الراغبون في إرسال بضائع من المطار العملاق لمدينة "فرانكفورت" صوب أي وجهة، عبر طائرات "لوفتهانزا"، يقصدون ما يقدمه عزيز اليزيدي من خدمات. يؤمن اليزيدي بحتمية "التكوين الموسوعي" للحالمين بالفَلاَح في "زمن التخصّص"، مثلما يبرز موقنا بأن حسّ الانتماء يمتثل للحمض النووي أكثر من الميل إلى فضاء الاستقرار. ولادة في المهجر بلسان مغربي دارج مفهوم، يتحدث عزيز اليزيدي، المقترب من إكمال العقد الرابع من حياته، على الرغم من كونه مزدادا في مدينة "دارمشطاطت" بجمهورية ألمانيا الفيدرالية. ينتمي عزيز إلى أسرة مغربية وفدت على "بلاد الجرمان" من إقليمبركان، وبين أحضانها كبر في نسق لم يتنازل عن محدداته الهوياتية وتعابيره الثقافية الأصلية. درس اليزيدي ضمن الحاضرة التي رأى فيها النور أول مرّة، ملازما صفوف مؤسساتها التعليمية حتى نيل الباكالوريا والخضوع لتكوين عال متخصص في اللوجستيك. عشق النظرة الأولى "حين رأيت أول طائرة في حياتي وقعت في عشق من النظرة الأولى"، يقول عزيز اليزيدي ضاحكا قبل أن يكشف بأن حلمه الطفولي ارتبط بالعمل في أي ميدان قريب من الطائرات. بعد التحصل على شهادة في اللوجستيك، ظفر اليزيدي، مستهل الألفية الجارية، بفرصة للاشتغال وسط أرضيات مطار "فرانكفورت"، المحطة الجوية المصنفة بين الثلاث الأكبر بأوروبا. ويقول عزيز إن ولعه بالأداء المقدّم على مستوى الخدمات الأرضية بأقوى مطار في ألمانيا جعله نهما في التعلم، إذ حرص على ضبط كل ما يتم هناك، من التعامل مع الطائرات إلى ما يجري بالمستودعات. شركة خاصة مع حلول سنة 2015، أسس عزيز اليزيدي شركته الخاصة تحت اسم "فرانكفورت 365"، وانتزع بها تعاقدا مع خطوط "لوفتهانزا" الجوية من أجل إعداد شحن البضائع. إن "شركة "Frankfurt 365" تتعامل مع السلع المتجهة إلى الشحن عبر طائرات Lufthansa Cargo، وتعتمد على طاقم من الأيدي العاملة الخبيرة يصل قوامه إلى 25 فردا الآن"، يكشف اليزيدي. يقدم عزيز المطلوب منه بتوجيه مستخدميه إلى التعامل مع البضائع وفق ما يشترطه المطار، ثم احترام معايير الناقل الجوي الوطني الألماني في صف السلع وحزمها قبل إيصالها إلى مركبات الشحن الجوي. خطوات التوسع يجاهر عزيز اليزيدي بأنه يطمح إلى جعل "فرانكفورت 365" ذات فروع منتشرة على قارات العالم، ويتوقف قليلا قبل أن يستدرك: "الأحلام تسير خطوة وراء أخرى، وبروكسيل هي المحطة الثانية". ويؤكد المستثمر نفسه أن الشركة التي يملكها ستنتقل إلى مواكبة شحن البضائع مع "لوفتهانزا" بمطار العاصمة البلجيكية، إذ تم الانتهاء من الإجراءات المتعلقة بذلك وسينطلق الأداء قريبا جدا. "هذه خطوة ثانية تمنحني نفسا جديدا وتحديا أقوى، والنجاح المحقق طيلة السنوات الماضية في مطار فرانكفورت يبقى مستوى معياريا للأداء المبتغى في بروكسيل"، يردف اليزيدي. بركانوالدارالبيضاء يفتخر عزيز اليزيدي بمكونات عائلته المستقرة في بركان، قائلا إن أفرادها كُثر والعلاقات معهم في منتهى الروعة؛ وهو ما يدفعه إلى زيارة هذه المنطقة من المملكة وفق وتيرة سنوية. ويردف "ابن دارمشطاطت" أن وسائل الاتصال العصرية تتيح له البقاء على مقربة دائمة من أقاربه في بركان والنواحي؛ لكنّ اللقاء المباشر في المغرب لا يمكن أن يتم الاستغناء عنه. كما يقول عزيز: "ارتباطي الوجداني بالمغرب، الذي هو بلدي ومصدر التربية التي تلقيتها، يجعلني أفكر في الاستثمار والاستقرار به مستقبلا، وأراهن على مشروع بمطار الدارالبيضاء لتحقيق ذلك". الهجرة إلى ألمانيا يحسم عزيز اليزيدي بأن الوافدين على ألمانيا الفيدرالية لا يستشعرون صعوبة الحياة في هذه البلاد الأوروبية إلا لكونهم لا يتقنون التواصل باللغة الألمانية، نطقا وكتابة. ويشدد المزداد فوق تراب "ولاية هيسن" على أن فرص الشغل متوفرة للمهاجرين؛ بينما ذلك يخضع لإمكانات كل فرد، لتبقى أوراش عديدة تحتاج المزيد من الأيادي العاملة. "أنطلق من نفسي لأذكر أنّني أبحث عن موارد بشرية تستجيب لمعايير محددة، يمليها نوع منصب العمل الشاغر، وكثيرا ما أبقى دون من يلبي طلبي"، يسترسل عزيز اليزيدي. إستراتيجية موسوعيّة ينصح اليزيدي كل شابة أو شاب راغب في البحث عن مستقبل زاهر بأن يؤمن ب"الإنسان الموسوعة"، رافضا أن يعتبر الشخص نفسه متخصصا منذ البدء، بل عليه الإقبال على كل شيء. وينهل صاحب "فرانكفورت 365" من تجربته الشخصية والمهنية حين يربط الجيل اللاحق بضرورة الانكباب على تعلم كل شيء، وبعدها يمكن لكل فرد أن يشق طريقه الخاص بمعرفة صلبة. "التمكن من المدارك الواسعة واستجماع التجارب المتنوعة يساعد الإنسان الموسوعيّ على إيجاد حلول ذاتية للمشاكل التي يصادفها، ويعفيه من البحث عند الغير"، يختم عزيز اليزيدي.