مطالب الاتحاد المغربي للشغل    من احتلال الأرصفة إلى غزو الشوارع.. فوضى الملك العمومي تتوسع بطنجة    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    ندوة علمية حول موضوع العرائش والدفاع عن السيادة المغربية عبر التاريخ: نماذج ومحطات    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات.. المنتخب المغربي يحقق فوزا عريضا على نظيره الناميبي (8-1)    "‪الأحرار" يفوز بالانتخابات الجزئية بتزنيت    انطلاق جولة الحوار الاجتماعي    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم محسن جمال    الفلاحة المغربية تحظى بإشادة دولية.. ورغبة فرنسية في "تعاون مكثف"    صحيفة دانماركية تروي القصة الكاملة لسفن "ميرسك" المُحملة بالأسلحة لإسرائيل.. كيف مُنعت في إسبانيا واستُقبلت في طنجة    دونالد ترامب يزور الشرق الأوسط ما بين 13 و16 ماي المقبل    بنيس: الرواية أبرزت هوية الفلسطيني.. بلقزيز: المشروع الصهيوني همجي    الحسيمة تتربع على عرش قائمة المدن الأكثر غلاء في المعيشة وارتفاع الأسعار    لبؤات الفوتسال يحققن فوزا عريضا على ناميبيا في افتتاح المشوار بكأس أمم إفريقيا    تحلية مياه البحر في المغرب: رهان استراتيجي لمواجهة ندرة المياه وتأمين المستقبل المائي    توقيف تونسي مبحوث عنه دوليًا في قضايا سرقة وقتل وهروب من حكم ب30 سنة سجنا    بتعليمات ملكية سامية.. الفريق أول محمد بريظ يقوم بزيارة عمل لدولة قطر    الفاتيكان يكشف تفاصيل جنازة البابا فرنسيس    جمعية سمايل تعزز التماسك الأسري عبر دورة تكوينية نوعية بفضاء جسر الأسرة بالناظور    جامعة عبد المالك السعدي تشارك في الملتقى الإقليمي للتوجيه بالحسيمة    السعدي يعلن إعداد قانون إطار للاقتصاد الاجتماعي والتضامني خلال الولاية الحالية    المغرب تطلق صفقة لتشييد محطة للغاز الطبيعي المسال بالناظور    انهيار صخري جديد يعرقل حركة السير بالطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    أخبار الساحة    من تداعيات شد الحبل بينها وبين الوزارة الوصية .. جامعة كرة السلة توقف البطولة الوطنية بكل فئاتها بسبب العوز المالي    الجولة 27 من الدوري الاحترافي الأول .. الوداد ينتظر هدية من السوالم وأندية الأسفل تمر إلى السرعة القصوى    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    تأييد الحكم الابتدائي وتغليظ التهم رغم التنازلات في حق الرابور «طوطو»    الدولار يتراجع لأدنى مستوى في سنوات مقابل اليورو والفرنك السويسري    اعمارة يحث على "الإبقاء على حق الأفراد والمجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام"    الكرملين: بوتين لا يخطط لحضور جنازة البابا فرنسيس    بسبب تكريم باسم والدته.. نجل نعيمة سميح يهدد باللجوء إلى القضاء    من السماء إلى العالم .. المغرب يحلق بأحلامه نحو 2030 بمطار ثوري في قلب الدار البيضاء    فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس ضيفا في المؤتمر 9 لحزب العدالة والتنمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    "أفريكوم" تؤكد مشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات الأسد الإفريقي    طلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة يطالبون وزير الصحة بالوفاء بالتزاماته ويستغربون تأخر تنفيذ الاتفاق    إسرائيل تمنع تطعيمات شلل الأطفال عن غزة.. 600 ألف طفل في خطر    تفاصيل انعقاد المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالقنيطرة    "البيجيدي": نخشى أن يتحول مشروع الغاز بالناظور لفرصة "استفادة شخصية" لأخنوش    عبد الكريم جويطي يكتب: أحمد اليبوري.. آخر العظماء الذين أنجزوا ما كان عليهم أن ينجزوه بحس أخلاقي رفيع    باحثون: الحليب بدون دسم أفضل لمرضى الصداع النصفي    الصفريوي: لا مفاوضات ولا نية للاستثمار في شيفيلد وينزداي الإنجليزي    فان دايك: جماهير ليفربول ستتذكر أرنولد في حال قرر الرحيل    الصين وأندونيسيا يعقدان حوارهما المشترك الأول حول الدفاع والخارجية    معهد الدراسات الإستراتيجية يغوص في العلاقات المتينة بين المغرب والإمارات    مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياة مجندات مغربيات بالثكنات .. أنامل ناعمة تحمل "أسلحة خشنة"
نشر في هسبريس يوم 27 - 12 - 2019

في الظلام الدامس، قبل أذان الفجر بساعات يبدأ يومهن، في مكان منعزل عن العالم الخارجي، وبين جدران عالية منيعة عن الغرباء.. هن فتيات في مقتبل العمر، تركن خلفهن حياتهن المعتادة، عائلاتهن وأصدقاءهن أو حتى أطفالهن، واخترن تجريب الحياة العسكرية.
