تتواصل معاناة الأقاليم المكونة لجهة درعة تافيلالت، الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب، مع جملة من النقائص في مجالات مختلفة، خصوصا تلك المتعلقة بالمجال الصحي والتعليم والطرق والشغل وغيرها من النقائص، التي أثقلت كاهل الساكنة المحلية، وجعلتها تعيش في قهر مستمر، ويومياتها يطبعها البؤس والشقاء الذي صنعته سياسة الحرمان والإقصاء المنتهجة من قبل المسؤولين الحكوميين والجهويين، الذين أسقطوا هذه الأقاليم من اهتماماتهم، وفق تعبير المسؤولين والجمعويين الذين استقت جريدة هسبريس الإلكترونية آراءهم بخصوص "تعثر التنمية بالجهة". العشرات من المواطنين بمختلف أقاليم زاكورة وورزازات وتنغير والرشيدية وميدلت، الذين تحدثوا إلى جريدة هسبريس الإلكترونية، أكدوا في تصريحات متطابقة أن "المشاكل والعراقيل اجتمعت على هذه المناطق إلى درجة أصبحت لا تحتمل، خصوصا أن هذه المناطق لا تزال تعاني مظاهر التخلف والفقر"، مضيفين أن "الحل الوحيد لتجاوز هذه النقائص وتحقيق الإقلاع التنموي بالجهة هو زيارة ملكية لمختلف هذه الأقاليم، لجلب اعتمادات استثمارية مالية كبيرة إليها، أسوة بباقي المناطق الداخلية بالمملكة". صالح ازواوي، وهو فاعل جمعوي بمنطقة تنغير، أكد أن الركود التنموي، الذي تعرفه جميع أقاليم درعة تافيلالت، ساهمت فيه مجموعة من الجهات، وكذا المجتمع المدني والسلطات المنتخبة والسلطات الإدارية. هذه الأخيرة قال إنها تقدم إلى السلطات الإدارية المركزية تقارير مغلوطة وغير مبنية على الواقع، متهما ما وصفهم ب "البيادق" الحزبية بكونهم هم من يضعون "العراقيل" في طريق التنمية مقابل تحقيق مصالحهم الخاصة. وطالب المجلس الجهوي والمجالس الإقليمية بتبني رؤية تنموية مستقبلية وواضحة المعالم لإخراج هذه المناطق من عزلتها التنموية والاقتصادية، حسب تعبيره. ما هي الأسباب الحقيقية وراء تأخر الإقلاع التنموي بأقاليم درعة تافيلالت؟ هل هو تهميش مقصود من السلطات المركزية، أم غياب الإرادة لدى الفاعلين المحليين؟ وما دور الفاعلين السياسيين الجهويين والإقليميين وممثلي الجهة في قبة البرلمان في الركود التنموي الذي عرفته المنطقة ومازالت تعيشه؟ ثلاثة أسئلة وجهتها هسبريس إلى مجموعة من الفاعلين السياسيين والمدنيين، الذين اختلفت آراؤهم، بين من اتهم الحكومات السابقة بتهميش المنطقة، وعدم إعطائها ما تستحقه من أهمية، رغم الثروات التي تستخرج منها، وبين من وجه اللوم إلى السياسيين، الذين يتعاركون فيما بينهم من أجل مصالحهم الشخصية، ونسوا المصلحة العامة، فيما طرف آخر يتهم الفاعلين المدنيين أنفسهم بالتزام الصمت، رغم المعاناة. تحديات ورهانات مولاي عبد الرحمان الدريسي، مستشار برلماني عن حزب الحركة الشعبية، أكد أن "كل الأقاليم المكونة لجهة درعة تافيلالت مازالت تعاني الركود التنموي بشكل كبير"، موضحا أن "الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام الوطني لم تضع في أولويات برامجها التنموية هذه الأقاليم الفقيرة و"المفقرة" التي قاموا بجمعها في جهة واحدة، مما