هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة على ضوء النص القانوني والاجتهاد القضائي
نشر في هسبريس يوم 24 - 10 - 2019


التأطير القانوني للموضوع
تثير المادة التاسعة من مشروع قانون المالية لسنة 2020 المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة جدلا واسعا، بالنظر إلى ما ذهبت إلى التنصيص عليه من عدم إمكانية خضوع أموال وممتلكات الدولة، بأي حال من الأحوال، للحجز، بغاية إجبارها (الدولة) على أداء ما في ذمتها تجاه دائنيها بعد صدور حكم قضائي نهائي مكتسِب لقوة الشيء المقضي به.
وهي فرصة لإعادة فتح النقاش القانوني والفقهي حول هذه الإشكالية المرتبطة، بشكل عميق، بمنزلة الدولة وهيئاتها في ما يتعلق بتطبيق القانون، ومدى مشروعية تمييزها عن الأشخاص الطبيعيين، علما أن للإدارة تصرفاتٌ قانونية تخولها امتيازَ السلطة العامة، من قبيل استعمال القوة العمومية وسلطة نزع الملكية، كما أن لها تصرفاتٌ تلزمها ب "النزول" إلى منزلة الشخص الطبيعي، من قبيل التعويض عن الضرر، وذلك بحكم التحولات التي عرفها مجال تدخلها وأدواته، وبحكم التطورات القانونية المواكِبة في هذا الصدد، وكذا الاجتهادات القضائية والفقهية التي اختلفت في تحديد عدد من المفاهيم من مِثل المصلحة العامة والمرفق العام.
وعودةً إلى موضوع تنصيص مشروع القانون المالي على عدم جواز الحجز على أموال وممتلكات الدولة، يجدر بنا أولا الجواب على سؤال جوهري يتعلق بمدى وجود أو عدم وجود قاعدة قانونية مُخالِفة للمقتضى القانوني المذكور.
في هذا الإطار، تنص المادة السابعة من القانون رقم 41.90 المحدِث للمحاكم الإدارية على أنه تُطبَّقُ أمام المحاكم الإدارية القواعدُ المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، أما تنفيذ الأحكام الإدارية طبقا لنفس القانون فلم يَرِدْ سوى في مادة واحدة، ويتعلق الأمر بالمادة 49 التي تنص على أنه يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم.
وينص قانون المسطرة المدنية في فصله السادس والعشرين على أنه تختص كل محكمة بالنظر في الصعوبات المتعلقة بتأويل أو تنفيذ أحكامها أو قراراتها وخاصة في الصعوبات المتعلقة بالمصاريف المؤداة أمامها.
صعوبات إجبار الدولة على تنفيذ أحكام القضاء
كما تطرق المُشرع المغربي في الفصلين 149 و436 من قانون المسطرة المدنية للصعوبة في التنفيذ دون أن يحدد تعريفا لها، بل اكتفى بتحديد نوعين من الصعوبات: صعوبات قانونية وصعوباتٌ واقعية، حيث إذا أثارت الأطراف صعوبة واقعية أو قانونية لإيقاف تنفيذ الحكم أو تأجيله أُحيلت الصعوبة على رئيس المحكمة من لدن المنفذ له أو المحكوم عليه أو العون المكلف بتبليغ أو تنفيذ الحكم القضائي ويقدر الرئيس ما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبة مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي إلى المساس بالشيء المقضي به حيث يأمر في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك، وإذا ظهر أن الصعوبة جدية أمكن له أن يأمر بإيقاف التنفيذ إلى أن يبت في الأمر.
ولا ينص القانون المحدث للمحاكم الإدارية على مقتضيات خاصة لمواجهة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، لذا فالمرجع الممكن اعتماده هو المادة السابعة من القانون 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية التي تحيل على مقتضيات المسطرة المدنية.
إن هذا الفراغ القانوني الذي يعاني منه القضاء الإداري المغربي هو ما يدعم موقف الإدارة في امتناعها عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، تحت ذرائع متعددة، حيث إذا كان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الخواص، طبيعيين أو معنويين، لا يطرح مبدئيا أي إشكال نظرا لتوفر القاضي العادي على وسائل الجبر والإكراه، فإن القاضي الإداري لا يملك أي سلطة لإكراه الإدارة على التنفيذ، علما بأن الأحكام القضائية تكون قابلة للتنفيذ خلال ثلاثين سنة من اليوم الذي صدرت فيه و تسقط بانصرام هذا الأجل، وذلك حسب القواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري للأحكام الواردة في الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية.