بعيدا عن الأهل، أمضين شهورا طويلة، نظام تطوعن له واشتد بهن الأمر في أيام تطبيقه الأولى، بعد شهور عسيرة ألفنه وصار جزءا من حياتهن، لم يعرفن ما كان ينتظرهن، أقبلن على شيء يجهلنه، وحركهن إيمانهن بالمؤسسة العسكرية، أو رغبتهن في تحقيق حلم كبير كن يعتبرنه مستحيلا يوما ما، أو لترميم شتات حياتهن.
في المغرب، يعتبر "التجنيد الإجباري" اختياريا بالنسبة إلى النساء. لأجل تلك الغاية، يمكن للمواطنات الراغبات في أداء الخدمة العسكرية، واللواتي يستوفين في التاريخ المقرر لاستدعاء الفوج الشروط القانونية، أن يقمن من تلقاء أنفسهن بملء استمارة الانضمام إلى الخدمة.
انتقلت هسبريس إلى المركز الثاني للتجنيد والتكوين لمختلف الأسلحة بمدينة قصبة تادلة؛ وهو واحد من بين 14 مركزا عبر ربوع المملكة تفرق عليها المجندون، سواء الإناث اللواتي اخترن التجنيد طواعية أو الذكور الذين أجبروا على الانخراط في هذه الخدمة، هناك تشكل نسبة الإناث من بين المجندين حوالي 22.5 في المائة وعددهن 241 مجندة.
في المركز سالف الذكر، التقت هسبريس عددا من المجندات. ابتسام إنوش، 20 سنة، المنحدرة من مدينة أكادير، وهي واحدة من بينهن، فتاة غادرت المدرسة في السنة الثانية من التعليم الثانوي، وتابعت دراستها في معهد لتكوين الممرضات لمدة ثلاث سنوات، كما اجتازت تداريب مهنية عديدة؛ إلا أنها حال رأت إعلان التجنيد قررت التوقف عن ما كانت تمارسه لاجتياز مدة الخدمة العسكرية.
تقول إنوش في حديثها مع هسبريس: "أتيت إلى هنا؛ لأنه كان حلمي منذ الطفولة.. أردت خوض تجربة التجنيد، لأن أجدادي كانوا من الجنود؛ لكن أبويّ لم تتح لهما الفرصة، قررت أنا مواصلة المشوار".
الحلم نفسه كان لدى ابتسام العوقان، 20 سنة، المنحدرة من شفشاون، التي تقول: "كان حلمي ولوج هذا المجال، وهو ما تحقق بالخدمة العسكرية؛ فمنذ الصغر وأنا أحلم بالالتحاق به.. كنت أحب أن أكون جندية قادرة على تحمل المسؤولية والدفاع على الوطن".