يحتم على المجلس الجهوي الرفع من وتيرة اشتغاله لتدارك هذا النقص الحاصل على جميع المستويات منذ سنوات". وأضاف الدريسي أن "جميع أقاليم درعة تافيلالت، بدون استثناء، في حاجة إلى مشاريع كبيرة ومهيكلة لتحقيق جزء من مطالب الساكنة"، مشيرا إلى أن "جهة درعة تافيلالت وبسبب السياسة المنتهجة منذ عقود، صارت في مؤخرة قطار التنمية"، مشيرا إلى أن "فوارق كبيرة تراكمت منذ عقود في أقاليم الجهة، جعلتها تتخلف بكثير عن ركب التنمية في الجهات الاثنتي عشرة الأخرى، خصوصا أن الجهة لديها خصوصية تتمثل في كونها مترامية الأطراف بنسبة كبيرة، وأغلب سكانها منتشرون في البوادي والقرى الجبلية". وأوضح البرلماني ذاته، في حديثه لهسبريس، أنه "لم يكن هناك ترافع كاف للرفع من مستوى المعيشي لهذه المنطقة في غرفتي البرلمان"، مضيفا أنه "لتدارك هذه الأمور اجتمع البرلمانيون المنتمون إلى الجهة في تنسيقية تضم جميع الفرقاء، قصد وضع برنامج ترافعي برؤية تنموية قائمة على تشخيص التحديات والرهانات التنموية للجهة، في مختلف المجالات، خصوصا إشكالات الماء وملف الصحة وإحداث مستشفى جامعي بالجهة، ومطلب بناء جامعة قائمة الذات، ومشاريع أخرى اقتصادية لتوفير فرص الشغل لأبناء الجهة". وأكد "أن البرلمانيين أعلنوا نيتهم التوجه إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، باعتباره مؤسسة دستورية، من أجل إعداد نموذج تنموي خاص بالجهة، إضافة إلى المطالبة بتفعيل وتسريع إخراج الصندوقين الخاصين بالجهوية المتقدمة وفق المقتضيات الدستورية ذات الصلة بالموضوع، وهو ما سيشكل فرصة للرفع من هذه الوتيرة". وذكر الدريسي أن من بين المطالب ذات الأولوية، التي يجب الترافع عنها، بناء نفق تشيكا، الواقع بين ورزازات ومراكش، والمرافعة على تثنية الطريق بين مكناسالرشيدية، عبر نفق زعبل، مشيرا إلى أن هذين المطلبين هما الانطلاقة الحقيقية للإقلاع التنموي بالجهة. وأكد أنهما ضمن أولويات ترافع البرلمانيين والمنتخبين والساكنة، مشيرا إلى "ضرورة الترافع أيضا لمعالجة إشكال المنظومة الضريبية لتحفيز الاستثمار وخلق مناصب الشغل بالجهة، وإطلاق دينامية جديدة لاستثمار المؤهلات السياحية والسينمائية والمعدنية والطاقية المميزة للجهة، وتثمين الخصوصيات ذات العلاقة بالواحات والمناطق الجبلية". الانقسام سبب التعثر يرى حسن بوهوش، الفاعل الجمعوي بمنطقة اكنيون، والأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة بتنغير، أن تعثر الإقلاع التنموي لجهة درعة تافيلالت موزع بين أسباب كثيرة، منها ما له علاقة بتشتيت أقاليم الجهة بين جهتي مكناس تافيلالت وجهة سوس ماسة درعة، وغياب تأثير المستشارين الجهويين لهذه الأقاليم داخل المجالس الجهوية للجهتين المذكورتين، مشيرا إلى أن "التطاحنات المجانية بين مختلف المنتخبين الممثلين لأقاليم الجهة، وطغيان الأنا والشخصنة على بعض الأحزاب جعلت الانقسام سببا آخر لتعثر أي مبادرة للإقلاع التنموي". وأوضح بوهوش، في تصريحه لهسبريس، أنه "بخروج جهة درعة تافيلالت إلى حيز الوجود منذ سنتين، نسجل