تحتضن مدينة الرشيدية، عاصمة جهة درعة تافيلالت، المعروفة سابقا ب "قصر السوق"، أكبر واحات النخيل على المستوى الوطني، وتعد من المناطق الأكثر إنتاجا للتمور من أجود الأنواع، وتضم مؤهلات كبيرة وكثيرة كان بالإمكان أن تجعل من المدينة مركزا اقتصاديا بامتياز لو تم استغلال هذه المؤهلات بالشكل الصحيح. تم تأسيس مدينة الرشيدية، أو قصر السوق، حسب عدد من المهتمين بتاريخها، سنة 1912 على يد الفرنسيين الذين قدموا إليها انطلاقا من مدينة وجدة، فأسسوا بها قاعدتهم العسكرية لتشرف على قصور "مدغرة" التي كانت تضم آلاف المقاومين من أهالي تافيلالت الرافضين للوجود الاستعمار الفرنسي بالمغرب بصفة عامة، وليس بالمنطقة فقط. رغم التاريخ العريق لهذه المدينة ومقاومتها للمستعمر الفرنسي، وكونها قريبة من الريصاني مهد الدولة العلوية، إلا أنها تعاني ركودا تنمويا مخيفا، وغيابا للمشاريع التنموية والاقتصادية القادرة على تحقيق ولو جزء من مطالب الساكنة المحلية التي يعيش نصفها على عائدات أبنائهم العاملين بمدن الداخل والمهاجرين، وعلى القليل من الفلاحة. مدينة عريقة بملامح فقيرة في الوقت الذي يسهم فيه قطاع السياحة في التنمية المحلية بعدد من المدن المغربية، تبقى مدينة الرشيدية بعيدة عن ذلك على الرغم من توفرها على مؤهلات طبيعية وعمرانية وثقافية مختلفة، ورغم من موقعها الجغرافي المتميز كذلك. حسن جمال الدين، من المهتمين بالشأن العام المحلي ب "قصر السوق"، يرى أن مدينة الرشيدية تحتاج إلى برامج للتعريف بالمآثر التاريخية التي تزخر بها، وأن الركود التي تعيشه المدينة في عدة مجالات يستدعي إخراج النقاش حوله إلى الواجهة، خصوصا "التهميش" على المستوى السياحي، والتنمية بصفة عامة، مقارنة بعدد من مدن درعة تافيلالت أو بعدد من المدن العتيقة بمختلف جهات المملكة. بعد أن جدد التأكيد على أنها تتوفر على مؤهلات تمكنها من لعب دور كبير في المجال السياحي، لفت المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، الانتباه إلى أن "قصر السوق" تفتقر إلى بنية تحتية كافية لاستيعاب السياح، وعلى رأسها الفنادق، داعيا في الوقت نفسه المسؤولين إلى العمل على توفير فرص الشغل في مجالات مختلفة وعدم التركيز على السياحة فقط. من جهتها، قالت جميلة بناصر، طالبة باحثة بالرشيدية، إن "مدينة الرشيدية لها تاريخ عريق لكن ملامح وجهها لا تخفي فقرها وفقر أهلها"، مشيرة إلى أن" الدولة أصبحت ملزمة بصياغة برنامج تنموي جديد قادر على تحقيق المطالب التي ما فتئ الشارع العام يطالب بها، والحد من التفاوتات التنموية التي يعرفها المغرب بين هذه المدينة وتلك"، بتعبيرها. وشددت المتحدثة نفسها على أن "مدينة الرشيدية، التي هي عاصمة الجهة، من المدن الفقيرة، وهو ما لا يمكن الاختلاف عنه"، داعية المجلس الجماعي للمدينة والمجلس الجهوي وباقي السلطات الإدارية إلى "ضرورة الاستماع إلى مطالب الساكنة قبل فوات الأوان"، على حد قولها. بدون عمل تفاقمت معاناة شباب مدينة الرشيدية مع الواقع المرير نتيجة الفقر المتفشي في أوساطهم الناجم عن البطالة الخانقة، وانعدام مشاريع تنموية واقتصادية توفر لهم فرص العمل لانتشالهم من الضياع ومختلف الآفات الاجتماعية التي تتربص بهم بسبب الفراغ القاتل الذي يتخبطون فيه. شباب من مختلف الفئات