تقع جماعة أربعاء أيت نوقبلي الجبلية على بعد حوالي 75 كلم من مدينة بني ملال، عاصمة جهة بني ملالخنيفرة، وعلى بعد 105 كلم من مدينة أزيلال، بالحزام الجبلي الفاصل بين إقليمي بني ملالوأزيلال، الذي كان يعتبر من بين المناطق الجبلية الأكثر فقرا بجهة بني ملالخنيفرة، بسبب وعورة التضاريس وضعف الأنشطة الاقتصادية وغياب المسالك والطرق. وكغيرها من الجماعات القروية ذات الطابع الجبلي، تعاني أربعاء آيت نوقبلي من إكراهات تنموية عديدة، تتمثل أساسا في الجانب المتعلق بالبنية التحتية والخدمات الصحية؛ فضلا عن مشكل انعدام الماء الشروب الذي تحول إلى كابوس يومي يؤرق ساكنة المنطقة في غياب منابع قريبة وكافية لسد حاجيات الأسر. بمركز أربعاء آيت نوقبلي، حيث أشغال تأهيل المركز جارية منذ شهور على مستويات عدة، تشكو عشرات الأسر من الهشاشة، ومما اعتبره البعض "ضعفا في المشاريع التنموية"، الكفيلة بإحداث تغيير على المستوى المعيشي للساكنة، ما يطرح السؤال حول مآل المبادرات التنموية التي يقودها المجلس الجماعي، وحول مئات الملايين التي أنفقتها الدولة لإخراج الجماعة الترابية من بؤبؤ الفقر والهشاشة. في زيارتها إلى تراب الجماعة عبر الطريق الجهوية رقم 306 الرابطة بين الويدان والقصيبة، التقت هسبريس ب"عُمر أصلّاعل"، وعدد من المواطنين بمركز أربعاء آيت نوقبلي، الذين كانوا يستعدون لبناء خيمة للاحتجاج من أجل توسيع مدخل مشروع طريق يربط بين مركز الجماعة والطريق الجهوية رقم 307 التي تربط المنطقة بالرشيدية. يقول عمر، الفاعل الجمعوي والحقوقي القاطن بالجماعة، لطاقم هسبريس: "نعلم أنكم جئتم لإنجاز ربورتاج عن الجماعة، وهذا أمر جيد، خاصة أن الأمر يتعلق بجريدة لها صدى متميز(...) لذا نأمل منكم ألا تمرّوا مرور الكرام كما فعلت منابر أخرى، لأن الوضع بالجماعة ليس على أفضل حال..ولأن الساكنة لم تتلمس بعد الأثر الإيجابي للمبادرات التنموية التي استفادت منها الجماعة ككل، ومركز أربعاء آيت نوقبلي على وجه الخصوص". ويضيف عمر، الذي اقترب عمره من السبعين عاما: "أنا قضيت معظم حياتي موظفا مع الدولة، ولم أسجل منذ سنوات أي تغيير على مستوى البنيات التحتية لهذه الجماعة التابعة بإقليم أزيلال، باستثناء ما جرى على مستوى فك العزلة؛ فعلى مدى حوالي عشرين سنة لازالت الساكنة تطالب بالماء الصالح للشرب، كما لازالت الجماعة تفتقر إلى مرافق اجتماعية قادرة على تأهيل العنصر البشري، باعتباره أساس التنمية البشرية". وأشار الجمعوي ذاته إلى أن "حكامة التدبير بالجماعات الترابية مرهونة بمدى قدرة مشاريعها التنموية على تحقيق العدالة الاجتماعية والترابية لدواويرها، وتقليص مظاهر التهميش والإقصاء، وليس بحجم أو عدد ما تمّ استثماره من الملايين عن المشاريع المبرمجة". وتعتبر جماعة أربعاء آيت نوقبلي، التي لا تتجاوز ميزانية التسيير بها العشرين مليون سنتيم سنويا، نموذجا لمعادلات تنموية مشابهة