قيل قديما: مطرب الحي لا يطرب... وأنا كمطرب للحي سأشذ عن القاعدة، وسأطرح وجهة نظري عبر هذا المنبر لعل المسؤولين عن القطاع في بلدي يعيرون لهذا الرأي إذا كان صائبا الاهتمام اللازم.. إن منظومتنا التعليمية لا تحتاج للإصلاح بقدر ما تحتاج إلى الإرادة السياسية الفعلية لهذا الإصلاح، لقد عايشت محاولات الإصلاح وأنا تلميذ بمختلف أسلاك التعليم بوطني هذا، ولما أصبحت واحدا من الفاعلين بالقطاع كذلك كانت هناك محاولات ومحاولات... لكن هذه المحاولات جميعها لم يكتب لها النجاح، والعائق دائما وأبدا لم يكن سوى غياب الإرادة ومن أطراف متعددة... وبما أن القانون الإطار قد بات ساري المفعول بمعية الرؤية الاستراتيجية، فإنني كفاعل صار على الهامش بعدما استفدت من التقاعد النسبي مكرها لا بطلا... وتركت من وراء ظهري أربعة وثلاثين سنة من التجربة، أردت أن أقترح هذه الخارطة المتواضعة لعلها تجد الآذان الصاغية والعيون الثاقبة: التعليم الأولي أو ما قبل المدرسة أقترح تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين عمريتين، الفترة الأولى وتهم الفئة العمرية من ثلاث سنوات إلى خمسة، والثانية تهم الفئة من خمسة إلى سبعة.... الفترة الأولى يتم خلالها التركيز على اللعب فقط، وحينما نقول اللعب فلا نقصد به اللعب العشوائي وإنما ذاك اللعب الهادف والمؤطر بقواعد علمية، من تكوين للمربيات التكوين الرصين إلى اختيار اللعب حسب السن والوسط الذي جاء منه الطفل وقس على ذلك، وقد وجدت في المقولتين التاليتين لعالمين من علماء التربية الجواب الشافي للمقترح: دع الطفل يلعب فإنه يتعلم ليس اللعب عند الطفل مضيعة للوقت وهناك العديد من الدراسات والآراء التي تصب في المجال، وما نجاح الطبيبة الإيطالية مونتسوري في تربية وتعليم فئة الأطفال المعاقين داخل حديقة الأطفال التي أسستها للغرض، إلا خير دليل على نجاعة التعلم والتربية عن طريق اللعب... الفترة الثانية وتنطلق من السنة الخامسة إلى السادسة ويتم خلالها المزج بين اللعب والتعلم ليتهيأ خلالها المتعلم لفترة التعلم الفعلي التقليدي، لينتقل الطفل بعدها في ما بين السادسة والسابعة من عمره إلى التعلم كمرحلة تأهيلية.... التعليم الابتدائي: وتقسم هذه المرحلة أيضا إلى فترتين: الفترة الأولى وتهم الأقسام من الأول إلى الثالث، بحيث تنطلق هذه الفترة بعدما يكون المتعلم قد لعب حتى الشبع وتهيأ للتعلم بشكل جيد وبات قادرا على تلقي الدروس بقابلية طبيعية، ويتم التركيز في هذه الفترة على الدعامات الأساس للتعلم: القراءة والكتابة ثم الحساب، وبمعنى آخر يقرأ ويكتب ويحسب..... تعلم اللغات الأم والأجنبية كتابة وقراءة وتعبيرا، زائد الأعداد كتابة وقراءة مع العمليات الأربع ناهيك عن المفاهيم الأخرى التي تتطابق مع العمر، مع تخصيص حصة النصف الأول من اليوم لهذه العمليات، بينما تخصص حصة النصف الثاني من اليوم للورشات، وأقترح في هذه المرحلة الاقتصار على ورشتي الفنون والتربية البدنية بالتناوب...