صدَمت محللةُ السياسات التربوية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سمية مغنوش، مسؤولي وزارة التربية الوطنية حين تعليقها على النتائج التي حصدها التلاميذ المغاربة في البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ، الذي احتلوا فيه الرتبة 74 من أصل 79 دولة، وهي النتيجة التي اعتبرتْها "دون مستوى الانتظارات". وبدا الحرَج واضحا على مسؤولي وزارة التربية الوطنية خلال ندوة صحافية بمقر الوزارة مساء الأربعاء، إذ قال محمد الساسي، مدير المركز الوطني لتقويم الامتحانات والتوجيه، فيما يشبه عتابا للمسؤولة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: "لا يمكن أن نُصدر حكما ونقول إن النتائج جاءت دون ما كان منتظرا، لأن هذه أوّل مشاركة للتلاميذ المغاربة في البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ، وليست هناك مشاركات سابقة لنقارن بينها وبين النتيجة المحققة". وحصل التلاميذ المغاربة في اختبار القراءة على 359 نقطة، مقابل معدل دولي بلغ 487 نقطة. وحاز تلاميذ الصين على أعلى معدل ب555 نقطة. وفي اختبار الرياضيات، حاز التلاميذ المغاربة 368 نقطة، مقابل معدل دولي بلغ 489 نقطة؛ فيما نالوا في اختبار العلوم 377 نقطة، مقابل معدل دولي ب489 نقطة. وفي وقت أعادت النتيجة التي حصل عليها التلاميذ المغاربة في بحث PISA 2018 موضوع تردّي التعليم المغربي إلى الواجهة، قلّل مسؤولو وزارة التربية الوطنية من تأثيرها، إذ أرجع محمد الساسي تواضُع ترتيب التلاميذ المغاربة إلى تفاوت توزيع عيّنة التلاميذ الذين شملهم الاختبار على المستويات الدراسية، من بلد إلى آخر. المبررات التي استند إليها الساسي أظهرت ضُعف المنظومة التربوية المغربية، فرغم أنّ التلاميذ الذين خضعوا لاختبار PISA يبلغون من العمر 15 عاما، في جميع البلدان المشاركة، فإنّ تلاميذ الدول التي تصدّرت النتائج يدرسون في مستويات أعلى مقارنة مع نظرائهم المغاربة. وحسب المعطيات التي قدمها مدير المركز الوطني لتقويم الامتحانات والتوجيه فإنّ 22 في المائة من التلاميذ الذين اجتازوا اختبار PISA يدرسون في المستوى الأول أو الثاني إعدادي، بينما لم تتعدّ نسبة التلاميذ الصينيين الذين يدرسون في هذين المستويين 2 في المائة، أيْ إنّ بقية التلاميذ يدرسون في مستويات أعلى، وهو ما منحهم تفوقا في اجتياز الاختبار الذي طُرحت فيه على تلاميذ جميع الدول المشاركة أسئلة موحدة. وتُبيّن المعطيات التي قدمها مسؤولو وزارة التربية الوطنية اتساع الهوة بين التلاميذ المغاربة، سواء الذين يدرسون في القطاع العام أو الخاص، ونظرائهم في الدول المتصدرة لترتيب البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ، على مستوى التقدم في المسار الدراسي، إذ إنّ نسبة 54 في المائة من التلاميذ المغاربة المشاركين يدرسون في المستوى الثانوي الإعدادي، بينما لم تتعدّ النسبة بالنسبة لسنغافورة 8.8 في المائة. محمد الساسي قال إنّ غاية مشاركة المغرب، لأوّل مرة، في البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ، "هي استكمال الصورة حول أداء التلاميذ في المستويين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي"، مضيفا: "لم يكن هدفنا هو معرفة موقعنا في ترتيب الدول، ولكن الأساسي بالنسبة إلينا هو أنّ هذا الاختبار مناسبة لرصْد مستوى تلاميذنا ومقارنته بالتجارب الأخرى، وهذا سيساعدنا على وضع فرضيّات نؤسس عليها اختياراتنا لإصلاح منظومة التربية". من جهتها قالت سمية مغنوش، محللة السياسات التربوية بمديرية التربية والكفاءات بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إنّ الاختبار الدولي للتلاميذ سيساعد على تأطير النقاش العمومي حول الرقي بالتعليم، ووضع الفاعلين التربويين أمام الواقع الحقيقي للمدرسة، ومدى قدرتها على تكوين أجيال قادرة على الانخراط في الحياة العامة والاندماج في سوق الشغل. واستغرق الاختبار الذي خضع له التلاميذ في البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ اثنتي عشرة ساعة، وتمّ عبر الحاسوب، بهدف معرفة قدرات التلاميذ على تطبيق مهارات تعلم التقنيات الحديثة التي تلقوها في المدرسة، ودفعهم إلى التكيف مع استعمالها، خاصة في ظل تنامي استعمال وسائل التواصل الحديثة، حسب إفادة سمية مغنوش. ودعت المسؤولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى عدم التوقف عند نتائج برنامج تقويم التلاميذ فقط، موضحة أن النتائج يجب ربْطها بالعوامل المرتبطة بالطفل، سواء العوامل السيوسيو اقتصادية، أو الاجتماعية، وحتى النفسية؛ وذلك باستحضار رؤية التلميذ إلى المدرسة، وما إن كان يرى أنها قادرة على تطوير مهاراته. نتائج البرنامج الدولي لتقويم التلاميذ كشفت مُعطى صادما في علاقة التلاميذ المغاربة بالتعليم، إذ لم تتعدّ نسبة التلاميذ الذين لديهم فكرة مواصلة مشواره الدراسي إلى غاية التعليم العالي 15 في المائة، وهي تقريبا النسبة المسجلة لدى تلاميذ ألمانيا؛ لكنّ سمية مغنوش قالت إنّ تدنّي نسبة التلاميذ الألمان الذين يفكرون في إتمام التعليم العالي راجع إلى أن ألمانيا لديها تكوين مهني متطور يجذب التلاميذ.