إشعاع عربي وعالمي مكّن نجوم الفن والثقافة طيلة العام الماضي (2019) من حصد كبرى الجوائز في محافل دولية، والتطلع إلى سماوات أبعد وآفاق أرحب، لكنها فرحة لم تستطع أن تمحو خيبة أمل مثقفي المغرب وشعورهم بالإحباط من انتكاسات داخلية كلما قوبلت مطالبهم ب"آذان صماء" وتقارير تحبط كل المجهودات. قوة الركح وضبابية المنظومة رغم الاحتقان الذي يعيشه "أب الفنون" ومعركة نيل الحقوق، لكنّ ذلك لم يمنع مبدعو الركح من السعي إلى خلق القوّة من الضعف والقفز أشواطا على درب التجديد ومحاولة الابتكار، فكان حصاد هذا الاجتهاد تتويج وأوسمة في المهرجانات المسرحية والمحافل الدولية. المخرج المسرحي نائب رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، أمين ناسور، قال في حديث لهسبريس إنّ "سنة 2019 كانت سنة تأكيد قوة وتنوع المسرح المغربي من خلال التجارب المسرحية التّي شاركت في المهرجان العربي للمسرح بمصر، والتي أبانت عن علو كعب المسرح المغربي من خلال مسرحية (عبث) لمحمد رويبعة، ومسرحية (صباح مسا) لعبد الجبار خمران، وخصوصا مسرحية (شابكة) لفرقة الأركيد، التي أسالت الكثير من المداد حولها من طرف نقاد وصحافيين عرب ومغاربة، وبصمت حضورها كشكل مسرحي مختلف فيه الكثير من الاجتهاد والتجديد، إلى جانب تتويج المخرج محمد الحر بجائزة أحسن إخراج لأيام قرطاج المسرحية عن مسرحيته (سماء أخرى)، وعرض مسرحية (الوجه الآخر للقمر) لعماد فجاج، بالإضافة إلى اختيار ثلاثة عروض مغربية مؤخرا للمشاركة في مهرجان المسرح العربي، الذي ستنظمه الهيئة العربية للمسرح بالأردن، وهي (سماء أخرى) في المسار الأول، و(النمس) و(قاعة الانتظار) في المسابقة الرسمية للمهرجان". هذا التألق، يضيف ناسور، "يحتاج اهتماما أكثر من طرف القطاع الوصي، وتشجيع الإبداع والمبدعين الذي يمثلون المسرح المغربي تمثيلا مشرفا"، مبرزا أنّ "سنة 2019 كشفت عن بعض مظاهر الريع التي يعاني منها المسرحيون منذ العهد السابق لوزير الثقافة والاتصال، حيث استفاد البعض من جولات خارج المساطر وطلبات الدعم بمبالغ كبيرة"، وخلص النقيب المسرحي إلى أنّ "المسرح المغربي يعرف تقدما كبيرا ومهما، لكن يحتاج الكثير كمنظومة مسرحية تشوبها العديد من النواقص". السينما تكتسح العالم نجاح متواصل وإشعاع كبير رافقا السينما المغربية في كل مرّة تصافح فيها مبدعو الشاشة الفضية مع المهرجانات العالمية؛ فقد استطاعت المخرجة مريم التوزاني بفيلمها "آدم" أن تجذب كل الأضواء إليها، بعد عرضه ضمن فعاليات مهرجان "كان"، وتنافسه ضمن القائمة الأولية لجوائز الأوسكار للسنة المقبلة، وتتويجه بنجمة "الجونة البرونسية" للفيلم الروائي. وإلى جانب تألق العديد من الأعمال في محافل عربية كبرى، استقطبت جبال المغرب ومناخه نجوم بوليود لتصوير أضخم الأعمال العالمية، وحققت المملكة خلال 2019 رقما قياسيا فيما يتعلق بمداخيل الأفلام الأجنبية المصورة بها، بعد أن بلغت قيمة الأرباح من تصوير هذه الأفلام 667 مليون درهم، حسب ما أعلن عنه المركز السينمائي المغربي، وهو ما فسره الناقد الفنّي محمد الإبراهيمي ب "التسهيلات الضريبية والقانونية التّي قدّمها المغرب لاستقطاب شركات الكاميرات الأجنبية، والتي رفعت من استقبال المغرب لنجوم من كل بقاع العالم، ما شكل فرصة لتعلم شبان عاشقين للسينما". "هذا الألق الذي تعرفه السينما المغربية لم يستطع إقناع الجمهور المغربي للتصالح مع كراسي القاعات السينمائية"، يسترسل