العمرية، منهم حاملو الشهادات ومنهم من غادر فصول الدراسة بسبب الفقر، جمعت بينهم خيبة الأمل واليأس، بسبب وضعهم الاجتماعي الذي يصفونه بالمزري، نظرا إلى البطالة التي أضحت تنخرهم يوما بعد يوم وغياب فرص الشغل بالرشيدية. العشرات من هؤلاء الشباب عبروا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أثناء إعدادها لهذا الروبورتاج، عن فقدانهم الأمل في المستقبل بسبب ما عاشوه ويعيشونه من فقر وتهميش، موضحين أن "الجميع متساوون بهذه المدينة، سواء كانوا من حملة الشهادات أو حملة السواعد، وما يجمع بينهم هو الفقر وخيبة أمل"، وفق تعبيرهم. غياب فرص العمل جعل شبانا كثرا يعبرون عن رغبتهم في هجرة المدينة نحو المدن الداخلية أو ركوب أمواج البحر للوصول إلى أوروبا "الفردوس المنشود"، يقول ميمون بنعلي، شاب حاصل على الماستر لكنه بدون عمله، مضيفا أن "ما يشعر به الشباب العاطلون من يأس وإحباط هو بسبب فقدان الأمل في مستقبل واعد في مدينة ولدوا وترعرعوا فيها نتيجة غياب مشاريع تنموية واقتصادية"، يقول المتحدث ذاته. وأوضح بنعلي، في تصريح لهسبريس، أن "غياب التنمية الاقتصادية أو ضعفها بمدينة الرشيدية من أهم المشاكل التي جعلت الشباب يفكرون في حلول أخرى، على الرغم من أن بعض الحلول تكون خطيرة، منها الهجرة السرية"، مشيرا إلى أن "الشباب فقدوا الأمل في المسؤولين، وكل أملهم في جلالة الملك محمد السادس نصره الله للاستماع إلى رعاياه"، وفق تعبير المتحدث. زيارة ملكية هي الأمل خلال إنجاز هذا الربورتاج عن الوضع التنموي والاقتصادي بمدينة الرشيدية، طالب عدد من أبناء المدينة، الذين وصفوها "بالمهمشة اجتماعيا واقتصاديا والمغضوب عليها مقارنة ببعض المدن الأخرى"، بزيارة للملك محمد السادس. ويأتي طلب الاستغاثة إلى ملك البلاد من طرف هؤلاء الشباب بعد أن "استنفدت ساكنة الرشيدية كل الوسائل المتاحة للمطالبة برفع العقاب الجماعي الذي طالها، والذي جاء ضدا على الرغبة الملكية في جعلها تلحق بركب المدن التي عرفت تحولات جذرية منذ توليه العرش"، وفق تعبير إبراهيم أعريم، من ساكنة المدينة. وأضاف المتحدث نفسه أن أهل الرشيدية "كلهم أمل في زيارة ملكية تفتح باب المحاسبة لكل من ساهم من قريب أو بعيد في جعل مدينة الرشيدية تحت وطأة الخراب والدمار طيلة سنوات"، لافتا إلى أن هذه الدعوة موجهة إلى الملك من أجل "الوقوف على واقع المدينة الذي لا يعكس أي وجه للتنمية". ويرى هؤلاء الشباب أن زيارة الملك إلى الرشيدية، التي وصفوها ب"المنسية"، ستعمل على "رفع التهميش وجبر الضرر الجماعي الذي أصاب المدينة والساكنة"، معتبرين أن "الحوار مع مسؤولي المدينة، سواء المنتخبين أو الإداريين، غير ذي نفع"، مشيرين إلى أن "المسؤولين ينتهجون سياسة التسويف وإرضاء الخواطر". رأي مسؤول جماعي بعدما حاولنا الاتصال برئيس جماعة الرشيدية مرات عدة دون مجيب، أكد عضو من الأغلبية بالجماعة أن المدينة ستعرف عدة مشاريع تنموية قريبا. وقال المصدر ذاته إن "بعض الجهات الرسمية ليس في صالحها أن يقوم مجلس الجماعة بأي مبادرة تنموية، كونه يسيّر من طرف حزب العدالة والتنمية". ودعا المتحدث، في تصريح مقتضب لهسبريس، وزارة الداخلية إلى "فتح تحقيق في الجهات التي تعرقل التنمية في هذه المدينة وعدم تحميل المسؤولية للجماعة"، على حد تعبيره.