تقع مدينة الريصانيجنوب شرق المملكة المغربية، وهي تابعة إداريا لإقليم الرشيدية، وتضم عددا كبيرا من القصور التي ما زالت شاهدة على أحداث قديمة عرفتها هذه المدينة الهادئة التي بدأت ساكنتها تهاجر لظروف طبيعية واقتصادية نحو مدن أخرى بحثا عن مستقبل جديد لأبنائها. يعتمد النشاط الاقتصادي بالمنطقة بالدرجة الأولى على الفلاحة، إلا أن هذا النشاط بدأ يتراجع بشكل كبير بسبب قساوة الظروف الطبيعية وتوالي سنوات الجفاف؛ إذ تعتمد الزراعة هنا على ما يجود به سد الحسن الداخل عبر الوديان، كما تعد الريصاني من واحات النخيل الكبرى. تاريخ المدينة مدينة الريصاني من المدن التي لها تاريخ عريق باعتبارها مركزا لتأسيس الدولة العلوية، وبهذه المدينة يتواجد ضريح مولاي علي الشريف (جد العلويين)، وهو العالم المجاهد المشهور باسم مولاي علي الشريف. وأشار عدد من الباحثين والمهتمين بتاريخ مدينة الريصاني إلى أن ضريح مولاي علي الشريف يعتبر مكانا متميزا للسياح الأجانب زائري المدينة أو الزوار المغاربة، كونه يتمتع بشكل هندسي وزخرفة بطريقة جميلة ورائعة، مشيرين إلى أن القصور التي تنتشر في أنحاء الريصاني دليل على عراقة هذه المدينة المغربية التاريخية. ركود تنموي زائر مدينة الريصاني يدرك أنها تعاني من ركود تنموي خطير، وذلك بفعل غياب المشاريع التنموية التي يمكن أن تعيد هذه المنطقة التاريخية إلى الواجهة، فلا طرقات تصلح للسير، ولا مرافق للشباب لقضاء أوقات الفراغ، ولا مشاريع اقتصادية من شأنها احتواء ظاهرة البطالة. "هذا الوضع جعل السكان يتساءلون عن أحوال مدينتهم التي لا تشبه المناطق الأخرى بالجهة بالنظر إلى العجز المسجل في التنمية بها"، وفق تعبير لحسن سعدوني، فاعل جمعوي من المدنية، الذي أوضح أن الوضع التنموي بهذه المدينة التاريخية "لا يبشر بالخير، وبسببه بدأت العائلات في الهجرة هروبا من جحيم الانتظارات". الجمعوي ذاته أوضح، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "السكان أصبحوا يشتكون من نقص المشاريع من جهة، وتذبذب الخدمات في كل المجالات من جهة ثانية، ما جعلهم يطرحون العديد من الأسئلة عن دور المنتخبين المحليين، وعن المشاريع المبرمجة في الأفق، وعن سبب تهميش هذه المنطقة التي كانت مهدا للدولة العلوية"، مشيرا إلى أن "كل هذه الأسئلة بقيت إلى حدود الآن بدون جواب، كما ستبقى المدينة بدون تنمية إلا في حالة تدخل الملك محمد السادس"، وفق تعبيره. الساكنة المحلية تريد رؤية المدينة تحت التنمية الشاملة والاستفادة من المشاريع، أو بالأحرى تجسيد وعود الحملات الانتخابية للمسؤولين المتعاقبين على تدبير شؤون المدينة والإقليم والبرلمانيين حتى لا تبقى مجرد حبر على ورق، وتوفير فرص الشغل للشباب من أجل انتشالهم من قوقعة التهميش والنسيان. تاريخ المدينة يتلاشى جميلة آيت المودن، من ساكنة مدينة الريصاني، قالت في تصريح لهسبريس إن "الركود التنموي الذي تعرفه المدينة خلال السنوات الأخيرة سببه لا مبالاة المسؤولين المحليين والإقليميين والمركزيين"، مشيرة إلى أن "الملك محمد السادس يدعو في كل مرة إلى ضرورة العناية بشعبه، لكن هؤلاء المسؤولين لا يطبقون تعليمات سيدنا الله ينصره"، وفق تعبيرها. وأوضحت المتحدثة أن التاريخ العريق لهذه المدينة يتلاشى مع غياب التنمية والتهميش المفروض عليها، مشيرة إلى أن الساكنة تنتظر زيارة ملكية إلى هذه المدينة من أجل تحريك المياه الراكدة، لافتة إلى أن "الساكنة فقدت الثقة في بعض المسؤولين، وثقتها بعد الله وضعتها في جلالة الملك الذي يحس بعشبه ولا يبخل في تحقيق طموحاته وانتظاراته". ويبدو أن مدينة الريصاني تعاني من غياب أبسط متطلبات