على بعد حوالي 46 كلم من مدينة بني ملال، عاصمة جهة بني ملالخنيفرة، وبمحاذاة الطريق الوطنية رقم 08 الرابطة بين أكادير وفاس، تتواجد بلدة أولاد عياد التابعة إداريا لإقليمالفقيه بنصالح المحدث سنة 2010. أحدثت هذه الجماعة الترابية بمقتضى المرسوم رقم 651-92-2 بتاريخ 17 صفر 1413 الموافق ل 17 غشت 1992، المعدل للمرسوم رقم 468-92-2 بتاريخ 28 ذي الحجة 1412 الموافق ل 30 يونيو 1992 المتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة المغربية؛ وأصبحت تابعة لعمالة إقليم الفقيه بن صالح في مارس 2010 بعد التقسيم الإداري الجديد للعام ذاته، بعدما كانت قبل سنة 1984 مجرد تجمع سكاني صغير تابع للجماعة القروية سوق السبت اولاد النمة، قبل أن ترتقي سنة 1992 إلى مستوى بلدية، وفي سنة 2003 إلى مستوى باشوية. عدد سكان بلدة أولاد عياد يقترب من 26.000 نسمة، ومساحة محيطها الحضري لا تتجاوز 07 كلم2؛ في حين تصل الكثافة السكانية بها إلى 3067 نسمة في كل كلم2؛ أما نسبة النمو الديموغرافي بها فتشهد تطورا ملحوظا، إذ انتقلت من 7500 سنة 1971 إلى 11000 سنة 1982 ثم إلى 21466 سنة 2004. وتتميز أولاد عياد أو ما تعرف بالمنطقة ب"خميس أولاد عياد" بمناخ متوسطي قاري شبه جاف، يكون في الشتاء باردا ورطبا، وخلال الصيف حارا وجافا، كما تعرف تساقطات غير منتظمة على طول السنة، وتسودها رياح الشرقي، خاصة في فصل الصيف، إذ تهب من الجنوب مخلفة موجة من الحر الشديد. أغلب القاطنين بهذه البلدة، القابعة بأسفل الجبل الذي كان عبر التاريخ يشكل حدا فاصلا بين قبائل نتيفة الأمازيغية وقبائل بنو هلال العربية المتمركزة في الشاوية، يعيشون على عائدات الفلاحة وتربية المواشي، أما الباقون فإما متقاعدون أو يحترفون مهنا مختلفة تتوزع بين التجارة والبناء والأعمال اليدوية، إلى جانب فئة أخرى تعيش من عائدات أبنائها بالمهجر. هسبريس زارت أولاد عياد، حيث رصدت مجموعة من المرافق العمومية، من ضمنها مؤسسات تعليمية، ومستوصف صحي، وملعب سوسيو رياضيي ودار للثقافة، ومركز للبريد ودار للطالب والطالبة، ومركز للفتاة في طور الإنجاز، ومركز للدرك، وملعب رياضي؛ فضلا عن معمل للسكر يعتبر معلمة للمدينة بحكم وجوده بمحاذاة الطريق، حيث يسهل على الزائر التعرف على الجماعة. بالقرب من وحدة سوتا التابعة لشركة كوسومار، وعلى طول الطريق المؤدية إلى قلب الجماعة، تستقبلك "مدارة صغيرة" بها أحجار دائرية مطلية بالجير، شكلها المثير يستفز ذهن الزائر للتساؤل عن نوعية المشاريع المنجزة، قبل أن يمنحه خيار الدخول إلى المدينة سواء من الجهة الجنوبية عبر الطريق المؤدية إلى آيت اعتاب أو مباشرة عبر الجهة الغربية. بأولاد عياد أغلب الأحياء تتشابه، خاصة منها الهامشية؛ أزقة ضيقة وسواقي تقليدية للمياه العادمة، وأزبال، وشوارع بلا عنوان، واحتلال فاضح للملك العمومي، وبطالة مقنعة تخفيها عربات بائعي "الديتاي" وأصحاب الأكلات الخفيفة على الأرصفة، وبعض بائعي الدجاج والخضر والفواكه الطازجة بالشارع الرئيسي للبلدة، وقبالة مدرسة مركزية كانت من أولى المؤسسات التعليمية بالمنطقة، والتي للإشارة بحت حناجر أطرها التربوية من أجل إيجاد بديل للفراشة الذين يرابطون أمامها منذ سنوات، لكن بدون جدوى. على بعد أميال قليلة من قلب البلدة يأخذك الشارع الرئيسي في حالة ما إذا ما وليت وجهك شطر الجنوب الشرقي نحو حي الرياض، حيث الدال لا يناسب المدلول، وحيث يمسي التشخيص لواقع العشرات من البنايات العشوائية مجرد مجازفة؛ إذ "لا شيء يشفع للسلطات في