أعلن بنك المغرب، نهاية الأسبوع الماضي، عن تطويره لتقنية تعتمد على سلسلة قواعد البيانات المتسلسلة، أو ما يُسمى ب"بلوكشين"، يمكن استعمالها من أجل التوزيع المستهدف للمساعدات المالية للدولة على المواطنين، خصوصاً الفقراء. و"بلوكشين" عبارة عن تقنية لحفظ البيانات بطريقة آمنة مع ضمان ديمومة التحقق منها وسهولة الوصول إليها، بحيث تُمكن عدة مستخدمين من الوصول إلى المعطيات نفسها في وقت واحد والاطلاع على جميع التعديلات التي يجري إدخالها، وهذا ما ييسر إمكانية التحقق من صحتها بشكل سريع. وستُمكن هذه التقنية التي طورها بنك المغرب المستهلكين المؤهلين، الذين يتم تحديدهم مُسبقاً من قبل القطاع الحكومي المانح، من الاستفادة من الدعم العمومي المقدم لهم خلال اقتناء المنتجات المعنية عبر الدفع من خلال تطبيق للأداء المحمول "M-wallet" مرتبط بحساب بنكي أو حساب أداء. كما يتوخى من هذه التقنية، التي طورها البنك المركزي رفقة الشركة المغربية الرائدة "HPS"، أن تُمكن الزبون من الاستفادة من أسعار مُدعمة للمنتجات، دون التأثير على خزينة التاجر، ما دام الفارق في السعر يدفعه بنك المؤسسة التي تقدم الدعم لبنك التاجر. وتتماشى هذه التقنية الأولى من نوعها في المغرب مع خطة الحكومة التي تعمل على تنزيلها من خلال إحداث السجل الاجتماعي الموحد، بحيث يبقى الرهان الكبير بالنسبة للدولة هو ضمان استهداف آمن للمستحقين للدعم. وتجري وزارة الداخلية حالياً اللمسات الأخيرة لإخراج السجل الاجتماعي الموحد إلى الوجود، الذي يُراد منه الإجابة على إشكالية استهداف الأسر ذات الدخل المحدود لكي تستفيد من عشرات البرامج الاجتماعية العمومية التي تعاني من ضُعف التنسيق والنجاعة والفعالية رغم ميزانيتها الضخمة. ويهدف هذا السجل الاجتماعي الموحد إلى التعرف بدقة على مستحقي الدعم الاجتماعي للدولة بهدف إيصاله إليهم مباشرة، لتفادي استفادة فئات لا تستحقه كما يجري حالياً مع غاز البوتان الذي يُستَعمل في استغلاليات فلاحية كبيرة. ويتوفر المغرب على أكثر من 120 برنامجا للدعم الاجتماعي، أبرزها صندوق المقاصة الذي يدعم أسعار الدقيق والسكر وغاز البوتان، إضافة إلى برامج أخرى تستهدف فئات مجتمعية معوزة، من قبيل نظام المساعدة الطبية "راميد"، ونظام "تيسير" لدعم التمدرس، ودعم الأرامل. وتقر الحكومة بأن الدعم الاجتماعي الذي تقدمه عبر هذه البرامج العديدة لا يذهب إلى مستحقيه، ولا ينعكس على حياة المواطنين، ويرجع السبب في ذلك إلى كون الاستهداف ليس دقيقاً نظراً للآليات التقليدية المُستعملة. أمام هذه الإشكاليات تبدو التقنية التي طورها بنك المغرب حلا يمكن استخدامه لإنجاح أهداف السجل الاجتماعي الموحد، لأنه يعتمد التكنولوجيات الحديثة التي ستجعل المغرب سباقاً لاستعمالها على الصعيد الإقليمي لضمان إيصال الدعم إلى مستحقيه، لينعكس بالتالي على حياتهم اليومية. لكن نجاح المغرب في تحقيق هذا الاستهداف للمواطنين الفقراء رهين بعمل الحكومة على تنزيل حقيقي ومدروس للسجل الاجتماعي الموحد، الذي إذا ما استعمل تقنية "البلوكشين" التي طورها البنك المركزي، فسيضمن للمغرب أماناً ونجاعة في الاستهداف. ونجاح تقنية "البلوكشين" في إيصال الدعم المستحق للمواطنين الفقراء يتوقف أيضاً على تحقيق انخراط كبير في استعمال حل الأداء عبر الهاتف، وهو الحل الذي انطلق في المغرب منذ نهاية السنة الماضية لكنه لم يلق بعد الإقبال المنتظر. ومن شأن استعمال تقنية "البلوكشين" جعل المعلومات متاحة لمختلف الفاعلين في أي زمان ومكان، وضمان معالجتها آنيا، وتوصل الأطراف الأخرى المعنية بمختلف التعديلات التي تطرأ عليها، وهو ما سيدعم الشفافية واللامركزية والدرجة العالية من التشفير والحماية ضد التزوير والغش.