بجماعات أزيلال، البالغ عددها أزيد من 40 جماعة، إذ ترتبط مؤشراتها التنموية بمدى كفاءة رؤساء مجالسها في الترافع لدى مصادر التمويل وليس بإمكاناتها المادية. يقول مصدر مطلع، فضل عدم ذكر اسمه: "خلال السنوات الأخيرة، تمّ ضخ مئات الملايين من الدراهم في شرايين التنمية المحلية، خاصة على مستوى الطرق التي كان المجلس الجماعي يعتبرها من أولى الأولويات لفك العزلة عن الساكنة وربط المنطقة بمحيطها"، مشيرا إلى أن "مجمل المشاريع، سواء المنجزة أو التي في طور الإنجاز، تمّ الترافع عنها لدى جهات أخرى ولم تأت من صلب ميزانية الجماعة". مشروع بالملايين لم يحقق الاكتفاء بحي عشوائي يطل على مركز آيت نوقبلي، قالت خديجة الصبان لهسبريس: "إننا نسكن هنا منذ حوالي 15 سنة، ولازلنا نعاني من غياب الماء الشروب..نقطع مسافة طويلة من أجل الحصول على بضعة لترات من الماء"، مشيرة إلى أن الماء الموجود بإحدى الآبار القريبة من حيّها غير صالح للشرب، وإلى أنها والعشرات من النسوة لا يحتجن حاليا إلا إلى الماء.. وبنبرة يعلوها الغضب والقلق، قال يوسف بومليك القاطن بالحي ذاته: "نريد من هسبريس أن تلتقط صورا لهذه "البراميل" المتواجدة أمام كل البنايات، ولهذه القنوات البلاستيكية المتناثرة على سطح الأرض، والتي نتساءل عن حقيقتها وعن الغاية منها"، وزاد "ستلاحظون أنها تتواجد بكل الأزقة، لكن أغلبها أصيب بالتلف ولم يعد يصلح لشيء". وبالحي ذاته، صادفت هسبريس نسوة يتهيأن للبحث عن الماء على متن الدواب.. كنّ يحملن عبوات من سعة 30 لترا.. كان المشهد يتكرر بأزقة المركز، والنسوة يصفن رحلة جلب الماء بالعذاب اليومي، ويعتبرن حق الحصول على تلك المادة الحيوية من أولى الأولويات رغم أن حيّهن لازال يفتقر إلى كل ما يضمن لهن حق العيش الكريم. وكان المجلس الجماعي أطلق مبادرة تنموية لربط المركز وضمنه الحي سالف الذكر بالماء الصالح للشرب من أجل تحسين أحوال الأسر الأكثر فقرا، وذلك من خلال مشروع كلف الدولة ما يزيد عن 350 مليون سنتيم، إلا أن آثاره لم ترو عطش الساكنة بعد. وبمنزل مُشيد بالأحجار وسقفه مصنوع من القش وجذوع الأشجار، اشتكت "مي رابحة"، الأرملة العجوز ذات ال75 عاما، والوحيدة في بيتها، من عدم توصلها بالماء الشروب لمدة تزيد عن شهرين متتاليين، ومن عجزها عن فهم ما يجري بالمركز. وتعاني "مي رابحة" من الفقر وعدم القدرة على التحرك لوحدها بالأزقة غير المبلطة، وتطالب الجهات المختصة والمحسنين بدعمها لإعادة إصلاح بيتها الآيل للسقوط. ورصدت كاميرا هسبريس بيت أمي رابحة، الذي تعلو سطحه خيوط العنكبوت وتغطي أرضيته بضع أوراق من "الكارتون" وعلى حائطه الأيمن شقوق كبيرة تكشف أنه لم يعد قادرا على تحمل قسوة المناخ، وبه وسادتان مصنوعتان من علب البلاستيك، التي توظف لجمع المحاصيل الزراعية، وأغطية بالية ومعدات للطهي، أغلبها خارج زمن الحداثة. وبيت أمي رابحة، يقول عمر أصلّاعل، ليس سوى نموذج من