أن تربط واقع هذا الحي بالربيع العربي، مادام الربيع لا يزرع الإسمنت"، يقول أحد القاطنين بالحي. وحي الرياض للإشارة لا يحمل من المؤشرات التنموية إلا الاسم، وهو إلى جانب ذلك مجرد "حالة معزولة من البناء الأصم" المشابهة لعدة حالات مُندسّة بأحياء أخرى، والتي وإن كانت أقل عشوائية إلا أنها تبقى التعبير المناسب عن فشل السلطات خلال الفترة ذاتها في تدبير زمن مرحلي، اغتنى خلاله لوبي العقار تحت يافطة الحفاظ على الاستقرار والأمن، وما إلى ذلك من التعابير الفضفاضة التي جاد بها "الربيع العربي". يقول يوسف الشرقاوي، الطالب الباحث الذي جاء في زيارة إلى موطن رأسه بعدما قرر الرحيل إلى المغرب النافع: "ما جرى بأولاد عياد إبان فترة الربيع العربي تدفع ثمنه الأجيال الصاعدة، إذ بات من الصعب الآن تدارك الوضع، فالأزقة ضيقة، والشوارع على علّتها لا تسمح بتمرير قنوات الصرف الصحي إلا قليلا، وكل الأخطار تبقى ممكنة بسبب عدم قدرة سيارات الوقاية المدنية وشاحنات المطافئ على الولوج إلى كل الأحياء، والمجالس المنتخبة ستجد أعذارا لعدم تهيئها"، وزاد أن "ساكنة أولاد عياد تتحدث عن الملايين التي أنفقت على الصرف الصحي، أو بالأحرى على محطة معالجة المياه العادمة، وفي الأخير تفاجأ الكل بفشل المشروع، ليبقى السؤال من الذي كان وراء هذه الكارثة؟ وأين هو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟ وإلى متى ستبقى الجماعة تئن تحت وطأة النفايات وسواقي الحشرات السامة والبعوض اللاذع؟". وكشف المتحدث ذاته، الذي غادر أولاد عياد بحثا عن أفق مضيء، عن قضايا أخرى من ضمنها غياب الفضاءات الترفيهية والثقافية والرياضية، مشيرا إلى أن الشباب يشكو الإهمال والبطالة، ما يزيد حسبه من اتساع رقعة المتعاطين للمخدرات والإجرام، خاصة في أوساط الشباب العاطلين عن العمل. واستغرب محمد عفيف، رئيس الفرع المحلي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالفقيه بن صالح، ما آل إليه الوضع الصحي بأولاد عياد، وقال إن "إحصائيات تفيد بأن 05 نساء حوامل فقط حالفهن الحظ للولادة بالمستوصف الصحي بأولاد عياد خلال شهر كامل، فيما الأخريات تم إرسالهن إلى جهات أخرى؛ ما يؤشر على وجود اختلالات بالقطاع الصحي، ويطرح سؤال الغاية من بناية تحولت إلى محطة توجيه وإرسال إلى مستشفيات إقليمية وجهوية". وأوضح سفيان ريفاعي، وهو من شباب البلدة، أن "أولاد عياد لازالت تتلمس طريقها إلى التنمية"، وأن "أغلب القطاعات تشكو من إكراهات متباينة، ويبقى الوضع البيئي الأهم فيها، إذ لا يعقل أن ترتقي بلدية أولاد عياد إلى باشوية منذ 2003 وهي تشكو من ضعف شبكة الصرف الصحي، ولا تتوفر على محطة للمعالجة وعلى مطرح للنفايات خاص بها، وأن تظل أغلب أحيائها في حاجة إلى مساحات خضراء وتبليط وضعف الإنارة العمومية وإلى الأمن". وأقر محمد عفيف، رئيس العصبة، بالوضع البيئي الهش بأولاد عياد، قائلا إن أهم إشكال تواجهه بعض جماعات الإقليم الترابية هو "غياب إستراتيجية حقيقية لتدبير قطاع النفايات الصلبة والمياه العادمة لاعتبارات متعددة، ضمنها غياب وعاء عقاري"، وشكك في قدرة باقي المجالس الجماعية بالإقليم على إخراج فكرة المطرح الإقليمي للوجود، "ما يعني أن الوضع سيبقى قائما لسنوات أخرى". ونبه إطار تربوي، فضل عدم ذكر اسمه، من خلال هسبريس، إلى ما ستؤول إليه الأوضاع في ظل الحصيلة التنموية للمجالس السابقة، وفي غياب برامج تنموية كفيلة بتسطير الأولويات، وانتقد بشدة مشاريع تأهيل المدينة، وقال إن تعبيد حوالي 14 كلم من