وإن كانت إنوش والعوقان قد اختارتا التجنيد لتحقيق حلم الطفولة؛ فإن حياة بشير، 23 سنة، المنحدرة من مدينة الفقيه بنصالح، اختارت الخدمة العسكرية لتغيير حياتها بالكامل. تقول: "جئت إلى الخدمة العسكرية رغبة في تغيير حياتي وسلوكي، أردت تغييرا كبيرا وجدته في هذا المجال".
برنامج التجنيد
"الحياة العسكرية ليست بالسهلة"، حقيقة علمت بها المجندات مسبقا ووقفن عليها حين القدوم إلى الثكنة العسكرية؛ لكنها من الصعاب التي ستعيد تشكيل حياتهن وترسم لهن خطا مستقيما يمشين عليه حتى تحين المغادرة، إنها إعادة تأهيل وتهذيب.
المساعد فاطمة الزهراء بدراوي، مؤطرة بالمركز الثاني للتجنيد والتكوين لمختلف الأسلحة بمدينة قصبة تادلة، رافقتها هسبريس خلال أداء مهمتها انطلاقا من بداية اليوم على الساعة الخامسة صباحا، خلال ذهابها لإيقاظ المجندات من نومهن ووصولا إلى نهاية اليوم عند الساعة العاشرة ليلا.
تؤكد بدراوي، في حديثها، أن برنامج المجندات ينطلق على الساعة الخامسة بحصة رياضية، يليها تناول وجبة الفطور، ثم أداء تحية العلم في جو مهيب يجمع كل من تضمهم الثكنة، لتنطلق عقبها حصص التكوين سواء النظرية أو التطبيقية؛ وهو ما عاينته هسبريس خلال اليوم الذي قضته بمركز التجنيد.
لا تختلف حياة المجندات الإناث عن الذكور، يخضعن للبرنامج نفسه، ويتلقين الدروس نفسها، بل ويتعلمن المبادئ نفسها.
ويقول الملازم عبد الكريم برغوث، المؤطر بالمركز نفسه، إن برنامج المجندين ينقسم إلى ثلاث مراحل أساسية: تهم المرحلة الأولى التكوين الأساسي، ومدته أربعة أشهر يتلقى فيها المجند مجموعة من الدروس سواء مدنية أو عسكرية؛ كمادة القتال ومادة التدريب التقني على الرمي ومادة الانضباط العام ومادة التربية الخلقية، ناهيك عن مجموعة من المواد الرياضية كالتربية البدنية ومادة مسار المحارب والقتال القريب، مؤكدا في حديثه مع هسبريس أن هناك أيضا تكوينا عسكريا فيما يخص الأسلحة وتفكيك الأسلحة ومجموعة من المواد الأخرى كنظام الانضباط العام وواجبات ومسؤوليات الجندي.
المرحلة الثانية هي مرحلة التخصص، مدتها ستة أشهر سيتلقى خلالها المجند تكوينا يحصل في نهايته على دبلوم في مجموعة من المجالات مثل اللياقة البدنية أو المعلوميات أو حتى الخياطة والطبخ وإعداد الحلويات وغيرها.
أما المرحلة الثالثة التي ذكرها البرغوثي، فمدتها شهران سيذهب خلالها المجند إلى ثكنة من الثكنات المنتشرة في ربوع أقاليم المملكة، للوقوف على العمل العسكري في الميدان.
تغييرات ملحوظة
زيارة هسبريس إلى الثكنة العسكرية بقصبة تادلة جاءت عقب مضي أشهر على انطلاق مدة التكوين؛ وهو ما مكن من ملاحظة تغييرات ملموسة على المجندات، سواء فيما يتعلق بجانب التكوين والانضباط وحتى الشخصية.. تغيير لمسنه هن بأنفسهن وبشهادة مؤطريهن.
تتشابه التغييرات بين أمسهن في أيام الحياة العادية ويومهن في الثكنة، وكانت العبارات التي سمعناها منهن: "أصبحت أستطيع الاستيقاظ باكرا"، "صرت أكثر انضباطا"، اكتسبت لياقة بدنية"...
