تلقت حركة النهضة بتونس "ضربة قاسية" بعد رفض البرلمان بشكل واضح الحكومة التي اقترحتها، لتعود المبادرة إلى رئيس البلاد قيس سعيّد، الذي عليه حاليا اختيار شخصية جديدة لتشكيل الحكومة. وبعد نحو 12 ساعة من النقاشات داخل البرلمان، ترافقت مع مفاوضات اللحظات الأخيرة، رفض البرلمان، ليلة الجمعة السبت، التشكيلة الحكومية التي قدّمها الحبيب الجملي، بتصويت 134 نائبا ضدها من أصل 217 نائبا. ووصفت صحيفة "لابريس" الناطقة بالفرنسية في افتتاحيتها ما جرى ب"الضربة القاسية للنهضة، التي تعتبر أكثر أحزاب البلاد نفوذا"، فيما عنونت صحيفة "المغرب" مقالا لها ب"حكومة الرئيس، جاري التحميل". وبعد ثلاثة أشهر من الانتخابات، ينذر سقوط تشكيلة الجملي الحكومية بالحاجة إلى عدة أسابيع من المفاوضات الإضافية غير مضمونة النتائج، في وقت تواجه البلاد تحديات اجتماعية واقتصادية. نجاح للديموقراطية وأمام الرئيس قيس سعيّد عشرة أيام لإجراء مشاورات هدفها إيجاد "الشخصية الأقدر على تأليف حكومة في أجل أقصاه شهر". واستقبل سعيّد، صباح السبت، راشد الغنوشي، رئيس النهضة ورئيس البرلمان، وأكد أمامه على "ضرورة احترام الدستور". ويرى المحلل السياسي سليم خراط من منظمة "بوصلة" غير الحكومية أنّ النهضة الحائزة على 54 مقعدا من أصل 217 مقعدا "لم تستخلص رسالة الناخبين"، مشيرا إلى أنّ النهضة كانت لها استراتيجية "هيمنة". وشاركت النهضة بشكل مباشر أو غير مباشر في السلطة في السنوات التسع الأخيرة، عقب سقوط الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. إذ حلّت ثانية في انتخابات 2014 التشريعية، وعقدت تحالفا مع الحزب الفائز. ورغم عدم منح البرلمان الثقة للحكومة المقترحة، فإن عددا من المراقبين، وكذلك الحبيب الجملي، رحبوا بما اعتبروه "نجاحا للديموقراطية التونسية"، وأشاروا إلى أن السقوط في البرلمان يعكس شفافية المؤسسات التونسية. واعتبر خراط أن ما جرى "لا يمثل أزمة سياسية نظرا إلى مسار مؤسساتي وديموقراطي محدد لما بعد ذلك". مبادرة وطنية في المقابل، لا شيء يسمح بتوقع نتيجة جولة المفاوضات الجديدة من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. ويرى خراط أنّ "النهضة ستسعى إلى الحفاظ على (موقع) في الحكومة المقبلة، لكن سيكون من الصعب عليها التأثير في المفاوضات، خصوصا في حال ما تجمّعت كتل صغيرة" لمواجهتها. ومساء الجمعة، عرض نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، الثاني برلمانيا ب38 مقعدا، نفسه كبديل، كاشفا "مبادرة وطنية" من شأنها جمع كتل برلمانية. وأشار في هذا السياق إلى كتلة حركة الشعب، وإلى ليبراليي حزب تحيا تونس، ومستقلين. لكن حركة الشعب سارعت إلى نفي ذلك. ولا يملك الرئيس التونسي، الأكاديمي الذي انتخب رئيسا بغالبية واسعة في أكتوبر، حلفاء طبيعيين في المشهد السياسي، وقد سعى إلى أخذ مسافة واحدة من مختلف الأحزاب. غير أنّه يُعتبر أقرب إلى المكوّنات المنادية بمبادئ ثورة 2011، على غرار حركة الشعب والتيار الديموقراطي بزعامة محمد عبو. وقد سعى إلى إطلاق مفاوضات جديدة بين هذه المكونات وحزب تحيا تونس، الذي يتزعمه رئيس الحكومة المنتهية ولايته يوسف الشاهد. وفي حال ما أخفقت أيضا الشخصية التي سيختارها لتشكيل الحكومة، سيكون بمقدور سعيّد حلّ البرلمان، وهو ما يعني تأخيرا جديدا في اتخاذ التدابير اللازمة لكبح التضخم ونسب البطالة، التي تلقي بثقلها على معيشة التونسيين. *أ .ف. ب