عدة بنايات آيلة للسقوط بجماعة آيت أقبلي، حيث تقبع أرامل معوزات ينتظرن مبادرات من الدولة لتحسين وضعهن، وزاد: "على المسؤولين أن يتفحّصوا المنازل وأن يستجيبوا لطلبات الفئات الهشة، خاصة الأرامل والمسنون الذين باتوا يعيشون في وضعية خطيرة"، وأشار إلى أن المركز، الذي تقطنه حاليا حوالي 300 أسرة، "لا يتوفر على دور للمسنين وعلى دور لتأهيل المرأة والفتاة"، مردفا: "هناك فقط مستوصف صحي يفتقر إلى المعايير المطلوبة، وفي حاجة إلى الموارد البشرية الكافية، بالإضافة إلى ملعب للقرب غير مؤهل بالمرافق الضرورية ومؤسسات تعليمية ومركز للدرك". وبدوار أُوتحديدو..تستمر المآسي بدوار أُوتحديدو، القابع تحت وطأة جبل شامخ، على بعد حوالي كيلومترين تقريبا من مركز آيت أقبلي، سجلت هسبريس قلق عدة نسوة من تأخر ربطه بالماء الشروب، من ضمنهن فاظمة العاطفي، امرأة أرملة تعاني من إعاقة وتتحمل عناء توفير لقمة عيش لابنتها ذات الست سنوات.. قالت في تصريح للجريدة: "لقد أرهقنا عبء الماء، ننتقل يوميا إلى حفرة أشبه بسدّ تلي لملء عبواتنا بمياه الغسيل رغم أنها عكرة. أما مياه الشرب فإننا لازلنا ننتظر تدخل الجماعة لتوفيرها..الحياة صعبة والله صعبة..". وفاظمة سيدة أربعينية، بيديها المشققتين، وحذائها البلاستيكي المفروم من الجوانب، تعكس حالة نساء أخريات من المجتمع فجعهن القدر في أزواجهن، ما حذا بهن إلى الارتماء في أحضان الفقر والمآسي اليومية، في غياب مبادرات تنموية تهتم بالنساء الآرامل. وتطالب فاظمة، إلى جانب نسوة أخريات، كن في طريقهن لجلب المياه على الدواب، بوقف محنتهن مع هذه المادة الحيوية، مشيرة إلى أن أقرب نقطة لجلب الماء تقع على بعد حوالي أربعة كيلومترات من القرية، ومشددة على ضرورة تبليط أزقة الدوار على غرار مركز أيت نوقبلي، وإحداث سور للمدرسة، وتقوية شبكة الإنارة العمومية. والماء ليس وحده ما يؤرق الساكنة، فيوسف بومليك، ابن المنطقة، قال إن "بعض أحياء الجماعة لازالت تعاني من قصور في شبكة المياه والإنارة العمومية، ولا تمتلك شبكة للصرف الصحي"، داعيا إلى توفير ملاعب القرب وفضاءات الترفيه وكل ما من شأنه دعم شباب المركز للحصول على شغل قار؛ وذلك للحد من هجرة شباب المنطقة للبحث عن العمل بعيدا عن أسرهم. وأوضح عمر، الذي رافق الجريدة في زيارتها إلى أحياء المركز، أن هذه الحاجيات هي التي قال عنها العاهل المغربي في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الملتقى البرلماني الثالث للجهات، الذي افتتحت أشغاله يوم الأربعاء 19 دجنبر 2018 بالرباط: "هناك مواضيع عديدة تسائلكم، وتنتظر منكم الوقوف على الأسباب الحقيقية للوضع الراهن، من أجل إيجاد الحلول الواقعية والشفافة للمشاكل المطروحة، والتجاوب الإيجابي مع مطالب وانتظارات المواطنات والمواطنين". وأضاف الفاعل الجمعوي ذاته أن "جلالة الملك اعتبر هذا النهج السبيل القويم للرفع من أداء المؤسسات، على