كما أن هذا الخصاص على المستوى القانوني الذي جاءت مقتضياته فضفاضة في ما يتعلق بإلزام الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية الصدارة نهائيا ضدها هو ما يتيح إمكانيات واسعة أمام الدولة وهيئاتها للتحجج بعدم توفر أو عدم كفاية الاعتمادات المالية، أو بعدم مقروئية ووضوح نص الحكم القضائي وبالتالي الحاجة إلى تأويله وتفسيره، أو كذلك برؤيتها الأحادية، والضيقة والمحافظة غالبا، لمسألتَيْ الحفاظ على النظام العام أو المصلحة العامة.
لكن، من خلال استقراء بعض التجارب المقارنة، نجد مثلا أن مجلس الدولة الفرنسي لم يعترف نهائيا بعدم التنفيذ التي تستند فيه الإدارةُ إلى حجة مصلحة المرفق العام، إذ اعتبر أن تنفيذَ أحكام القضاء إنما هو تحقيقٌ لهذه المصلحة، وأن امتناع الإدارة عن التنفيذ يكرس الانطباع بأن الإدارة لا تحترم مبدأ المشروعية الذي يجب أن يلتزم به الجميع على قدم المساواة.
أموال الدولة العامة وأموالها الخاصة
هذا في الوقت الذي اختلف فيه الاجتهاد القضائي والفقهي الذي حرص بعضُهُ على التمييز بين أموال الدولة العامة وأموالها الخاصة، حيث ذهب إلى أنه إذا كان من غير الجائز الحجز على الأموال العامة والتصرف فيها لتسديد ديون الإدارة تجاه المدين، فيمكن في المقابل حجزُ أموال الدولة الخاصة لاستيفاء قيمة الدين الذي هو في ذمة الإدارة لصالح المحكوم له.
لكن اتجاهٌ فقهي آخر ذهب نحو رفض هذا التمييز، وفسر الأمر بكون أموال الدولة كيفما كان نوعها لا يُقبل التصرف فيها، سواء كانت عامة أو خاصة، ولا يجوز الحجز عليها، لما قد يتسبب فيه ذلك من مساس بهيبة الدولة التي يتعين أن تحظى بها في مواجهة الأفراد، ولما قد يترتب عن ذلك من مساس بالمصلحة العامة.
ويظهر جليا أن الاجتهاد الثاني هو أشد مُحافظةً وانتصارا لامتياز السلطة العامة للدولة.
الغرامة التهديدية لمواجهة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء
تجدر الإشارة إلى أن امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها يمكن أن يتخذ عدة تمظهرات من أهمها الامتناع الصريح في شكل قرار إداري جديد يخلق وضعية جديدة وأمرا واقعا يصبح معه تنفيذ الحكم الإداري مستحيلا، كما يمكن أن يتخذ الامتناع شكل التنفيذ المعيب عن طريق التنفيذ المتأخر او التنفيذ الناقص.
وإذا كان القاضي الإداري لا يستطيع سلوك طريق المقاصة أو الإكراه البدني ضد الإدارة نظرا لطبيعة شخصيتها الاعتبارية، إلا أنه لم يتوان في اعتماد أسلوب الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ.
بالنسبة للغرامة التهديدية فقد أقرها القانون منذ العمل بالمسطرة المدنية في سنة 1913، إلا أنه لم يحدد تعريفا لها على الرغم من التعديلات التي لحقته، حيث نجدها واردة في آخر تعديل لقانون المسطرة المدنية في الفصل 448 ضمن الباب الثالث الخاص بالقواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري للأحكام، حيث وردت كجزاء لرفض المنفَّذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف إلزاما بالامتناع عن عمل.
وتُعتبر محكمة النقض الفرنسية أول من عَرَّفَ الغرامة التهديدية بكونها وسيلة إكراه مختلفة كل الاختلاف عن التعويض، وهي ليست سوى وسيلة لردع الامتناع عن تنفيذ حكم، وليس من أهدافها تعويض الأضرار أو التماطل، وهي عادة تُستخلص حسب مدى خطورة غلط المدين الممتنع وحسب إمكانياته أيضا.