المتحدث، موضحا أنه "رغم الإقبال الملحوظ من طرف الشباب على بعض الأعمال المغربية، نرى أن المنتوج الأجنبي مازال يغري المشاهد المغربي، وهو ما عشناه مع عرض الفيلم الأمريكي (جوكر)". سباق الورق والحبر وبالرغم من "نكبة" قطاع الكتاب وتراجع نسبة المقروئية، فقد احتل أدباء المغرب ومبدعوه في حقل الكتابة الريادة والقيادة في منافسات كبرى الجوائز الأدبية، وحملت سنة 2019 تتويجا مشرفا انتزعه فرسان القلم في سباق الورق والحبر. على امتداد السنة الماضية، برزت أسماء مغربية عديدة في مسابقات عالمية للرواية والكتابة والشعر، من بينها الكاتب المغربي محمد المعزوز الذي بلغ القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" بروايته "بأي ذنب قتلت، وحسن أوريد وروايته "رباط المتنبي" التي حلت ضمن القائمة الطّويلة للأعمال المرشَّحَة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" السّنة المقبلة 2020، وليلى باحساين ورواية "السماء تحت أقدامنا" المنافسة على جائزة الأدب العربي، وتتويج الشاعر المغربي محمد عريج بجائزة "كتارا" الأولى لشاعر الرسول، إلى جانب تألق التلميذة فاطمة الزهراء في المسابقة العربية "تحدي القراءة". في مقابل ذلك، كشف تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنّ "الوسط السوسيو-اقتصادي لا يشجع في الغالب على الإقبال على القراءة، بحيث إن 38 في المائة فقط من التلاميذ المغاربة يتوفرون على بعض مصادر القراءة في بيوتهم، مقابل 61 في المائة لا يتوفرون على هذه المصادر القرائية". تقرير المجلس كشف أنّ المغرب يتوفر على 609 مكتبات عمومية، جزء منها أنشئ بشراكة مع الجماعات المحلية والجمعيات، غير أن هذه المكتبات تظل سواء بالنظر لعددها أو جودة خدماتها دون المستوى، كما أنها غير متلائمة مع المعايير الدولية، وتوفر هذه الشبكة من المكتبات العمومية ما مجموعه 1.55 مليون عنوان، وطاقة استيعابية تصل إلى 12.200 مقعد ل109 آلاف منخرط. وبخصوص دور النشر، قال التقرير إن عددها يبلغ 60، حوالي 20 منها فقط هي التي تزاول نشاطها بكيفية منتظمة، وتنشر ما لا يقل عن 15 عنواناً سنوياً. عودة الحياة للمآثر "شهدت سنة 2019 عودة الحياة لعدد من المواقع الأثرية وتسريع وتيرة البت في طلبات تقييد العشرات منها في عداد الآثار للحفاظ عليها، وتسجيلها في لائحة التراث العالمي لليونسكو"، يقول الباحث الإيكولوجي عصام نافع في حديث لهسبريس. ومن بين أهم المواقع التّي طالها الترميم، يورد المتحدث نفسه، موقع "ليكسوس" الواقع بمدينة العرائش، بعد تدشين محافظة الموقع الذي يعدّ من أقدم الحواضر في المغرب؛ إذ يعود تاريخه، حسب النصوص الإغريقية والرومانية، إلى نهاية القرن الثاني عشر ما قبل الميلاد، إلى جانب ترميم وتهيئة الموقع الأثري لمدينة "المزمة" التاريخية، وقصبة "سنادة" التاريخية بجماعة سنادة، وقلعة "الطريس. وأكد نافع أن وزير الثقافة السابق، محمد الأعرج، "أولى اهتماما كبيرا بصيانة وحماية التراث الثقافي، وتقييد العشرات من المآثر في عداد الآثار للحفاظ عليها، وحمايتها قانونيا ضدّ أي تدخل أو تغيير كيفما كان، وتفادي البناء الذي يمكن أن يؤثر عليها، وحماتها من الاعتداء والتشويه". وحذّر الباحث المغربي من "التماطل في التعامل مع باقي المآثر المغربية بالوتيرة السابقة نفسها، وحفظ الذاكرة المغربية"، معتبرا أن "هذه المآثر تضعنا أمام مسؤولية وطنية تستدعي إحكام مقاربة رزينة لحفظها للأجيال القادمة".