كانتا شابتين في العشرينات من عمرهما، تدرس إحداهما العلاج الطبيعي، وتمتهن الأخرى الطب البيطري، وتميزت كل منهما بالعمل الدؤوب. وقد تعرضت الاثنتان للاغتصاب الجماعي بصورة وحشية، في حادثين تفصل بينهما سبعة أعوام، وأسفرا عن وفاة إحداهما متأثرة بجروحها، بينما تعرضت الأخرى للقتل. وأدى الهجوم على نيربايا، التي كانت تبلغ من العمر 23 عاما، في حافلة متحركة بالعاصمة الهندية في 16 من ديسمبر 2012، لموجات من الصدمة في أنحاء الهند، حيث امتلأت الشوارع بالمحتجين الذين طالبوا بحماية أفضل للنساء. وفي 27 من نوفمبر الماضي، تم اغتصاب الطبيبة البيطرية الشابة ديشا، التي كانت تبلغ من العمر 27 عاما، في ضواحي حيدر أباد، وهي واحدة من أكبر المدن في جنوبالهند؛ وقد تم العثور على جثتها المتفحمة - التي تم إضرام النيران فيها لطمس أي أدلة - في صباح اليوم التالي. ويمثل الحادثان حالتين فقط من بين 30 ألف حالة اغتصاب يتم إبلاغ الشرطة بها كل عام في الهند. وعلى الرغم من أن عدد السكان في الهند يبلغ 3،1 مليارات نسمة، فإن الأعداد مرتفعة بالمقارنة بالدول الأخرى. ويقول النشطاء إن هناك عددا أكبر بكثير من حالات الاغتصاب لا يتم الإبلاغ عنها. وتم عام 2017 الإبلاغ عن 223 حالة اغتصاب جماعي وجريمة قتل، وهو أحدث عام تتوفر فيه بيانات في هذا الشأن. وتقول رانجانا كوماري، وهي ناشطة في مجال المساواة بين الجنسين: "الأنظمة ذات الجذور العميقة في المجتمع تعمل على استمرار هذا العنف". ويبدأ التمييز ضد النساء في الهند حتى قبل ولادتهن، إذ يتم إجهاض آلاف النساء الحوامل بإناث كل عام، في بلد يولي أهمية خاصة للأطفال الذكور. ونتيجة لذلك، هناك 940 امرأة لكل 1000 رجل، حسب التعداد الخاص بعام 2011. ويستمر التمييز في ما بعد، إذ تعاني الفتيات من معدلات أعلى من سوء التغذية، وتتمكن أعداد أقل منهن من الالتحاق بالتعليم المدرسي، وإيجاد فرصة عمل؛ وعندما يحدث ذلك، يحصلن على أجر أقل. ويقول عالم الاجتماع سانجاي سريفيستافا: "هناك تغيير، ولكنه بطيء ومحدود، ويؤدي إلى مجموعة من المشاكل الخاصة به، إذ يتم فتح مساحات عامة حضرية جديدة للنساء - مناطق جديدة مخصصة للمكاتب، وأماكن معيشة جديدة، حيث تدخل الشابات وعادة ما يتعرضن للعنف". ويضيف سريفيستافا أن المشكلة هي أن "التغييرات تحدث لعدد صغير من الناس. ويتخلف الكثير والكثير عن هذا الركب". ويقول علماء الاجتماع وخبراء دراسات المساواة بين الجنسين إن أعداد النساء اللاتي يلتحقن بالمدارس والكليات ويذهبن إلى العمل تتزايد بصورة أكبر وأكبر، وهو تحول يصعب التعامل معه في المجتمع الذكوري التقليدي في الهند. ويقول الخبراء إن الكثير من الرجال يشعرون بالخطر بسبب المرأة الهنديةالجديدة، ويشعرون بالغضب والإحباط. وعندما تُرتكب الجرائم فإن الشرطة والقضاء اللذين يسيطر عليهما الذكور يفتقران إلى الحساسية بشأن تلك القضايا. ويفشل نظام العدالة الجنائية في الرد على تلك الجرائم بشكل مناسب، إذ بلغت نسبة الإدانة في قضايا الاغتصاب 32 بالمائة عام 2017. ويشعر والدا ضحية حادث الاغتصاب الذي وقع في حيدر آباد بأنهما فقدا وقتا ثمينا عندما ردت الشرطة ببطء على شكواهما بشأن ابنتهما المفقودة. ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن الوالد قوله إن الشرطة سألت أيضا "أسئلة غير مناسبة" بشأنها. وتقول كوماري إنه من الضروري أن تقوم الشرطة بإصلاحات من أجل تحسين الوضع، كما دعا نشطاء منذ فترة طويلة إلى المزيد من التركيز على التدريب. ولكن العامل الأكثر أهمية هو نقص الإرادة السياسية، حسب كوماري، التي تضيف أن "سلامة المرأة ليست قضية ذات أولوية بالنسبة للسياسيين". وتعتبر "منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج" التطوعية الوطنية الخط الأيديولوجي لحزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الحاكم في الهند. وتقول كوماري إنه "لا يوجد لدى /منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانج/ مكان للنساء"، مشيرة إلى أن تلك المنظمة "مدفوعة بثقافة ذات هيمنة ذكورية". من ناحية أخرى، يرفض حزب "بهاراتيا جاناتا" مثل هذه المزاعم. وهناك سبب آخر لارتفاع مستويات العنف ضد النساء في الهند والتسامح معه، وهو النظام الإقطاعي الراسخ، ونظام الطبقات الهرمي، الذي يختلط بمستويات التعليم المنخفضة ونقص الفرص الاقتصادية. وفي الوقت الحالي، يشير سريفيستافا إلى أن طرق التعامل المقترحة مع العنف الذي يستهدف النساء غالبا ما تكون تقنية، مثل توفير المزيد من الدوائر التليفزيونية المغلقة، أو مزيد من الإنارة في الشوارع، أو توفير تطبيقات إلكترونية تساعد النساء على الإشارة إلى الخطر. وتقول كوماري إن أي مجتمع يحتاج إلى وقت للتغيير، وإن "مجتمعا يتسم بالتعقيد" مثل الهند يحتاج إلى وقت أطول. *د.ب.أ