وفي المغرب تم تعريفها في عدة أحكام وقرارات، لكن كان السبق لهذا في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء التي حددت مفهوم الغرامة التهديدية بكونها وسيلة للضغط على المدين لإجباره على تنفيذ التزامه، والقاضي الذي يقوم بتصفية الغرامة التهديدية يتأكد أولا ما إذا كان التنفيذ ممكنا وما إذا كان تدخل المدين ضروريا.
الحجز على الأموال كوسيلة لضمان تنفيذ أحكام القضاء
أما بالنسبة للإمكانية الثانية لتنفيذ الأحكام فهي الحجز بنوعيه: الحجز التنفيذي والحجز لدى الغير، حيث نظم المشرع المغربي الحجز التنفيذي في الفصول من 459 إلى 487 من قانون المسطرة المدنية، وقد يقع على المنقولات كما قد يرد على العقارات المملوكة للمنفذ عليه.
لكن المنقولات أو العقارات التي يقع عليها الحجز يمكن ان تكون ملكيتها عامة أو خاصة لذلك يجب على القاضي قبل اتخاذ قرار الحجز أن يتأكد من طبيعة المنقول أو العقار، إذ ميزت مثلا المحكمة الإدارية بفاس، في قضية عُرضت عليها سنة 2002، بين المنقولات الخاصة والمنقولات العامة المملوكة للجماعة المدعى عليها، وفَرَّقَتْ بالتالي بين السيارات الشخصية أي المستعملة لفائدة أشخاص هذه الجماعة، وبين السيارات النفعية المستخدمة لخدمة المرفق، وانتهت في الأخير إلى القول إنه إذا كانت السيارات مملوكة من قبل الرئيس أو نائبه يجوز الحجز عليها باعتبارها أموالا خاصة، بحيث لا يعرقل هذا الحجز السير العادي للمرفق، أما السيارات النفعية الأخرى كشاحنات نقل النفايات وسيارات الإسعاف ونقل المستخدمين وغير ذلك، فهي لا تعتبر قابلة لتنفيذ الحجز عليها لأن من شأن ذلك الإضرار بالمنفعة العامة.
أما الحجز لدى الغير فهو مؤطر بموجب الفصول من 488 إلى 497 من قانون المسطرة المدنية، حيث نص الفصل 488 على أنه "يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين ثابت إجراء الحجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه".
نوازل قضائية طُبقت فيها وسيلة الحجز لدى الغير
وقد طبق القضاء الإداري هذا المقتضى في عدد من الحالات، نذكر منها قضية الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، حيث أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط أمرا بتاريخ 23 أبريل 1997 تحت العدد 99 قضى بالمصادقة على الحجز لدى الغير في حق الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، حيث تم الحكم بالمصادقة على الحجز لدى الغير وأمر المحجوز بين يديه بإيداع الرصيد المتوفر لديه من حساب المحجوز عليها بكتابة الضبط حتى تقوم بتوزيعه عن طريق المحاصة على طالبي الحجز.
و كان رد المحكمة بخصوص كون الوكالة الوطنية لمحاربة لسكن غير اللائق مؤسسة عمومية ولا يجوز الحجز على أموالها أن "الأموال التي يتشكل فيها رأس مال المحجوز عليها على افتراض أنها أموال عمومية، فإن جزء منها قد صدر أصلا لتسديد مستحقات أصحاب الأراضي المنزوعة ملكيتهم، وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤلاء ولا ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها"
وفي واقعة ثانية ضد المكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات النفطية الممتنع عن تنفيذ حكم صدر في مواجهته، قضت المحكمة عليه بأداء مبالغ مالية مهمة لفائدة أحد أطره، وجاء في الأمر القضائي بتاريخ 12/9/1997 بالملف عدد28/97 س: " إذا كان لا يجوز الحجز على أموال المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة، وليس لكون أموالها أموالا عمومية، مادام لا يوجد نص قانوني يمنع حجزها، ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر، فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لصالحه، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصيغة الإلزام التي تفرضها، وبحكم القانون، الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ"
وفي مثال ثالث يتعلق بالجماعات الترابية، نجد حكما صادرا عن المحكمة الإدارية بأكادير تحت عدد 92/06 بتاريخ 19/07/2006 نقرأ فيه: "...بإيقاع الحجز على أموال المجلس البلدي لطانطان بين يدي المحاسب العمومي (القابض البلدي لطانطان) في حدود الدين المحكوم به والفوائد القانونية والصوائر".
