ما كادت تخمد قضية النصب على مئات المواطنين المغاربة في ما يعرف ب"قضية باب دارنا"، حتى تفجّر ملف جديد من هذا القبيل في مدينة الهرهورة، ضواحي العاصمة الرباط، حيث يدّعي عشرات الأشخاص تعرّضهم للنصب من طرف رئيس جمعية يقولون إنهم سلموه مبالغ مالية ضخمة لقاء الاستفادة من شقق في مشروع سكني زعَم أنه بصدد تشييده. ووفق المعطيات التي استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية من المشتكين فإنّ صاحب المشروع العقاري المزعوم أنشأ جمعية، وأقنع المنخرطين بأنّه سينشئ مشروعا سكنيا، وتمكّن من استخلاص مبالغ مالية كبيرة منهم، عبارة عن تسبيقات ودفعات ما بعد التسبيق، ناهزت مليارينْ ونصف مليار سنتيم. لاحقا، تبيّن للمشتكين أنّ رئيس الجمعية المسمى "ه.م" بدأ يتهرب من مسؤوليته إزاءهم، ويقدم لهم أعذارا مختلفة حول سبب تأخر مباشرة أشغال إنجاز المشروع السكني، الذي حدد موقعه في منطقة مجاورة للقصر الملكي بالهرهورة، ليتبيّن لهم أنهم وقعوا "ضحايا نصب واحتيال"، كما يقولون. وبدأت الشكوك تراود منخرطي الجمعية بعد أن شرع رئيسها في مطالبتهم بتقديم دفعات مالية، بعد التسبيق المالي الأول، في وقت لم يباشر أيّ أشغال في الوعاء العقاري الذي زعم أنه سيشيّد على أرضه المشروع السكني، وهو ما دفع بعضهم إلى تقديم شكايات ضده، قبل سنتين. وحسب إفادات المشتكين فإنّ رئيس الجمعية التي تحمل اسم "إيكو سَكن" لا يعقد الجموع العامة، ويجتمع مع المنخرطين بشكل فردي، "حتى لا يطلعوا على تفاصيل سيناريو النصب الذي يحضّره للضحايا". وبلغ عدد الشكايات المرفوعة ضدّ صاحب الجمعية أزيد من ثلاثين شكاية، إلى حد الآن، رُفعت إلى المحكمة الابتدائية بمدينة تمارة، التي استدعت المعني بالأمر ومثُل أمام قاضي التحقيق يوم 3 دجنبر الماضي، ومنَحه القاضي أجَلا لإرجاع الأموال إلى "الضحايا". ويوم 15 يناير الماضي، انعقدت الجلسة الثانية، بعد أنّ تخلّف المشتكى به عن حضور الجلسة التي كان مقررا أن تُعقد يوم 7 يناير الماضي، بتقديمه شهادة طبية، فأمره القاضي بأن يعقد الجمع العام للجمعية يوم 17 فبراير المقبل، على أن تُعقد الجلسة المقبلة يوم 19 فبراير، أي يومين بعد الجمع العام. وسيحضر القاضي شخصيا الجمع العام للجمعية، المفترض أن يتم بحضور جميع المنخرطين، لكنّ المُشتكى به، المتابَع في حالة سراح، "يتحدّى العدالة ويتصل بالضحايا ويُخبرهم بأنه لن يعقد الجمع العام"، حسب المحامي خليل الإدريسي، الذي ينوب عن تسعة من المشتكين. وأحال قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتمارة ملف القضية على وكيل الملك بالمحكمة نفسها، ولازال بين يديه، في حين تمّ سحب جواز السفر من المشتكى به ومُنع من مغادرة التراب الوطني، في انتظار ما سيسفر عنه التحقيق القضائي، لكن متابعته في حالة سراح تثير مخاوف دفاع المشتكين. المحامي خليل الإدريسي قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إنّ المسار الذي أخذه الملف، إلى حد الآن، طبيعي، "إذا بقي في هذا الاتجاه"، غير أنه دعا إلى إجراءٍ فِعلي لمنع المشتكى به من أي مناورة، قائلا: "على الأقل ينبغي عقْل ممتلكاته ليصير تحت المراقبة القضائية". وكشفت واقعة "النصب على ضحايا مشروع "الأعراس" بالهرهورة سهولة استدراج المغاربة إلى الانخراط في مشاريع سكنية "وهمية"، فعدد "ضحايا" المشروع المذكور يفوق سبعين شخصا، وفق المعطيات التي حصلت عليها هسبريس، أغلبهم أطر عليا من مهندسين وأطباء وموظفين، وحتى من المشتغلين في مجال العقار. "أنا إطار عال وتم النصب علي، للأسف"، يقول أحد المشتكين لهسبريس، مضيفا أنّ ما دفعه إلى تصديق صاحب المشروع السكني هي الطريقة التي سوّق بها لمشروعه، إذ زعم أنه سيكون إيكولوجيا، علاوة سعر البيع المنخفض، الذي حدده في 8500 درهم للمتر المربع المَبني، بينما سعر المتر في المنطقة يزيد عن 16 ألف درهم. من جهته قال المحامي خليل الإدريسي: "من الطبيعي أنْ يغترَّ الضحايا لأن المشتكى به وضع إعلانا كبيرا في الفضاء العام، كما أنه أغرى الناس بمجموعة من الأمور، من قبيل أنّ مشروعه السكني المزعوم إيكولوجي، وأنّ مواد البناء التي سيستعملها صديقة للبيئة...وحين تجتمع هذه الأمور يسهل النصب على الناس"، مضيفا أنّ مسؤولية حماية المواطنين من الوقوع ضحايا النصب من طرف المنعشين العقاريين تقع على عاتق الدولة. في المقابل، قال "ه.م"، رئيس جمعية "إيكو سكن"، المتهم ب"النصب" على منخرطي الجمعية في مشروع "الأعراس" بمدينة الهرهورة، إنّه بريء من التهم الموجهة إليه، دون أن يقدم توضيحات أكثر. واكتفى المتهم بالقول، في اتصال مع هسبريس: "الناس يخلطون بين المنعش العقاري وبين الجمعية. وعموما فهذا الملف يوجد بين يدي القضاء، ونحن لدينا ما نقول في المحكمة"، مضيفا: "المشروع قائم بذاته، ولدينا جميع الوثائق".