اليحياوي: التقنيات الحديثة لا تخلق الثورات شهدت ساحات فضاء الانترنت في سنة 2011، خاصة المواقع الشهيرة مثل اليوتوب وغيره، تدفقا عارما لمقاطع فيديو بالصوت والصورة، أبطالها شباب مغاربة حاولوا بطرقهم الخاصة مواكبة الحراك السياسي والاجتماعي غير المسبوق الذي أطلقت شرارَته منذ بضعة أشهر حركةُ 20 فبراير، بهدف تحقيق عدد من المطالب الرئيسية، منها إرساء دعائم نظام سياسي ديمقراطي، ومحاربة الفساد والاستبداد بشتى أنواعه ومصادره، فضلا عن احترام إرادة الشعب المغربي، ومد الفئات الفقيرة بسبُل العيش الذي يصون كرامتهم. واعتبر خبير إعلامي أنه رغم الأدوار التي لعبتها مواقع اليوتوب أو الفيسبوك وغيرهما، فإنه لا يمكن اعتبار أن الثورات الشعبية والاحتجاجات الاجتماعية مصدرها هو هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة، لكون ما جرى في عدد من البلدان العربية كان نتيجة احتقانات متراكمة، فيما تعد هذه المواقع وما يُبث فيها بمثابة الريح التي تُذكي نيرانا مشتعلة في الأصل. وجدير بالذكر أن المغاربة أقبلوا بشكل لافت خلال السنة التي يودعها العالم، على مقاطع فيديو بثها ناشطون افتراضيون عبروا من خلالها عن وجهات نظرهم بخصوص الحراك السياسي والاجتماعي الدائر في البلاد، بين مؤيدين له بحكم أنه السبيل الوحيد لتحقيق مطالب الشعب، وبين منتقدين لهذا الحراك لما يتضمنه من عناصر سلبية تعود بالضرر على البلاد والعباد. مؤيدون ومنتقدون وكانت أشهر مقاطع الفيديو التي احتضنها موقع يوتوب الشهير، ما بثه محمد عليوين (الصورة)، الشاب المغربي الذي يعمل ويقيم في أمريكا، حيث حظيت رسائله الأولى التي وجهها إلى ملك البلاد بمتابعة كبيرة من لدن رواد هذا الموقع، وتناقلتها منابر إعلامية إلكترونية محلية عديدة. وحقق المقطع الذي انتقد فيه عليوين النظام السياسي الحاكم في البلاد، وهاجم من خلاله آل الفاسي الفهري، والذي تم بثه في شهر فبراير المنصرم بُيعد انطلاقة حركة 20 فبراير، مئات الآلاف من المشاهَدَات إلى حدود الآن، لكن توهج مداخلات هذا الشاب المشاكس حول بعض الأحداث الجارية، من قبيل الانتخابات التشريعية وانسحاب جماعة العدل والإحسان، خفتَ بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة. ونافس عليوين في الخرجات المدوية على متن موقع يوتوب، ناشط حقوقي وسياسي ينتمي إلى حركة 20 فبراير في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هو الدكتور شفيق العمراني، الذي يُلقب ب"عروبي في ميريكان"، حيث نالت مقاطع الفيديو التي أطلقها متابعة مكثفة لا يستهان بها. واتسمت مداخلات هذا الناشط بمهاجمته لجماعة العدل والإحسان، ولتيار السلفيين، وبحديثه عن ما يراها انتهاكات لحقوق الإنسان بالمغرب من طرف السلطات، وهو الشيء الذي جر عليه، على حد زعمه، تهديدات جدية من لدن جهاز المخابرات المغربية، تضامن معه بسببها مئات المدونين وناشطي العالم الافتراضي، غير أن أقوال "عروبي في ميريكان" هذه لاقت من جانب آخر تشكيكا في صحتها من طرف البعض الآخر، ومنهم محمد عليوين. وعرف الحراك الافتراضي بالمغرب خلال 2011 مداخلات أخرى تابعها مُبحرو فضاء الانترنت بكثير من الشغف والمتابعة، مثل ما كانت تجود به قريحة شابة من مغاربة العالم تدعى غزلان، لقبها البعض بصوت الحق الذي كسر حاجز الخوف، حيث "اشتهرت" بمقاطع الفيديو التي تضامنت من خلالها مع المعتقل الإسلامي بوشتى الشارف، والذي قال إنه تعرض للتعذيب في معتقل تمارة، كما أنها هاجمت الفاعل الحقوقي عبد الحميد أمين بخصوص موضوع حرية الجنس والإجهاض. وفي الجهة المقابلة، انتشرت مداخلات نُشطاء شباب على نفس الموقع الشهير، انتقدوا فيها اتجاهات الحراك السياسي الذي دشنته حركة 20 فبراير، ومنهم الناشط الشاب "فهد" الذي حظيت إحدى مقاطع الفيديو الذي بثه منذ أشهر قليلة بمتابعة فاقت 79 ألف مشاهدة. فهد يرى أن الشعب المغربي ذكي بما فيه الكفاية لكونه عرف كيف يدبر المرحلة السياسية التي يعيشها بنجاح ووعين بخلاف عدد من البلدان العربية التي سبحت في بحار من الدماء والأشلاء بفعل الثورات التي حدثت فيها، وبالتالي استطاع المغرب أن يصل إلى هدفه المتمثل في الإصلاح السياسي، دون وقوع ضحايا ولا خسائر كما حدث عند الجيران العرب. التقنيات لا تخلق الثورات وتعليقا على هذا الحراك الافتراضي الذي واكب وما يزال يواكب الحراك السياسي والاجتماعي على الأرض بالمغرب، قال الدكتور يحيى اليحياوي، الخبير الإعلامي المعروف، إن التقنيات الحديثة من قبيل اليوتوب والفيسبوك والدايلي موشن وغيرها، لا تخلق الثورات الشعبية، ولا الحراك السياسي. ويشرح اليحياوي في تصريحات لهسبريس أن الحراك المجتمعي الذي حصل هو نتيجة احتقانات سياسية واجتماعية ونفسية واقتصادية، تراكمت في مصر وتونس وليبيا وسوريا والمغرب، خلال 40 أو 50 سنة، ثم انفجرت في المحصلة. ومن الأدوات التي امتطتها مطالب الشعوب بالتغيير والإصلاح، يضيف الخبير المغربي، هناك مواقع اليوتوب والفيسبوك..، وهي مجرد عناصر مساعدة ومشجعة، تمثل الريح الذي يُذكي نارا مشتعلة في الأصل، مكنت من تشبيك مجموعة من الظواهر الاجتماعية، ومنها الاحتجاجات السياسية الحالية، لكنها ليست العنصر الحاسم أو المحدد لها. وخلص اليحياوي إلى القول إنه لو كانت هذه الوسائل التقنية تخلق الثورات، لكانت التلفزة او الإذاعة أو السينما سباقة إلى إحداث تلك الثورات، باعتبارها أسبق زمنيا بكثير من اليوتوب أو الفيسبوك..، مضيفا أن الثورات والاحتجاجات أتت وستأتي مستقبلا، سواء بمثل هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة أو بدونها.