وتقول بشير، إحدى المجندات، في حديثها مع هسبريس: "تغيرت في حياتي أشياء كثيرة، أصبحت أستيقظ باكرا، والأكثر من ذلك هو أن سلوكي تحسن.. تعلمت الانضباط وصرت أواظب على ممارسة الرياضة... سابقا كانت لدي فكرة خاطئة أن التجنيد هو حكر فقط على الذكور؛ لكن بعد أن خضت التجربة تبين لي العكس، فهو يطور شخصياتنا، سواء كنا إناثا أو ذكورا، ويعلمنا الاعتماد على النفس دون الحاجة إلى الغير".
وتضيف بشير: "سابقا كنت صعبة المراس.. لا أعير اهتماما لكلام أي أحد.. وكان طبعي حادا.. الآن، بت أولي اهتماما لكلام من هم أكبر مني، وإن طلبوا مني القيام بشيء سأقوم به".
التغييرات نفسها صرحت بها المجندة سميرة رضا، 20 سنة، المنحدرة من أكادير، قائلة: "تعلمت الكثير من الأشياء؛ من بينها الصبر والانضباط وروح المجموعة والتضامن وتحمل المسؤولية"، وتضيف: "التجنيد علمني الانضباط في الحياة وكيفية التصرف مع الناس، وأيضا أكسبني ثقة في النفس وطريقة تنظيم جدول لحياتي".
وترى رضا أنها اليوم بات لها هدف محدد في الحياة، مؤكدة أنه في السابق كانت تملك فكرة خاطئة عن التجنيد هي الأخرى مفادها أنه "مجال صعب"؛ لكن التجربة أثبتت لها أن صعابه هي من الأشياء التي ستفيدها في الحياة.
وتضيف: "التجنيد ليس حكرا على الرجال.. أصبحت أعي اليوم بأن النساء قادرات على الولوج إلى أي ميدان مثلهن مثل الذكور، بل ويمكنهن أيضا التميز".
وتضيف قائلة: "نحن اليوم نخضع لنفس التكوين والتدريب الذي يخضع له الذكور.. لنا نفس البرنامج ونمارس نفس الأنشطة".
من جانبها، تضيف إقبال مهداوي، 22 سنة، من مدينة الفقيه بنصالح، في حديثها مع هسبريس، أن برنامج التجنيد كان صعبا في البداية؛ لكنها مع اقتراب المرحلة الأولى منه بدأت تتأقلم والاعتياد على تفاصيله، مضيفة: "يقولون إنه في التجنيد تختفي حرية المرء.. نعم، هذا أمر صحيح؛ لأننا نلتزم بالبرنامج المسطر من قبل الإدارة، ونعمل على تطبيقه.. لكن هنالك حرية من نوع آخر حينما نكون في وقت الفراغ رفقة زميلاتي في الثكنة".
قصص مختلفة
لكل من هؤلاء الفتيات قصة تختلف عن الأخرى، لكن الأكيد هو أن وراءهن دافعا كبيرا جعلهن يقبلن على تغيير شامل في الحياة..
حالات اجتماعية كثيرة؛ منهن من فقدت أبويها، وأخريات لم يسبق أن تعرفن على آبائهن، ومنهن من عاشت حياة الشارع، وأخريات كن عاملات بالبيوت.
هسبريس قابلت مريم برنيش، واحدة من بين 241 مجندة بالثكنة العسكرية لقصبة تادلة، وواحدة ممن قست عليهن الحياة في وقت مبكر من العمر، صعاب دفعتها إلى التفكير في ترك أهلها والاشتغال بجهد جهيد لتكون لهم عوضا في حياة حرمتهم نعمة الإنجاب.
برنيش هي طفلة متبناة لأبوين عانيا العقم، حال تعرفها على حقيقة كونها متبناة عانت كثيرا قبل أن تتقبل الفكرة في الأخير؛ بل وتكون لها حافزا للتفكير في مساعدة والديها الحقيقيين اللذين كانا عوضا لها عن أبويها البيولوجيين.