استمرار طغيان الأنا والتفكير في التوسع الحزبي والهيمنة على تدبير رئاسة الجهة للشأن الجهوي"، مضيفا أنه "يكفي أن مصادقة المجلس على 54 اتفاقية مع الجمعيات ليست إلا دليلا على الهاجس الذي يحكم برمجة ميزانية الجهة". وأوضح قائلا: "لسنا ضد استفادة الجمعيات من الدعم العمومي، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب ولوج المواطنين إلى الخدمات الأساسية". وأضاف أن "العطل يضرب أطنابه في أغلب مناطق الجهة"، مؤكدا أن "غياب الطرق و مستشفيات وغيرها هي أولوية الأولويات". وقال إن "الجميع وطنيا وجهويا يتفق على أن الجهة فقيرة دون أن ندخل في جدل فارغ حول فقرها"، مضيفا "نحن الآن أمام وضعية، وملزمون جميعا بالعمل على تجاوزها، وعلى كل الفرقاء أن يضعوا في حسبانهم المصير المشترك لكل ساكنة الجهة، فبدون تحفيز ضريبي، وبدون استثمارات خاصة، وبدون تدابير تسهل الولوج إلى الجهة في وقت قصير، لن تكون هناك جهة بالمواصفات التي ننشدها، وكل هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق بدون عمل جماعي وصف واحد". واختتم تصريحه بالقول: "على الجميع أن يعي أن هذه الجهة لا هيمنة فيها لأحد على أحد، ولا أحد منتصر والآخر منهزم، كما يروج البعض، وسيدرك الجميع أن الجميع منهزم ولو بعد حين". زيارة ملكية سعيد آيت امحمد، الفاعل الجمعوي بإقليم ميدلت، وحمو الكيسان، المتتبع للشأن الجهوي، وهو من ضواحي أوفوس بالرشيدية، أكدا، في تصريح متطابق لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن زيارة الملك لهذه الأقاليم شبه "المنسية"، وقضاء بعض الأيام فيها، يقوم فيها بزيارة الجماعات الترابية والقرى التابعة لها، ستكون لها انعكاسات جد إيجابية، خصوصا أن الملك معروف عنه أن المنطقة التي يزورها يقوم بتدشين مشاريع تنموية، حسب تعبيرهما. واتهما القائمين على تدبير المجالس المنتخبة المحلية والإقليمية والمجلس الجهوي بعدم امتلاكهم أي رؤية تنموية مستقبلية واضحة المعالم، يمكن الاعتماد عليها لتحقيق الإقلاع التنموي المنشود، واصفين عمل هذه المجالس، خصوصا المجلس الجهوي، بغير الجدي ولا يهدف إلى تطوير المنطقة وتحقيق هدف التنمية، التي ما فتئ يدعو إليها الملك محمد السادس لتحقيق مطالب المواطنين. ووجه المتحدثان رسالة شديدة اللهجة إلى المسؤولين بمجلس درعة تافيلالت، يطالبان فيها بضرورة تشخيص التحديات والرهانات وانتظارات المواطنين، قصد الاستفادة منها في إعداد برنامج التنمية الجهوية، مضيفين أن "الخطاب الملكي ما قبل الأخير واضح وضوح الشمس". وطالبا كل من لا يريد الاشتغال من أجل تحقيق انتظارات السكان التابعين لإدارته بوضع استقالته، وفسح الطريق للراغبين في تحقيقها. كما طالبا الملك محمد السادس بزيارة المنطقة لانتشالها من قوقعة التهميش والنسيان وخلق فرص الشغل. ولأخذ تصريح من الحبيب الشوباني، رئيس مجلس جهة درعة تافيلالت، في موضوع تأخر الإقلاع التنموي بأقاليم الجهة، اتصلت جريدة هسبريس الالكترونية به، ووعدها بأنه سيجيبها عن بعض الأسئلة، إلا أنها لم تتوصل بأي جواب منه.