الحياة، ليبقي سكانها يكابدون عوامل طبيعية قاسية وأخرى بشرية فرضها تهرب الجهات المسؤولة من خدمة مثل هذه المناطق النائية بالإقليم، التي تساهم في المقابل في خلق التنمية في المدن الكبرى. لم يخف عدد من الجمعويين الذين تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أثناء إعداد هذا الروبورتاج، أن مدينة الريصاني تقبع في ذيل لائحة المناطق الأكثر فقرا بجهة درعة تافيلالت؛ إذ "ما يزال سكانها يتنفسون الفقر ويلتحفون التهميش والعزلة"، وفق تعبيرهم. وفي هذا الصدد، قال محسن أغريب، فاعل جمعوي بالمدينة ذاتها، إن "الريصاني لها من المؤهلات ما يجعلها جوهرة درعة تافيلالت، غير أن الضبابية التي تسود برامج التنمية غالبا ما تدفعها إلى الفشل، سواء بسبب ضعف القيادات المحلية أو انعدام التمويل المستدام، ولا أحد ينظر إلى أن مداخل التنمية في هذا المجال متعددة، وتتنوع ما بين التاريخي والثقافي والجغرافي والفلاحي والسياسي والإداري". وأضاف الفاعل الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "الحاجة إلى مخطط تنموي واضح المعالم، يقوده الفاعل السياسي بتنسيق مع الفاعلين الترابيين بمختلف مستوياتهم وبشراكة مع فعاليات المجتمع المدني بالمدينة، باتت ملحة ومصيرية لتحقيق إقلاع تنموي يأخذ بالخصوصيات السيوسيو مجالية لهذا المجال الترابي، وينهل من جذوره التاريخية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز، وهذا يقتضي بالضرورة إرساء آليات محلية لقيادة تنمية تنفتح على المخططات التنموية الإقليمية والجهوية والمركزية". البحث عن حلول وفي تعليقهم على موضوع الركود التنموي والاقتصادي الذي تتخبط فيه قلعة الريصاني التي تحمل دلالات تاريخية عريقة، أكد عدد من أبناء هذه المدينة أن "التجاهل" هو العنوان البارز الذي عبر عنه السكان في العديد من المناسبات، وكذا في الشكاوى العديدة التي طرحت على المسؤولين للنهوض بالمدينة وتأهيلها، على الرغم من احتوائها على العديد من المؤهلات الطبيعية التي لا يستفيد منها أبناؤها في ظل البطالة التي تحاصرهم. وتبقى ظروف معيشة ساكنة هذه المدينة، يقول أحد شباب الريصاني، "محدودة لكون نشاطها يتركز حول الفلاحة والسياحة والقليل من التجارة لا غير. كما أن واقع التنمية ما يزال يراوح مكانه منذ عقود على الرغم من الوعود التي يطلقها المسؤولون المنتخبون في حملاتهم الانتخابية"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "جميع أنحاء المدينة بدون استثناء تتخبط في دوامة من الحرمان والفقر والتهميش منذ عقود من الزمن"، مشيرا إلى أن "الريصاني في حاجة إلى مشاريع تنموية كبرى قادرة على تغيير الوضع ووقف نزوح السكان إلى المدن المجاورة بحثا عن حياة جديدة"، موردا أن "عجلة التنمية بهذه المدينة يبدو أنها معطوبة وتحتاج إلى من يصلح عطبها"، وفق تعبيره. مسؤولون لا يردون وحاولت جريدة هسبريس الإلكترونية التواصل مع عدد من المسؤولين المحليين بمدينة الريصاني لنيل تعليقاتهم على الموضوع، إلا أن هواتف بعضهم لم تكن مشغلة والبعض الآخر رفض الإدلاء بأي تصريح، معتبرين أنهم غير معنيين بالموضوع، في حين قال بعضهم إنهم ليسوا مخولين بالإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام. في المقابل، طالب عدد من الجمعويين الجهات المسؤولة على مستوى مدينة الريصاني بتنظيم يوم دراسي لتسليط الضوء على موضوع التنمية بالمدينة من أجل إيجاد حلول لهذا الركود وفق منهجية تشاركية مع فعاليات المجتمع المدني وخبراء في التنمية، مشددين على أنهم على أتم الاستعداد لتقديم اقتراحات بناءة في هذا الصدد قادرة على تغيير الوضع الحالي إلى ما هو أفضل.