أثارت تشكيلة اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي تم تعيينها من طرف ملك البلاد يوم 12 دجنبر ملاحظة مركزية، وهي خلوها من الانتماءات الحزبية واقتصارها على الكفاءات والخبرات المغربية من مجالات مختلفة. فالأعضاء مشهود لهم بالمساهمة الفعالة في مجالات تخصصهم وانفتاحهم على قضايا المجتمع وتطلعات المواطنين. فعلى الرغم من تواتر الخطب الملكية وحثها الأحزاب السياسية على الانفتاح على الأطر والكفاءات الشابة، ظلت القيادات الحزبية على نهجها؛ الأمر الذي أفقدها ثقة المواطنين والملك مع. ولم يُخف الملك هذه الحقيقة بل صارح الأحزاب بها في خطاب العرش لعام 2017 كالتالي (وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟ لكل هؤلاء أقول: "كفى، واتقوا الله في وطنكم... إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا". لم تستوعب الأحزاب مضمون الرسالة وباتت تشكل عائقا أمام التطور السياسي. من هنا يمكن أن نستنتج أهم الرسائل الملكية المباشرة للأحزاب السياسية من خلال تشكيلة اللجنة المكلفة بصياغة النموذج التنموي الجديد كالتالي: 1 إبعاد الانتماء الحزبي لأعضاء اللجنة. فالأحزاب عبرت عمليا عن عجزها الفظيع في إنجاز ما طلبه منها الملك: أ عجزت عن تقديم تصور متكامل للجهوية الموسعة في الأقاليم الصحراوية. ب عجزت عن استقطاب الكفاءات، سواء في الترشح للانتخابات أو تقديم برامج انتخابية تستجيب لانتظارات المواطنين. ج عجزت عن تقديم مشروع نموذج تنموي يتجاوز معيقات التنمية بطلب من الملك. فالأحزاب لم يعد يشغلها سوى الريع السياسي والانتخابي وما يحققه من مناصب ومكاسب. 2 إبعاد رئيس الحكومة سواء عن الإشراف على عمل اللجنة أو العضوية فيها أو اقتراح أعضاء بها. فالملك يدرك أن رئيس الحكومة عديم الكفاءة وعاجز حتى في البحث عن الكفاءات. والدليل على هذا الفشل البيّن الذي أبان عنه رئيس الحكومة في مهمتين أساسيتين: المهمة الأولى: تتجلى في إعداد برنامج للتشغيل بطلب من الملك، حيث طلب مهلة إضافية بعد انقضاء الأجل المحدد له، ورغم ذلك لم يقدم البرنامج المطلوب منه. المهمة الثانية وهي إعادة تشكيل الحكومة بإدماج الكفاءات الوطنية، حيث فشل رئيس الحكومة في البحث عن الكفاءات فغيّر عديمي الكفاءة بأسوأ منهم. وإذا كان رئيس الحكومة بهذا الفشل، فكيف ستكون برامجه القطاعية؟ أكيد أن الرتب الأخيرة التي يحتلها المغرب في مجالات التعليم والصحة والتنمية البشرية هي نتيجة حتمية لتغييب الكفاءات والتكالب على المناصب والريع. 3 إدماج الكفاءات الوطنية من مختلف المجالات والتخصصات والجهات الترابية. وهذه رسالة صريحة وقوية لرئيس الحكومة وللأحزاب السياسية مفادها أن هؤلاء جميعا عجزوا عن البحث عن الكفاءات ومنحها المجال لتولي المسؤوليات الحكومية أو المجالس الترابية، ليس لكون الكفاءات الوطنية منعدمة ولكن للحسابات السياسية الضيقة ولاعتماد المحسوبية في إسناد المناصب، بينما وجدها الملك فأسند إليها مهمة إعداد النموذج التنموي الذي يتطلع إلى الشعب المغربي. 4 إعطاء الفرصة للكفاءات النسائية وإدماجها في صياغة مستقبل المغرب. ففي الوقت الذي تُبعد فيه الأحزاب والنقابات الكفاءات النسائية وتهمّشها، نجد الملك ينيط بها مسؤولية وطنية تهم الشعب والوطن معا. 5 إبراز أن خدمة الوطن تعلو على الانتماءات الحزبية والإيديولوجية، ومتى تدخلت الحزبية والإيديولوجية في أي عمل أو مشروع إلا وانتهى إلى الإفلاس. 6 التأكيد على أن عنصر الكفاءة هو الذي ينبغي أن يحكم تشكيل اللجان والحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة. إذن، المغرب لا يفتقر إلى الكفاءات والأطر الشابة، بل يفتقر إلى حكومة وقيادات حزبية غير مؤهلة لقيادة البلاد وإدارة الشأن العام. ومهما كانت صياغة النموذج التنموي دقيقة وموضوعية وطموحة، فإن القيادات الحزبية الحالية بعقليتها الإقصائية والمتلهفة إلى الريع ستكون العائق الرئيسي أمام التطبيق الأمثل لهذا النموذج التنموي.