المستوى الوطني والترابي على حد سواء، وتعزيز ثقة المواطنين فيها، ليكون لها أثر ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين". للمجلس رأي حول التنمية في معرض تعليقه على مختلف النقط التي تسائل المجلس الجماعي، أوضح محمد أهنين، رئيس جماعة أربعاء نوقبلي المنتمي الى حزب التجمع الوطني للأحرار، أن جماعته كانت تئن تحت وطأة العشرات من الإكراهات التنموية، وأن مداخيلها لا تكفي لفتح مسلك طرقي بسيط، ما اقتضى من المجلس الجماعي في شخص رئاسته، وبتنسيق مع باقي الأعضاء، البحث عن إستراتيجية جديدة لتدبير الجماعة بدل الاكتفاء بالتسيير الإداري. وأضاف المتحدث ذاته أن "الجماعة منذ تأسيسيها لم تبرمج سوى مشروع واحد تقريبا، بالنظر إلى إمكاناتها المادية المحدودة، ما يعني أن كل ما تحقق اليوم، خاصة على مستوى فك العزلة، هو بفضل مجهودات ذاتية بتنسيق مع كافة الشركاء، خاصة السلطات الإقليمية والمجلس الإقليمي ومجلس جهة بني ملالخنيفرة وباقي المتدخلين على المستوى المركزي". وذكر أهنين أن إستراتيجيته في تدبير الشأن المحلي مكنته من فك العزلة عن الجماعة وإخراجها من دائرة الفقر والتهميش، إذ ساهمت الطرق في ربطها بمحيطها وتحريك عجلة التنمية، مذكرا بأن عددا من المشاريع لازالت في طور الإنجاز وأخرى مبرمجة سنة 2020. وقال المسؤول ذاته إن من أهم المشاريع التنموية التي استفادت منها الجماعة في هذا الإطار مشروع تأهيل مركز أربعاء نوقبلي بتكلفة تجاوزت 02 مليار سنتيم، بالإنارة العمومية والترصيف والتبليط، وبعدد من المرافق الاجتماعية التي ستجعل حسبه من مركز أربعاء آيت نوقبلي نموذجا للمراكز التنموية الصاعدة. أما بخصوص الماء الشروب فأبرز المتحدث أن تضاريس المنطقة كانت من المعيقات الحقيقية وراء تأخر تعميم شبكة الربط بالماء الشروب، مشيرا إلى أن الجهود المبذولة في هذا الإطار أفضت إلى إخراج الشطر الأول من المشروع الذي يستهدف ساكنة المركز، بتمويل من مجلس جهة بني ملالخنيفرة، بلغ تقريبا 460 مليون سنتيم؛ فيما سيمكن الشطر الثاني من المشروع الدواوير المجاورة، ومن ضمنها دوار أوتحديدو. وأكد أهنين لهسبريس أنه في غضون ثلاثة أشهر، على أبعد تقدير، ستكون جميع منازل مركز أربعاء نوقبلي متصلة بشبكة جديدة للماء الشروب، كما ستتم في الإطار ذاته تقوية الإنارة العمومية وتعزيز البنية الرياضية بملعب رياضي مهم؛ فضلا عن المشروع الأهم الذي سيتم افتتاحه في غضون شهر يوليوز، والمتعلق بالطريق الرابطة بين مركز أربعاء نوقبلي والطريق المؤدية إلى الرشيدية. وانتهى أهنين بالإشارة إلى أنه حرص على نهج الحكامة الجيدة، وتكريس المزيد من الثقة بين المرفق العام والمواطنين، كما عمل على تنزيل المقاربة التشاركية بين مختلف المتدخلين في التنمية المحلية، "والتي بدونها ما كانت جماعة أربعاء نوقبلي ستحقق هذه الإنجازات الكبرى التي غيرت من ملامحها التنموية وأبعدتها عن حزام الفقر".