يثير مشروع قانون جديد بشأن المحروقات غضب الجزائريين، الذين يرون فيه وسيلة لبيع "الثروة الوطنية" للشركات متعددة الجنسيات؛ لكن هذه التهم غير مبررة، وفقًا للخبراء، بل هي مظهر من مظاهر عدم الثقة في أي قرار تتخذه سلطة يعتبرها الشارع "غير شرعية". ومنذ المصادقة على النص، الذي لم تُنشر نسخة رسمية منه، في مجلس الوزراء في 14 أكتوبر، تمت إضافته إلى مظالم المتظاهرين الذين يصفون منذ أشهر عديدة قادتهم ب"اللصوص" الذين "نهبوا ثروات البلد". ومنذ 22 فبراير، أصبحت الجزائر، ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا وأحد أكبر 10 دول منتجة للغاز، مسرحًا لحراك شعبي غير مسبوق ضد النظام الحاكم منذ الاستقلال في عام 1962. ويشتبه جزء كبير من الجزائريين في نية أطراف مختلفة في السلطة باستغلال هذا القانون لتقديم الثروات الباطنية للشركات الأجنبية، بعدما "نهبوا" الريع البترولي، حسب الموهوب موحود، أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس دوفين. وأشار موحود إلى أن "التحقيقات تثبت عدم وجود مصداقية للحكومة القائمة في أعين الشعب". ومع ذلك، فإن "كل المعطيات المتوفرة تشير إلى أن المجال المنجمي الوطني (ملكية الثروة الباطنية) تبقى في يد الدولة، بينما الاستكشاف والاستثمار والاستغلال يمكن مشاركتهم" بتحفيزات أكبر من ذي قبل للمستثمرين الأجانب، كما أوضح موحود. ومن جهته، شرح فرنسيس بيران، مدير بحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية بباريس، أن مشروع قانون المحروقات يقدّم "تعديلات" على التشريع؛ لكن "لا تغيير في الاتجاهات الكبرى للسياسة الجزائرية في مجال المحروقات". سياق مضطرب وتحافظ شركة "سوناطراك" للنفط والغاز، المملوكة للدولة، في مشروع القانون الذي يعرض للتصويت الخميس، على أغلبية 51 في المائة من الأسهم في كل عقود الشراكة مع الأجانب؛ لكنه يهدف إلى "جعل الإطار التشريعي والمالي أكثر جاذبية وأبسط وأكثر مرونة، لجذب المزيد من الاستثمارات (الأجنبية) في قطاع النفط والغاز"، كما أوضح بيران الذي يعمل أيضا كباحث مشارك في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في الرباط. ومن الناحية العملية، يوسع النص نطاق أنواع العقود بناءً على المخاطر الصناعية، ويوحّد النظام الضريبي في مستوى معدل ثابت (30٪) من الضريبة على الفوائد وإلغاء "الضريبة على الأرباح الاستثنائية". وبالنسبة إلى الموهوب موحود، فإن الغضب "تركز" على هذا القانون بسبب "غياب الشرعية في الحكومة الحالية"، التي عيّنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يومين قبل استقالته في 2 أبريل تحت ضغط الحركة الاحتجاجية"؛ "ما جعل كل ما يصدر عنها محلّ شك" بالنسبة إلى الجزائريين. وفي هذا السياق المضطرب، فإن حديث محمد عرقاب، وزير الطاقة، في بداية شهر أكتوبر عن مشاورات سابقة مع خمس شركات نفط كبرى حول التغييرات التشريعية الضرورية، أضاف الزيت للنار. وجاءت ترجمة ذلك في الحركة الاحتجاجية أن القانون أملته الشركات متعددة الجنسيات، على الرغم من أن شركة "سوناطراك" نفسها أثارت في شتنبر ضرورة التعجيل في إعطاء حيوية جديدة للشراكة مع المستثمرين الأجانب. ومنذ دخول القانون الحالي حيز التطبيق في 2005، وعلى الرغم من التعديلات في عام 2013، فإن اهتمام الشركات الأجنبية باستكشاف المجالات المنجمية الجزائرية تراجع والعديد من المناقصات ظلت بلا جدوى. واضطرت "سوناطراك" لتحمل أعباء ومخاطر الاستثمار وحدها، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط، من أجل استكشاف حقول جديدة للحفاظ على مستوى معين من الإنتاج المتراجع، خاصة مع تزايد الطلب في السوق المحلية. تراجع الإنتاج الجزائري وزيادة الطلب المحلي عاملان "يمكن أن يؤديا إلى عجز في العرض مقارنة مع الطلب على الغاز"، خلال العشر سنوات المقبلة، بحسب بيران. ويهدف القانون الجديد إلى السماح، "على وجه الخصوص، باكتشاف حقول جديدة، بالنظر إلى النضوب الحالي"، كما أوضح الموهوب موحود: "في هذا السياق، ينتظر أن يتم تعديل الضرائب على المحروقات وتسقيف مُدد العقود في مستوى عشر سنوات كحد أقصى". كما أشار إلى "تقادم" البنية التحتية النفطية في الجزائر، بسبب نقص الاستثمارات خلال السنوات التي كانت فيها أسعار النفط عالية؛ وهو ما يحد من قدرات شركة "سوناطراك". ونبّه بيران إلى أن هناك "وعيًا" من جانب السلطات حول "الصعوبات الخطيرة المحتملة على المدى الطويل للبلد "الذي تمثل فيه النفط والغاز أكثر من 95٪ من مداخيل الصادرات. "ومع ذلك، فمن المخاطرة سياسياً أن تُقدم سلطة فاقدة للشرعية على معالجة مثل هذا الموضوع الحساس". وبالنسبة إلى موحود، فإن "الاصلاحات الاقتصادية ضرورية؛ لكن بشرط مرافقتها بانتقال ديمقراطي حقيقي".