بترقب يعتريه الحزن، تجول عينا محمد حجازي حول أراضي أجداده في "منطقة المنطار" جنوب شرق مدينة القدسالمحتلة، التي منعوا من زيارتها منذ إقامة البؤرة الاستيطانية في الخامس عشر من شتنبر الماضي، للتوقف عند ذلك المستوطن الإسرائيلي الدخيل الذي يحاول بشتى الوسائل هو وعائلته، وبدعم من جمعيات استيطانية، فرض سيطرته بقوة السلاح على عدد من الدونمات في تلك المنطقة. حجازي، وهو في الثلاثينات من عمره، يقطع أكثر من كيلو متر واحد عبر طريق وعرة سيرا على الأقدام للوصول إلى تلك الأراضي، المقدرة ب 17 دونما، في محاولة لتعزيز الوجود الفلسطيني في البادية، لكن سطوة المحتل تقف حائلا دون ذلك. ذاك المستوطن "حنانيا" يحاول أن يسرق ملامح البداوة، بتربية المواشي، وإنشاء مسكن يشابه مساكن البدو في تلك المنطقة، بل ويتعدى الأمر إلى سرقة المياه لنقلها إلى المحاصيل الحقلية التي زرعها في المناطق التي استولى عليها منذ احتلال المنطقة منتصف شتنبر الماضي. يقول حجازي ل"وفا": "نقف في مواجهة صراع هوية أزلي، في ظل مستوطن يصبغ نفسه بلون الأرض، محاولا تزييف الهوية الفلسطينية وضرب جذورها على حساب أهالي بلدة السواحرة". لُعاب المستوطنين لا ينفك عن السيلان الشاهدون على تاريخ السواحرة يقولون إنه قبل أكثر من ثلاثين عاما كان جزء كبير من أهاليها يعيشون في تلك المنطقة حياة البادية بحذافيرها، حيث التجمعات التي تعتمد على الثروة الزراعية والحيوانية إلى جانب آبار تجميع المياه وتتبع الكلأ في الأراضي الصحراوية الجرداء، بين مستوطنتي "معاليه أدوميم" و"كيدار". ومع تطور مغريات الحياة العصرية، توجه العديد من الأهالي إلى البناء قرب مراكز المدن، تحديدا بعد عام 2004، حينما فصل الاحتلال أراضي السواحرة الشرقية والغربية عن بعضها، فبدأت أطماع الاحتلال تتجه نحو المساحات الشاسعة التي تركها الأهالي وعلى أثرها تكرر وضع اليد على الأراضي الواقعة في منطقة المنطار، وكان آخرها إقامة تلك البؤرة الاستيطانية. البدو والمزارعون خط الدفاع الأول يؤكد البدو الذين تمسكوا بالبادية وعاشوا فيها على شكل خلايا متناثرة، أنهم يحمون منطقة المنطار وأرض السواحرة من أي تغول استيطاني على الأرض يعيق إقامة دولة فلسطين العتيدة. وقال نائب رئيس بلدية السواحرة الشرقية، عارف الزرعي، وهو أحد مزارعي الأراضي في البادية لدى عائلته أكثر من 150 دونما: "قبل تشييد جدار الضم والتوسع العنصري كانت منطقة المنطار تشغل أكبر تجمع في القدس لزراعة القمح والشعير، وكذلك تربية الأغنام، وكان أقل مزارع يملك أربعمائة إلى خمسمائة رأس غنم". وأضاف: "منطقة المنطار اعتبرت منطقة عسكرية مغلقة بعد توسيع مستوطنتي معاليه أدوميم وكيدار، والاحتلال منذ ذلك الوقت يسعى لفرض سيطرته على أراضي المنطقة على حساب أصحابها. ورغم شح الموارد في البادية، لن نفرط في هذه الأرض كنعانية الأصل التي توارثناها أبا عن جد، مهما كلف الثمن، ولن نتنازل عنها، ونحاول بين الحين والآخر العناية بها وزراعتها، رغم اقتحامات المستوطنين المتكررة". وتابع: "هدف الاحتلال من إقامة البؤرة الاستيطانية هو عزل جنوبالضفة الغربية عن شمالها، وإقامة مدينة استيطانية تربط المستوطنات الواقعة شرق القدس بمحيطها الغربي". وأوصى الزرعي بدعم المزارعين الفلسطينيين في أراضي بادية القدس التي تمتد حدودها من حواف قرية جبل المكبر بالقدسالمحتلة إلى مجمع المالح في البحر الميت، مشيرا إلى أن المنطار هو المتنفس الوحيد لبلدات الزعيم والعيزرية وأبو ديس والسواحرة والشيخ سعد. يضم المنطار أكثر من 800 عائلة تقطن في عشرات التجمعات البدوية، ويحتوي على أكثر من 25 بئرا لتجميع المياه، حسب الزرعي. بؤرة قابلة للاتساع من جهته، يرى المواطن جمال جعفر، وهو أحد ورثة الأراضي في المنطار، أن الاحتلال يسعى من خلال البؤرة الاستيطانية إلى توسيع السيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي القدس، وتقليص التوسع الجغرافي في قرى شرق القدس، وذلك ضمن المخطط الاستيطاني الذي يرمي إلى ضم غور الأردن. وعن استمرار اعتداءات المستوطنين على الأراضي، قال المتحدث باسم الاعتصام في المنطار يونس جعفر ل"وفا": "سلطات الاحتلال استمرت منذ تشييد الجدار العازل في إصدار قرارات عسكرية للسيطرة على أراضي المنطقة، منها قرار صدر عام 2005 يقضي بضم ثمانية آلاف دونم ضمن جدار حاضن للمستوطنات، وقرار صدر عام 2018 يعتبر المناطق المصنفة "ج" في المنطار أراضي دولة". يشار إلى أنه يوجد في منطقة المنطار مدرسة اسمها "التحدي 2"، افتتحتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قبل عامين لطلبة التجمعات البدوية ممن كانوا يدرسون في مدارس أبو ديس والسواحرة الشرقية. ووفق الإحصائيات، فإن "بؤرة المنطار" واحدة من ضمن 18 بؤرة استيطانية بالضفة الغربية أقيمت منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكم عام 2017، ويشكل اتساعها سرطانا استيطانيا ينخر أراضي الضفة الغربية. *وفا