تقول برنيش وهي تخفي دموعها: "طلب التجنيد كان فكرة جيدة ساعدتني في كثير من الأشياء. تغلبت على أصعب الظروف، فبعد أن اكتشفت أنني طفلة متبناة عانيت كثيرا؛ لكنني تشجعت في الأخير، عرفت من هما والدي البيولوجيين وإخوتي.. لكن قررت الاستمرار في العيش رفقة أولئك اللذين قاما بتنشئتي وأردت أن أعوضهما ولو الشيء القليل عن العطف الذي منحاني إياه منذ أول أيام حياتي".
وتضيف برنيش: "ساعدني والداي على أن أحقق واحدا من بين أحلام الطفولة ألا وهو الولوج إلى التجنيد، سانداني كثيرا وكلي أمل في أن أكون عوضا لهما في المستقبل".
وتضيف: "والداي هما أناس بسطاء.. لذلك أضطر لأعينهما من التعويض الذي أحصل عليه من التجنيد، وأبعث لهما شهريا راتبي، وأنا سعيدة؛ لأنني تمكنت من فعل ولو الشيء القليل تجاههما، وسعيدة أكثر لكونهما فرحين بهذه المساعدة".
ويستفيد المجندون من أجرة شهرية، وتعويضات، والعلاج في المؤسسات الاستشفائية العسكرية، والتغطية الصحية، والتأمين عن الوفاة وعن العجز، ومن المساعدة الطبية والاجتماعية، ومعاش الزمانة عند الإصابة بمرض خلال الخدمة.
وسبق أن حدّدت الحكومة الأجورَ والمنافع التي سيحصل عليها المُجنّدون في إطار التجنيد الإجباري، تراوحتْ ما بين 1050 درهما و2100 درهم شهريا.
وحسب مقتضيات مشروع مرسوم رقم 2.19.47، المُحدّد للأجور والمنافع المخوّلة للمجندين في إطار الخدمة العسكرية الإجبارية، فإنّ الجنود سيتلقون أجرا شهريا قيمته 1050 درهما، بينما سيحصل ضباط الصف على 1500 درهم، ويصل الأجر الشهري للضباط إلى 2100.
مجندات يحملن السلاح
برنامج المجندات لا يقتصر على ما يتلقينه داخل الثكنة العسكرية؛ بل يضم أيضا شقا مهما في الميدان..
وقد عاينت هسبريس فترة انتقال المجندين إلى المخيم العسكري الذي يقام في الهواء الطلق في نواحي قصبة تادلة.. يقطعون عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام، حاملين معداتهم وخيمهم التي ينصبونها بأنفسهم، وهناك يمضون أياما معدودات يتلقون أساسيات العمل العسكري بالميدان..
تتعدد المواد التي يتلقونها في المعسكر التدريبي، لعل أهمها هو التعرف على تقنيات رفع السلاح، خاصة أن جلهن كانت فترة التجنيد هي أول عهدهن برؤية السلاح.
حضرت هسبريس حصة التصويب، وكانت جل المجندات منضبطات؛ بل تمكنت أغلبهن من إصابة هدفهن والحصول على نقط جيدة.
تقول أحلام مرزاق، 19 سنة، المنحدرة من بني ملال، واحدة من بين المجندات اللائي حصلن على النقطة الأولى في التصويب: "أول مرة حملت السلاح شعرت بالخوف؛ لكن بعد الدروس التي تلقيتها تمكنت من التصويب والحصول على نقطة جيدة، واليوم تغلبت على خوفي بالكامل؛ وحتى إن رأيت السلاح مستقبلا لن أخافه أو أهابه".
وتضيف: "أنا فخورة لأنني ولجت هذا الميدان، هنا عاينت أشياء لم يكن يمكن أن أعاينها في الحياة العادية، تعلمت الاعتماد على النفس، الثقة في النفس والتغلب على الخوف".
فاطمة الزهراء صولا، 23 سنة، المنحدرة من الصويرة، هي الأخرى من المجندات اللائي حصلن على نقطة جيدة في التصويب بالسلاح، عبرت عن سعادتها بالتفوق الذي حققته قائلة: "تجربتي مع السلاح كانت تجربة رائعة.. والحمد لله مرت التجربة بسلام، وهذا بفضل الأطر".
