167 مغربيا غادروا مدينة ووهان الصينية، بؤرة فيروس كورونا، ليحطوا الرحال بالتراب الوطني المغربي في ظروف لم تكن تخطر لهم على بال؛ طائرة خاصة، إجراءات طبية احترازية، جنود من القوات المسلحة الملكية وعناصر من الدرك الملكي يحيطون بهم من كل جانب، وسيارات إسعاف مجهزة لنقلهم إلى المستشفى. ظُهر اليوم الأحد بمطار بنسليمان المتواجد ضواحي الدارالبيضاء، جمع القدر مغاربة اختلفت أسباب رحيلهم صوب بلاد "التنين"، ضمنهم نساء، في زمان ومكان وظروف لم تكن لهم في الحسبان؛ فقد توجهوا مجبرين إلى مستشفيات طبية بدل منازلهم. كورونا ببنسليمان هنا مطار بنسليمان. الساعة تشير إلى الخامسة صباحا، لكن الطائرة المنتظرة (AT3031)، التابعة للخطوط الجوية الملكية، لم تصل بعد. بين تضارب الروايات وتكتم السلطات، تناقلت الألسن وصولها في الخامسة والنصف، وبعد مرور هذا الوقت، سرت همهمات بوصولها في العاشرة. عدد من سيارات الإسعاف المجهزة مستوقفة في مرآب المطار، مسؤولون من الدرك الملكي والحامية العسكرية يتوافدون اتباعا على المكان. تحت جنح الظلام، قبل أذان صلاة الفجر، وجهت تعليمات لسائقي سيارات الإسعاف بولوج المطار حيث ستحط الطائرة، ستلتحق بعدها حافلات وسيارات للنقل السياحي ذات ترقيم جديد معززة بعدد من الدراجين التابعين لفرقة الدرك الملكي التي تؤمن الرحلات بالطريق السيار. مع بزوغ أشعة الشمس، بدأ العديد من المسؤولين يتوافدون على المكان. رجال الدرك الملكي برتب مختلفة حلوا بالمطار، وعملية الاستعداد لاستقبال هؤلاء المغاربة القادمين من مدينة ووهان، "بؤرة فيروس كورونا"، صارت متسارعة أكثر. تعليمات وجهت إلى بعض العمال لوضع حواجز بمدخل المطار، أما بوابته الرئيسيّة فقد عرفت حضورا مكثفا لعناصر الدرك الملكي لعدم السماح بالولوج سوى للشخصيات العسكرية والطبية، فيما تم منع بعض الصحافيين، ولم يسمح لهم إلا بعد جهد جهيد. مع اقتراب وصول الطائرة، سيخرج بعض رجال الدرك ليوجهوا تعليمات لكل أصحاب السيارات، بمن فيهم الصحافيون، لإخلاء المرآب، قبل أن يشرعوا في منع كل العربات من الاقتراب من المطار على مسافة بعيدة. توجس من الحجر الصحي أمام هذا الاستنفار الذي عاشه مطار بنسليمان لأول مرة، وبعد اتخاذ جميع الترتيبات والإجراءات اللازمة عقب هبوط الطائرة في حدود منتصف النهار، شرعت السلطات في إركاب هؤلاء المغاربة في حافلات معدة خصيصا لهم سلفا؛ فقد جرى تعقيمها، ومنح سائقوها كمامات وزيا خاصا لمنع أي عدوى محتملة، لتنطلق بذلك أولى الرحلات صوب المستشفيات بعد الواحدة والنصف ظهرا. يسترقون النظر من نوافذ الحافلات وأذهانهم تكاد تنفجر بعشرات التساؤلات، هؤلاء المغاربة كتب عليهم أن يعيشوا وضعا استثنائيا. لقد كانوا مندهشين، بل مصدومين، وهم يمرون بجانبنا في الطريق الرابطة بين المحمدية وبنسليمان. رحلة من مطار إلى مطار فمستشفى، "مغاربة ووهان" سيخضعون للحجر الصحي لمدة 20 يوما وكلهم أمل في ألا تكون أجسادهم قد حملت فيروسا صار يرعب أكثر من الحرب أو الاٍرهاب. الدقائق تمر عليهم بطيئة وكأنها سنوات، وعلى طول الطريق صوب العاصمة الرباط، سيعيدون في أذهانهم قصصا عاشوها ببلاد "التنين" وسيؤجلون أحلامهم إلى ما بعد الحجر الصحي وزوال الوباء في الصين. أما الذين كتب لهم الذهاب إلى مستشفى سيدي سعيد بمدينة مكناس، فتلك قصة أخرى، حيث تزداد المعاناة النفسية بازدياد طول الطريق. ستتحول الابتسامات التي علت محياهم مساء السبت وهو يركبون الطائرة فرحا بالإقلاع صوب المغرب، إلى خوف وتوجس وهم يلجون المستشفى العسكري بالرباط ومستشفى مكناس. تدخل الملك وتطمينات الصحة أمام تأزم الوضع في الجمهورية الصينية، خصوصا بمدينة ووهان، تدخل الملك محمد السادس، ليوجه تعليماته لوزارة الخارجية المغربية من أجل العمل على إجلاء المغاربة المقيمين هناك وضمان عودتهم في ظروف جيدة إلى أرض الوطن. كما أعطى الملك تعليماته وأوامره للسلطات بالمملكة من أجل العمل على اتخاذ التدابير اللازمة في المطارات والموانئ والمستشفيات لمنع وصول المرض، حيث تم تفعيل المراقبة الصحية على مستوى المطارات والموانئ الدولية لمنع انتشاره. وحاولت وزارة الصحة طمأنة المغاربة من خلال تأكيدها عدم "تسجيل أي حالة إصابة بهذا المرض ببلادنا"، مشيرة إلى أنها ستواصل بانتظام إبلاغ المواطنين بالحالة الصحية للأشخاص العائدين، وتطورات الوضعية الوبائية المرتبطة بالفيروس. أما بخصوص مسألة الحجر الصحي لهؤلاء العائدين، فقد أوردت الوزارة أنها تأتي "من أجل الحفاظ على أمنهم الصحي وأمن عائلاتهم، وتوفير ظروف راحة مُثلى لهم خلال فترة المراقبة الطبية".