي المدمر للغطاء النباتي والمياه الباطنية والحيوان والإنسان. وقد عرض وزير الدفاع الفرنسي مؤخرا أمام مجلس الوزراء مشروع قانون يتضمن تعويض الضحايا، وهو مشروع أثار قبل عرضه والمصادقة عليه استنكار جمعيات الضحايا التي رفضت بقوة تركيبة اللجنة المكلفة بدراسة ملفات طلب التعويض، كما استاءت من عدم إدماج بعض الأمراض التي تسببت فيها الإشعاعات النووية، مثل سرطان الغدة الدرقية، وسرطان الرئة، وسرطان الدم، وأيضا من المبلغ المقترح (10 ملايين أورو).