الطرق لا يعني مطلقا تهيئة أزقة وشوارع الجماعة، كما جاء في إعلان طلب عروض مفتوح تحت رقم 37/2016 بتاريخ 22 شتنبر 2016. وتساءل الإطار ذاته عن حصيلة المجلس الجماعي الحالي للساكنة الذي يتوفر على أغلبية مريحة (25 عضوا من أصل 27 +منصب شاغر)، مشيرا إلى أنه "باستثناء مشروع التهيئة الذي موله مجلس جهة بني ملالخنيفرة لازالت أغلب المشاريع التنموية المبرمجة عبر اتفاقيات متعثرة، كما لازالت العشرات من الأسر بدون كهرباء أو ماء شروب". وكانت العشرات من النسوة تظاهرن بالبلدة من أجل ربط منازلهن بالكهرباء والماء، واعتبرن حياتهن خارج الزمن التنموي، ما جعلهن يعربن عن أملهن في أن يسمع العاهل المغربي، ملك الفقراء والمحتاجين، أنينهن في ظل سيادة هذا الوضع الشاذ، حيث تعارض القوانين المجحفة طموحهن في الحصول على هاتين المادتين. ورصدت هسبريس طفلة، ابنة سبع سنوات تقريبا، بحي الصفاء، وهي تكابد من أجل دفع عربة مثقلة بعبوات بلاستيكية ملأتها بالماء من صنبور أحد المنازل الكبيرة التي يتوفر أهلها على هذه المادة؛ وبدا من خلال ملابسها أن مهمتها تكمن في جلب المياه وتأمينها لذويها على غرار أقربائها بالأحياء ناقصة التجهيز، ليس بأولاد عياد فقط، وإنما بتراب الإقليم ككل، حيث أغلب القاطنين وقعوا ضحايا إغراءات أسقطتهم في يد سماسرة باعوهم أراضي بأسعار متدنية، فسارعوا إلى بنائها بدون تصاريح قانونية. ويشكو مواطنون بحي الرياض والصفا والنصر، وإلى حد ما حي الأمل والنخيل، من عدم استفادتهم من الكهرباء والماء، خاصة بالأحزمة العشوائية التي ولدت إبان "الربيع العربي"، بعدما استولت لوبيات العقار على اليابس والأخضر، وتمكنت في وقت وجيز من تجزيء بعض الأماكن بالكامل، ما طرح إشكالات حقيقية الآن أمام المسؤولين عن تدبير الشأن العام والمكتب الوطني للكهرباء. وكانت فعاليات حقوقية وجمعية تحدث لهسبريس، أثناء حدث اغتصاب الفتاة القاصر خديجة، عن علاقة الأحياء العشوائية بأولاد عياد بتفشي مظاهر الجريمة، واعتبرت "الحدث" التي اهتز له الرأي العام الوطني والدولي نتيجة طبيعية للوضع الاجتماعي الهش الذي تعرفه البلدة، بسبب المفارقة الواضحة بين مؤشر النمو الديمغرافي (تزايد عدد الفئات الهشة النازحة من المناطق المجاورة) والمؤشرات التنموية الضعيفة بالجماعة. وتساءلت الفعاليات ذاتها عن مآل مطلب إحداث مفوضية للشرطة بأولاد عياد، خاصة بعدما بادر مجلس جماعي سابق إلى تخصيص الملايين من ميزانية الجماعة لاكتراء مقر للشرطة، بسومة كرائية تقدر بحوالي 03 ملايين سنتيم في الشهر، لتبقى فارغة حوالي 08 سنوات إلى أن تمّ فسح العقدة بتاريخ 31-12-2018 دون تحظى الساكنة بالأمن. وفي تعليقه على الوضع بجماعة أولاد عياد، أوضح صالح حنين، رئيس المجلس الجماعي، أن هناك فعلا خصاصا وليس غيابا للمرافق الاجتماعية والترفيهية والثقافية بأولاد عياد؛ ولأجل ذلك بادر المجلس الجماعي بجميع مكوناته إلى برمجة مجموعة من المشاريع، سواء في إطار اتفاقيات أو بدعم من الجماعة؛ من ضمنها اتفاقية شراكة بين الجماعة ووزارة الداخلية ووزارة الإسكان وسياسة المدينة ومجلس الجهة والمجلس الإقليمي ب17 مليار سنتيم، كما برمج مشروع تثنية حوالي 3.800 كلم من الطريق الوطنية رقم 08 بشراكة مع وزارة التجهيز ومجلس الجهة والمجلس الإقليمي والجماعة بمبلغ يقدر بحوالي 02 مليار سنتيم و700 مليون سنتيم. كما سهر المجلس الجماعي ذاته، فور تحمله مسؤولية تدبير الشام العام بأولاد عياد، على تأهيل بعض أزقة وشوارع المدينة بدعم من مجلس الجهة بحوالي 