ورشة الفنون تشمل الرسم والتشكيل والموسيقى والرقص فالمسرح، أما التربية البدنية فهي عكس الرياضة تنحصر في بعض الحركات والتنشيط بألعاب موافقة للسن... أما الفترة الثانية فتهم الأقسام من الرابع إلى السادس، وخلالها يمكن إضافة مواد أخرى حسب الحاجة علوم، اجتماعيات والتربية على القيم... ودائما التعلم بحصة الصباح والورشات بالمساء، وأقترح أن تضاف ورشة المهن لهذه الفئة العمرية بالتناوب أيضا مع إضافة الرياضة لورشة التربية البدنية، وهكذا نخصص لكل ورشة يومها مثال: الإثنين للمهن، الثلاثاء للتربية البدنية والرياضة، الأربعاء تخصص للفنون وهكذا دواليك.... مع العلم أن هذه المراحل كلها يتم مواكبتها بشبكة التتبع، وتقسم هذه الشبكة إلى أقسام متعددة نذكر منها، القسم النفسي، القسم الاجتماعي، القسم الصحي، القسم الخاص بالتعلم، وعند نهاية المرحلتين ما قبل المدرسة والابتدائي يتم توجيه المتعلم حسب النتائج المحصل عليها من خلال هذه الشبكة: فيتم توجيه المتفوقين إلى مواصلة التعليم العام، بينما يوجه الباقون حسب ميولاتهم ومهاراتهم، إما إلى التكوين المهني حسب الميول أو إلى مراكز التكوين الخاصة بالمهارات الرياضية أو الفنية....حتى لا يبقى واحد ومن الجنسين عرضة للضياع.... مرحلة الإعدادي: على خلاف ما هو معمول به الآن فأقترح تخصيص السنة الأولى من التعليم الإعدادي للجذع المشترك ثم يتم توجيه المتعلمين في السنة الثانية للشعب العلمية أو الاقتصادية أو الأدبية أو التكنولوجية، وذلك حسب الميول والنتائج بطبيعة الحال.... مع الاستمرار في تخصيص حصة الصباح للتعلم بينما حصة المساء تخصص للورشات ومن هنا يمكن أن نصنع الأبطال والنجوم في أصناف رياضية مختلفة، وفي مختلف الفنون.... زائد الإقبال على التعلم بمعنويات جد مرتفعة بعد التخفيف من أعباء التمدرس والاقتصار على ما يفيد وبشكل جيد... مرحلة التأهيلي: تعتبر هذه المرحلة مرحلة تؤهل المتعلم للتعليم العالي، وحتى لا نسقط في التمييز اللإيجابي بين المتعلمين في جامعاتنا وفي باقي مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، فإنني أقترح ما يلي: يكون التوجيه من الإعدادي حسب الشعب والميول بطبيعة الحال، فالراغب في دراسة الطب يوجه إلى شعبة علوم الحياة والأرض والعلوم الطبية. والراغب في الهندسة بمختلف فروعها وصنوفها يوجه لشعبة الفيزياء والكيمياء أو شعبة الرياضيات ثم الشعب التكنولوجية، وذلك حسب الرغبة والخصاص في كل نوع أو ضرب من ضروب الهندسة.. وتبقي الشعب الأدبية مخصصة لباقي الوظائف والمهن التي تحتاج لهذه الأنواع من الدراسات، العلوم القانونية والاجتماعية والنفسية واللسانية... أما الاقتصاد والتجارة فيبقى للشعب الاقتصادية بمختلف أصنافها أيضا، ومن هنا فسيرسم كل متعلم طريقه نحو هدف محدد وباختيار وتوجيه محكم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون بعيد عن تجارة النقط وبعيدا عن المحسوبية والزبونية وباقي الموبقات التي باتت تنخر مدارسنا... وبات الميسورون يحتكرون التعليم الجيد والناجع وفي صورتيه الحقيقية والصورية، وصارت المدارس والمعاهد العليا حكرا على هذه الفئات بينما تبقى الكليات هي الملاذ للباقي ، وهي تكوين قبل الولوج إلى عالم البطالة .... وقد تكون بعد الفلتات من بعض عباقرة الطبقة الهشة والفقيرة التي تصل عن جدارة واستحقاق إلى تلك المعاهد والمدارس وكذا الطب والهندسة.... هذه باختصار شديد خارطة طريق قد يعتريها جزء من الصواب كما يمكن أن يكون العكس، وهي تحتاج لنقاش هادف ليحذف منها الخطأ واللاصواب.... أو يتم تحسينها بالإضافات الناقصة... *معلم متقاعد