تشكلت الحكومة المغربية برئاسة السيد عبد الإله بنكيران بعد مخاض عسير ، لدرجة أن المتتبعين والمغاربة عامة أَصيبوا بشيء من الريبة حول مآل هاته الحكومة التي طال انتظارها. وقد تضاربت الآراء حول أسباب تأخرها ، منهم من أرجع ذلك لعسر المفاوضات التي خاضها الرئيس المعين مع الأحزاب ، وهناك من سرب أن القصر رفض بعض الأسماء للاستوزار ، والبعض رحج كفة تعنت حزب الاستقلال لأنه أراد الانفراد ببعض الحقائب الوزارية ، فاستعرض عضلاته على حزب العدالة والتنمية للظفر بها ، مع الإلحاح بفرض بعض الأسماء. ولم يكن أي خيار أمام السيد بنكيران إلا المناورة ومجاهدة النفس من أجل التوصل مع حزب الاستقلال إلى صيغة مرضية. تتبعت بترو وتمعن مع المغاربة جميعا داخل الوطن وخارجه تشكيل هاته الحكومة وما قيل عنها منذ اليوم الأول من تعيين السيد عبد الإله بنكيران رئيسا لها . هناك من شكك في قدرة هذا الرجل في تسيير حكومة لأنه معروف باندفاعه المتسرع ، كما اتهموه بعدم الوفاء بالوعود التي أطلقها حزبه أثناء حملته الانتخابية . ولأول مرة في التاريخ تتعرض حكومة للانتقاد وبقوة قبل أن يضع وزراؤها أقدامهم مكاتب الوزارات ، ولم يمارسوا بعد دواليب الحكم . فما فتئوا ينتقدونها عبر مجموعة من الجرائد الوطنية أو عبر البرامج التي خصصتها القنوات المغربية لمستقبل هاته الحكومة . اسمحوا لي أيها الإخوة والأخوات المتسرعون أن أهمس في آذانكم ، بأني أخالفكم الرأي ليس دفاعا عن بنكيران وحكومته أو حزبه ، ولكن لأؤكد لكم أنكم تسرعتم ، فوجهتم سهامكم بناء على أحكام مسبقة، وعلى حقد دفين . هذا اللغط والنقد غير البناء ينم عن رد فعل ضد حزب ينتمي للتيار الإسلامي . فالضجة/ الزوبعة التي أثرتموها يوم انتخاب رئيس البرلمان تؤشر على مدى استعدادكم للهجوم على الحكومة متى سنحت لكم الفرصة ، فأنتم تتربصون للانقضاض عليها أخطأت أم لا . فكون عدم تقديم السيد عبد الكريم غلاب الاستقالة من على الوزارة يشكل خرقا سافرا للدستور ومنافيا للقوانين ، واعتبرتموه بداية الخروقات التي سجلت على هاته الحكومة الجديدة . لنفكر بهدوء ، هل يعقل أن يقدم شخص ما استقالته من منصب ما ليتقدم لمنصب آخر وهو لا يدري هل سيحصل على هذا المنصب أم لا ؟ فأي شخص دون أن يكون متخصصا في الفقه الدستوري يجيبكم ب " لا " لأن الاستقالة مرهونة بالفوز بذلك المنصب الجديد . لنفترض جدلا أنه قدم استقالته أولا وقدم ترشيحه لرئاسة البرلمان ولم يفز بهاته الرئاسة . ماذا عساه يفعل ؟ " لا ديدي لا حب لملوك " كما يقول المثل الشعبي المغربي . المسألة بسيطة جدا ، حينما انتخب رئيسا للبرلمان ، قدم استقالته من على وزارة التجهيز والنقل . هذا نقاش عقيم لن يقدم للمغرب والمغاربة أي جديد ، عليكم كنخب أن تتعالوا عليه وتتجاوزوه ، لان المغاربة ينتظرون منكم الكثير...... المغاربة يئسوا من الأحزاب ، المغاربة كرهوا العمل السياسي ، المغاربة فقدوا الثقة ، المغاربة اعتزلوا الساسة والسياسيين ، المغاربة صوتوا لحزب العدالة والتنمية انتقاما من ممارساتكم اللاديمقراطية داخل أحزابكم . إن ما يمكن أن يسجله المغاربة جميعا وباعتزاز لهاته الحكومة أنها تمكنت أن تقترح للاستوزار أسماءً وازنة ثقافيا ونضاليا بعيدا كل البعد عن مسألة النسب والجاه والمصاهرة مكسرة هذا الثالوث الذي لم تتجاوزه الحكومات السابقة ، مثل السيد مصطفى الخلفي والسيد عبد العزيز رباح اللذين ينتميان إلى منطقة الغرب . هذان الرجلان وصلا إلى الاستوزار بكفاءتهم أولا ، ونضالهم وكذلك نزاهتهم التي عرفوا بها داخل الحزب وفي أوساط الشعب المغربي. هذا النوع من الاستوزار سيعطي دفعة قوية للشباب المغربي كي يعيد النظر في مواقفه السلبية من السياسة والسياسيين ، وسيحيي حركية الانخراط والالتحاق بالأحزاب التي تراهن على التغيير والتجديد . إن استوزار عبد العزيز رباح ومصطفى الخلفي سيخلق دينامكية جديدة ودم جديد في شرايين بعض الأحزاب . لقد يئس المغاربة من الوجوه التي ألفوا رؤيتها على الكراسي، فآن الأوان لكي يرحل هؤلاء الشيوخ طواعية ويفسحوا المجال للنخب الجديدةالشابة قبل أن يصلها الربيع والغضب المغربيين ، وبوادر ذلك بدأت بحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي . فالمرحلة تدعو للتغيير، ولا وقت للتماطل ، لأن بناء مجتمع ديمقراطي يتطلب أولا أحزاب ديمقراطية وقوية بمناضليها الذين يتشبثون بمقررات مؤتمراتهم التي تعاهدوا عليها . فعوض أن تصبوا جام غضبكم على هاته الحكومة التي لم تنطلق بعد ، لأنها لم تنصب من قبل البرلمان ، كان بالأجدر بكم أن تطرحوا الأسئلة حول تخلفكم عن موعد الاستحقاقات السياسية ليومه 25 نونبر، وتتساءلوا : لماذا فشلنا ؟ أين يكمن الخلل ؟ وماذا عسانا نفعل لتجاوز هاته العوائق ؟ عليكم أن تقفوا وقفة تأمل من خلال نقد ذاتي للوقوف عند الأخطاء التي ارتكبتموها في حق المغاربة ، وحق المناضلين الذين أقصيتموهم وهمشتموهم وحاصرتموهم لأنهم قالوا كلمة حق وخالفوكم الرأي، فكانت قراءتهم للمرحلة السياسية للعقد الأخير قراءة ذات بعد تحليلي دقيق لواقع موضوعي. لقد آن الأوان أن تعتذروا لهؤلاء المخلصين ، وأن تنسحبوا من المشهد السياسي . هاته الأحزاب اعتمدت عبر صيرورة تكونها الزابونية والمحسوبية والعلاقات العائلية والمصاهرة والقبيلة ، هذا ما أفقدها المصداقية ، فاضطر المغاربة الابتعاد عن العمل السياسي . هذا الوضع الكاريكاتوري أدى بسفينة الأحزاب السياسية إلى الغرق والتفكك والتشتت . ولا سبيل لإنقاذها سوى العودة إلى تفعيل الديمقراطية والشفافية والنزاهة وعقد المؤتمرات في وقتها ، مع البقاء للأصلح . إن خير ما نختم به أن تتركوا الحكومة الجديدة تعمل ، تاركين لها الفرصة كي تنطلق على أرض الواقع ، وموعد محاسبتها يوم الاستحقاقات السياسية المقبلة ، فهو الفيصل في ذلك. *كاتب صحفي – فرنسا