وتواصل: "تلقينا دروسا حول كيفية استخدام السلاح قبل التنقل إلى الميدان.. تعلمنا خلالها وضعية الرمية وكيفية تفكيك وجمع السلاح وتقنيات الأمان، وبفضل هذه الدروس تمكنت من تسديدي جميع أهدافي خلال الدرس التطبيقي".
وتضيف قائلة: "بطبيعة الحال، كان لدي تخوف في الأول؛ ولكن بفضل الأطر وتشجيعهم استطعت التغلب على الخوف، وعشت إحساسا رائعا خلال أول تجربة في التصويب وكانت النتيجة مرضية، سواء بالنسبة لي أو للأطر التي تسهر على تكويننا".
تغيير كبير بين أول يوم لهن في الميدان وهذا اليوم، أغلبهن باتت لديهن الرغبة في إتمام المسار العسكري وأملهن كبير في الانضمام إلى صفوف القوات المسلحة الملكية عقب نهاية مرحلة التجنيد الإجباري.
أنشطة موازية
"ما يشحذ حماس المجندين، ويبقيهم متحمسين خلال مرحلة التجنيد هو كسر روتين البرنامج المشدد بأنشطة موازية"، تقول بدراوي، وتتضمن تلك الأنشطة مشاهدة أفلام في قاعة السينما والغناء وإعداد مسرحيات وحتى الموسيقى وغيرها، موضحة أن الهدف منها "هو كسر روتين النظام العسكري".
عاينت هسبريس احتفالية أعدها المجندون تزامنا مع نهاية المخيم التدريبي، احتفالية تحت ضوء القمر زادها دفئا ضوء المخيمات الذي تم إشعاله والتأم الجميع حوله بدءا بالأطر والمجندات والمجندين، خلالها قدم هؤلاء عروضا فنية متنوعة بدءا بعرض مسرحي يتحدث عن انخراط المرأة في الجندية، وصولا إلى أداء أغان وطنية على رأسها أغنية "صوت الحسن" نشيد المسيرة الخضراء.
وكان المغرب قد أعاد العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية بتعليمات من الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، الذي أمر في وقت سابق برفع عدد الفوج الأول من المستدعين إلى الخدمة العسكرية من 10 آلاف إلى 15 ألف مجند، بعدما حطم عدد المتطوعين أرقاما قياسية تجاوزت التوقعات.
ويكتسي موضوع التجنيد الإجباري أهمية كبرى في أي بلد؛ فهو معمول به أو سبق العمل به في عدد من الدول عبر العالم، بما فيها الدول المتقدمة، لكن الهدف الأساسي من الفكرة هو منح بعض فئات المواطنين تكوينا عسكرياً من أجل الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية.
لكن بعيداً عن ظروف الحرب ورغبة أي دولة في أن يكون لها جيش احتياطي مهم، فإن تكوين فئة الشباب عسكرياً لفترة محدودة يمكن من تعزيز الشعور بالوطنية والانتماء وتلقي قيم الانضباط على قدم المساواة. كما أنها فرصة لتثمين دور الجيوش في التدخلات الإنسانية، خصوصاً في حالات الكوارث الطبيعية لحماية المدنيين.
يذكر أن الخدمة العسكرية تهم الأشخاص البالغين من العمر ما بين 19 و25 سنة، مع إمكانية استدعاء الأشخاص البالغين أكثر من 25 سنة الذين استفادوا من الإعفاء لأداء الخدمة العسكرية إلى حين بلوغهم 40 سنة إذا زال سبب إعفائهم.
ويبقى المجند ملزما، حتى بعد تسريحه، بواجب التحفظ وحماية أسرار الدفاع، وخاصة في كل ما يتعلق بالوقائع والمعلومات والوثائق التي اطلع عليها خلال أداء الخدمة العسكرية. ويتعرض المخالف للعقوبات المنصوص عليها في التشريعات الجاري بها العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.