"يَسّروا ولا تعسّروا، بشِّروا ولا تنفِّروا"، بهذا الحديث النبوي ارتأى وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتاني، الداه ولد سيدي ولد اعمر، ختم مؤتمر نواكشوط حول "دور الإسلام في إفريقيا: التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال"، مساء الخميس بالعاصمة نواكشوط، داعيا العلماء المنتمين إلى مختلف دول القارة الإفريقية إلى أن يطبقوا مضمون هذا الحديث لتكريس وسطية واعتدال الإسلام. كلمة وزير الشؤون الإسلامية الموريتاني اجتمع فيها التفاؤل بإمكانية استئصال جذور التطرف وإدراك عدم سهولة هذه المهمة في آن، إذ قال إن مشاكل الغلو والتطرف "تُعتبر مشكلة فكرية بالأساس وتحتاج معالجتها لعمل مستمر ونفَس طويل، وذلك ما يتطلب تكرار هذه المؤتمرات من أجل الاستفادة من التجارب المفيدة وتبادل الأفكار ومحاورة العلماء". وتضمن البيان الختامي لمؤتمر نواكشوط، الذي حضر جلسته الختامية الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية، المنظِّم للموعد، دعوة صريحة إلى إعادة الاعتبار إلى فكرة التصالح الديني والتعايش السلمي بين الشعوب، واستيعاب قيم السلام العالمية، وتكريس قيَم صحيفة المدينة، وهي الوثيقة التي وقعها الرسول بعد هجرته إلى المدينة لتنظيم علاقة المسلمين مع غيره، وتوصف بأنها أول دستور في التاريخ. العودة إلى النصوص والمعاهدات التي نظّم بها المسلمون علاقاتهم مع غيرهم في فجر الإسلام حضرت بقوة في إعلان نواكشوط؛ فعلاوة على العمل بقيَم صحيفة المدينة، تضمّن الإعلان دعوة إلى خلق حِلف فضول جديد، والعمل بما يتضمنه من قيَم ومبادئ التعايش وتوحيد الناس على أساس التعارف والتعاون، انطلاقا من روابط الأخوّة الإنسانية. وبدا جليّا، من خلال الأبحاث التي قدمها علماء القارة الإفريقية المشاركون في مؤتمر نواكشوط على مدى ثلاثة أيام، رغبتهم في استعادة إفريقيا ل"إسلامها" الذي سادَ لقرون، قبل أن تزحف تيارات التطرف على القارة؛ وهو ما تجلّى في البيان الختامي للمؤتمر، وذلك بالدعوة إلى استحضار التقاليد الاجتماعية التي يزخر بها التراث الإفريقي، وفضّ النزاعات بطرق سلمية. وفي مقابل الدعوة إلى إحياء المواثيق القديمة التي كانت تنظم علاقة المسلمين بغيرهم، أوصى المشاركون في مؤتمر نواكشوط بالاسترشاد بالنماذج الاجتماعية العصرية للتعايش، والاعتراف بالمواثيق والعهود الدولية والعمل بها، ومدّ مزيد من جسور التعاون بين الثقافات والأديان، وتطوير مناهج التفكير لمواجهة العنف والتطرف، وتجديد المناهج التعليمية وتبسيطها لتواكب القضايا الفكرية والفلسفية والاجتماعية المستجدة. وعكَس إعلان نواكشوط الخوف السائد وسط العلماء الأفارقة إزاء توسع دائرة المد المتطرف في القارة الإفريقية، وهو ما عبّر عنه العلماء بتأكيدهم أن الأمن الروحي في عدد من الأقطار يوجد في دائرة الخطر، إذ يغذي التطرف الديني الاحترابَ الداخلي. في هذا الإطار أوصى إعلان نواكشوط، الذي يرمي إلى إعداد خطة متكاملة ومندمجة للتصدي للاقتتال والاحتراب، العلماء بتقديم مقترحات عملية لنقل بلدان القارة السمراء من حالة التأثر والانفعال إلى التأثير الفعال، للمساهمة في تعزيز السلم والأمن العالمي، وبذل الجهد من أجل صوْن حرمة الأنفس والأموال. ولمْ يخْل إعلان نواكشوط من إشارات سياسية، إذ أوصى بضرورة اعتبار الدول الوطنية القائمة نُظما شرعية لها من المشروعية ما للكيانات السياسية التي كانت قائمة على مر التاريخ الإسلامي، وبلورة مشاريع اقتصادية ومعالجة الفقر والهشاشة وعوامل البيئة الحاضنة للتطرف؛ وذلك عن طريق تطوير التعليم وتوفير الخدمات الأساسية. وفي ما يتعلق بمواجهة التطرف من الناحية الفكرية، أوصى الإعلان بإنشاء مجالس الوساطة في كل دولة، تضم النخبة الفكرية والدينية وأعيان المجتمع، وخلق مراكز لتدريب القادة الدينيين والنشطاء الاجتماعيين على تملك أدوات الحوار والإقناع، ودعوة المنظمات الحكومية وغير الحكومية إلى الشراكة مع العلماء للوقوف في وجه التطرف، وإنشاء قوافل إفريقية للسلام وتجسير العلاقات بين أتباع الأديان في القارة الإفريقية. ورغم إدراك مدى صعوبة استئصال التطرف من تربة القارة الإفريقية فإن العلماء المشاركين في مؤتمر نواكشوط أبدوا استعدادهم للانخراط في هذه العملية، وعن تفاؤلهم بإمكانية النجاح فيها، وهو ما زكاه البيان الختامي للمؤتمر بتأكيده أن "تعدد الروافد وثراء النظم الاجتماعية المميزة للقارة تجعلنا واثقين من أنها قادرة على بناء مشروع لصد التطرف والإرهاب والحرائق التي تنتج عنه".