وجهت المعارضة بمجلس النواب انتقادات شديدة اللهجة إلى حكومة العثماني خلال جلسة عمومية، عشية الأربعاء، خصصت لتقديم تدخلات الفرق والمجموعات النيابية حول مشروع قانون المالية لسنة 2020. وقال فريق الأصالة والمعاصرة إن رئيس الحكومة رفع الراية البيضاء أمام لوبيات الفساد، و"لم يتمكن من تنفيذ شعار محاربة الفساد والقطع مع سياسة الريع المالي"، مشيرا إلى أن "قانون المالية قيد المناقشة خصص لعدد كبير من الشخصيات، من بينهم رؤساء حكومات ووزراء سابقون وكبار المسؤولين وآخرون من عالم الرياضة والفن، ميزانية ضخمة في إطار بند التحملات المشتركة". مظاهر الفساد وانتقد الفريق المعارض عدم كشف الحكومة عن قوائم المستفيدين من ريع المالية العمومية سنويا بدعوى عدم "التشهير"، مضيفا أن "هذا الإجراء لا يدخل سوى في باب العبث بمالية الدولة والمس بجيوب المواطنين دافعي الضرائب الذين يقتطع شهريا من أجورهم لصالح صناديق التقاعد والتغطية الصحية". واتهم فريق "الجرار" رئيس الحكومة بتوزيع أراضي الدولة على المسؤولين بالمجان، أو بسعر الأرض الفلاحية، في المدن الكبرى، في إطار "التحايل على القانون واستغلال ثغراته، وتحويل مئات الهكتارات المخصصة للمناطق الصناعية إلى مناطق للتجزئات السكنية، في غياب أية محاسبة". ورفض المصدر ذاته استمرار "الصناديق السوداء في مشروع قانون المالية، والإبقاء على صندوق الزكاة في مشروع قانون المالية الجديد ل 2020 رغم أنه غير مفعل، وارتفاع نفقات الصناديق السوداء إلى 9002 مليار سنتيم في مشروع القانون المالي". وكشف فريق الأصالة والمعاصرة، في مداخلته، عن "استفادة بعض المسؤولين والموظفين من تعويضات خيالية جراء المغادرة الطوعية، لكنهم عادوا مع وزراء هذه الحكومة إلى تحمل المسؤولية عن طريق عقود للاستفادة من ريع المال العام". وأشار رئيس فريق الأصالة والمعاصرة إلى انتشار ظاهرة "اللجوء لإنشاء شركات بأسماء مقربين من وزراء ورؤساء ومدراء كبار للاستفادة من الصفقات، وارتفاع منسوب الرشوة على مستويات عليا، وهو ما يجعل المتورطين في منأى عن كل محاسبة". الفريق النيابي ذاته انتقد لجوء الحكومة إلى سياسة "عفا الله عما سلف" من خلال ما اعتبره "تشجيع التهريب المالي خارج أرض الوطن، عبر الخروج بقرار العفو الضريبي والسماح بعودة الأموال المهربة دون معاقبة أصحابها"، موردا أن الحكومة كان عليها بدل ذلك أن "تتوجه نحو اتخاذ إجراءات من شأنها كفالة نوع من العدالة الجبائية والإصلاح الضريبي، بإحداث توازن بين الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات والضريبة على الاستهلاك". وخلص فريق الأصالة والمعاصرة إلى أن مشروع القانون المالي "عاد جدا، وخال من الإبداع، على غرار قوانين السنوات الماضية، وبالتالي فهو دون مستوى تحديات المرحلة، ولا يساير التوجهات الملكية الجديدة الرامية إلى الدخول في مرحلة جديدة عنوانها الأكبر صياغة نموذج تنموي جديد تحتل فيه التنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية الصدارة". تكريس الأزمة بدوه، شن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية هجوما حادا على حكومة العثماني، معتبرا إياها "حكومة تخلت بالكامل عن دورها في مواجهة الأزمة الخانقة متعددة الأوجه، وانبرت لسباق الانتخابات المقبلة بدل الإعداد الجيد لها، مهدرة بذلك زمنيا سياسيا وتنمويا ثمينا". وقال نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، إن الحكومة "تستمر في قتل السياسة عبر تضييع العهود التي رفعتها، بمناسبة انتخابها أو بمناسبة تنصيبها من طرف البرلمان، فأضحى البرنامج الحكومي متجاوزا بل وهامشيا، وتحولت شعاراته إلى وعود جديدة لحملات انتخابية سابقة لأوانها، لتتأجل معه آمال فئات عريضة من الشعب المغربي الذي صوت بكثافة لهذه الحكومة". ويرى الفريق الاستقلالي أن الإعفاءات الملكية توالت بشكل غير مسبوق في عهد حكومة العثماني، وصولا إلى تعديل حكومي عنوانه الأبرز "حزب التكنوقراط القوة السياسة الأولى داخل الحكومة بعد أن غادرها عشرات الوزراء بحثا عن النجاعة والكفاءة والإبداع التي نشدها جلالة الملك". مضيان خاطب رئيس الحكومة بالقول إن مشروع قانون المالية "سيكرس أزمة الثقة في حكومتكم. إن مشروع قانون المالية قيد الدرس اليوم، الأخير عمليا في عمر حكومتكم، سيكرس الأزمة وسيرهن مرة أخرى مستقبل الأجيال القادمة لسنة أخرى، بل إنه في تقديرنا انتكاسة وعمل يغيب عنه الإبداع في صناعة الحلول الجذرية". واعتبر الفريق المعارض أن الحكومة "فقدت بوصلة الأولويات في المغرب، وأضاعت الشعارات الاجتماعية أمام هاجس التوازنات الماكرو-اقتصادية، بالرغم من التوجيهات الملكية المستمرة التي ما تنفك توجه الحكومة نحو القضايا الاجتماعية". وزاد رئيس الفريق الاستقلالي أن الحكومة الحالية "أسقطت رهان تحقيق العدالة الضريبية بمزيد من الإنهاك الضريبي للطبقات الفقيرة والمتوسطة"، مشيرا إلى أن "المغرب أمام هزالة الأجور بات يتصدر مستوى التضريب في العالم العربي".