2 مليار و400 مليون سنتيم، وتأهيل البعض الآخر منها بحوالي مليار سنتيم، بدعم من وزارة الداخلية؛ فيما لازالت شوارع أخرى في طور التأهيل بدعم مالي يبلغ 400 مليون سنتيم من ميزانية المجلس الجماعي. وفي إطار تعزيز البنية الرياضية، قال حنين إنه تم ّإحداث ملعب رياضي بحوالي 184 مليون سنتيم بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتخصيص 147 مليون سنتيم للشطر الثاني الذي لازال في طور الإنجاز، حيث سيتم إحداث خزان مائي وتهيئة أرضية الملعب، وزاد: "كما وفرت الجماعة الوعاء العقاري لبناء مسبح أولمبي بشراكة مع وزارة الشباب والرياضة، حاملة المشروع". وتفاعلا مع طلبات الساكنة التي تجاوزت 1600 طلب للحصول على الماء والكهرباء، سهر المجلس، حسب المسؤول ذاته، على تسليم أزيد من 1000 رخصة، فيما لازالت بعض الحالات بكل من حيي الرياض والنصر، اللذين يحتجان إلى محول كهربائي لتقوية الشبكة؛ كما تمت أيضا تقوية واستبدال الأسلاك العارية للإنارة العمومية بجميع أنحاء الجماعة الترابية. وأضاف رئيس الجماعة ذاتها أن المجلس الجماعي خصص حوالي 170 مليون سنتيم لبناء محطة طرقية، كما سيسهر على إصلاح المحلات التجارية التي تضررت بسبب حريق من أجل توطين عدد مهم من الباعة الجائلين، وسيعمل على إحداث سوق نموذجي للغرض ذاته. وعلى مستوى قطاع الصحة، أوضح الرئيس أن صفقة تمت في هذا الإطار بمبلغ مالي يقدر بحوالي 100 مليون سنتيم من صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتروم تجهيز المستوصف الصحي بالمعدات الضرورية وترميم وإصلاح البناية وتوسعتها. وفي الإطار المشاريع، ذكر المتحدث ذاته أن المجلس عمل على إصلاح المجزرة وعلى توسيع وتأهيل محجز البلدية، وبناء سور للسوق الأسبوعي وتخصيص بقعتين أرضيتين لبناء مسجدين بشراكة مع وزارة الأوقاف، كما اقتنى سيارة لنقل الموتى وحافلة للخدمات الاجتماعية والرياضية بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وخصص 120 مليون لإنجاز دراسة تقنية لجميع أحياء الجماعة الترابية (الصرف الصحي- الكهرباء -الماء - التبليط – الإنارة ..)؛ كما ذكّر بأن المجلس الجماعي قام برقمنة الحالة المدنية منذ 2017، وينهض لوحده بتدبير قطاع النظافة بسبب ارتفاع تكلفة شركات التدبير المفوض. ونفى الرئيس مسؤوليته بخصوص محطة معالجة المياه العادمة المهجورة، وقال إن بناء هذا المشروع كان في عهد ولاية مجلس سابق سهر على تدبير الشأن العام ما بين 2003 و2009، غير أن تدخل وكالة الأحواض المائية بسبب تهديد المشروع للفرشة المائية وإهماله من طرف المجلس السابق أدى إلى توقيفه وتخريبه. وأوضح حنين صالح أن المجلس الجماعي لأولاد عياد راهن في غياب مداخيل معقولة على ترشيد النفقات، واقتصد كثيرا في استهلاك المحروقات مقارنة مع المجالس السابقة، إذ لم يتم إنفاق سوى 28 مليون سنتيم سنة 2018، استهلكت منها سيارات الإسعاف 11 مليون سنتيم، هذا في وقت كانت المجالس السابقة، إذ كان سعر الكازوال مثلا ب07 دراهم عوض 10 دراهم، تصل فاتورة المحروقات التي تستهلكها إلى 36 مليون سنتيم. وانتهى رئيس جماعة أولاد عياد بالإشارة إلى أن "الإكراه الحقيقي الذي يعوق مسلسل التنمية بأولاد عياد هو غياب الوعاء العقاري، وضعف مداخيل الجماعة، التي تقدر بمليار و200 مليون سنتيم، تصرف منها أزيد من 600 مليون سنتيم في أجور الموظفين، وتذهب 160 مليون سنتيم لتكاليف الإنارة العمومية، فضلا عن تركة مديونية أحد المجالس السابقة التي استمر المجلس الجماعي في أدائها إلى حدود 2017".