وفي قضية أخرى بين ورثةٍ ووزارة التجهيز والنقل أجازت المحكمة الإدارية بالرباط، بناء على الأمر رقم 29 بتاريخ 23 يناير 2007 بالملف عدد 07 / 376 س الحجز على الحساب الخاص بوزارة التجهيز والنقل لدى الخزينة، بعد امتناع الوزارة عن منح تعويض للورثة في قضية مرتبطة بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، و كان جواب الوزارة بعد أن تم الحجز على أموالها بحسابها المفتوح بالخزينة، أن الحجز الذي صادقت عليه المحكمة الإدارية انصب على أموال غير قابلة للحجز بطبيعتها لأنها "حساب خصوصي" ولكونها ضرورية لضمان سير المرفق العمومي ولا علاقة لها بتعويض المنزوعة ملكيتهم.
لكن رد المحكمة الإدارية بالرباط جاء متضَمَّنا في قرارها: "إذ كان يُشترط في طلب المصادقة على الحجز لدى الغير في مواجهة أشخاص القانون العام أن يكون الدين مما يدخل في عداد الأموال الخاصة وأن يكون ثابتا ومستحق الأداء، فأموال أشخاص القانون العام المودعة لدى المؤسسات المالية تُرصد عادة لتسديد ديونها والتعويضات المحكوم بها عليها مما يجوز معه الحجز عليها والتصديق عليه باعتبارها أموالا تخرج عن دائرة الأموال العمومية التي يترتب عن إيقاع الحجز عليها عرقلة وتعطيل الانتفاع بالمرفق العمومي".
ويتضح مما سبق أن الاجتهاد القضائي استقر على إمكانية الحجز على اعتمادات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها لدى الخزينة لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك، وفي حالة امتناع الخزينة عن تحويل المبالغ المحجوزة بعد المصادقة على الحجز من قبل القاضي الإداري، يمكن أن نتصور إمكانية الحجز على أموال الخزينة المودع حسابُها لدى مؤسسة بنك المغرب.
خلاصات واقتراحات
المادة 09 الواردة في مشروع القانون المالي لسنة 202 يمكن أن تشكل تراجعا عن الضمانات المتضمنة في روح دستور 2011 والتي يُفترض أن يتمتع بها المواطن والمقاولة أمام قوة وسائل الدولة؛
المادة 09 الواردة في مشروع قانون المالية لسنة 2020، لا سيما بصيغتها التعميمية والإطلاقية وعدم تمييزها بين أموال الدولة الممكن الحجز عليها وتلك التي يستحيل الحجز عليها، هي صيغة مخالفة للقانون، ولمجموع المبادئ الحقوقية التي تتوخى خفض الامتيازات غير المبررة للسلطة العامة للدولة وهيئاتها، في مقابل ضرورة الارتقاء بحقوق المواطنات والمواطنين والضمانات ال؛
إمكانيات ووسائل القضاء لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة محدودة وغير واضحة وذائبة في المسطرة المدنية المتوجهة أساسا للأفراد والخواص؛
الاجتهاد القضائي في هذا الصدد متقدم مقارنة مع النص القانوني؛
ضرورة انكباب المشرع على التنصيص الصريح على انسحاب وتعميم مقتضيات المسطرة المدنية المتعلقة بوسائل ومساطر تنفيذ الأحكام القضائية على الإدارة؛
أو فصل المقتضيات الخاصة بتنفيذ الأحكام القضائية وتمييز الوسائل المعتمدة ضد الأشخاص الذاتيين والخواص عن تلك المعتمدة ضد الأشخاص المعنوية العمومية؛
لتفادي تعسر التنفيذ على الإدارة، يمكن تعديل قانون المسطرة المدنية بالتنصيص على إمكانية منحها مهلة محددة الأجل للتنفيذ من يوم الإعذار بالتنفيذ".
ضرورة تنصيص القانون الجنائي على تجريم عدم تنفيذ الأحكام أو التسبب في التأخير في تنفيذها.
*باحث في العلوم الإدارية والمالية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.